بين مرمرة و مادلين.. ماهي الدروس ؟

حقق الكيان الصهيوني في سوريا معظم أهدافه بعد إسقاط نظام الأسد في إطار مشروع إقليمي دولي أثبته الرئيس ترامب بلقائه مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض.

0:00
  • مرمرة ومادلين.
    مرمرة ومادلين.

كما كان متوقعاً قامت مجموعة من  القوات الإسرائيلية بعملية إنزال على سفينة مادلين فجر الإثنين، وسيطرت على السفينة التي كان على متنها 12 ناشطاً دولياً، انطلقوا الأحد من ميناء صقلية الإيطالي، في إطار حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، وكسر الحصار الإجرامي المفروض عليه من قبل الكيان الصهيوني.

وكان الكيان العبري قد اقتاد السفينة إلى ميناء أشدود، وقام بترحيل بعض الناشطين عبر مطار بن غوريون، فيما رفض خمسة منهم عملية الترحيل، وستجري محاكمتهم. 

الهمجية الإسرائيلية أدت وكالعادة إلى ردود فعل كلامية، بما فيها تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي دعا "تل أبيب" إلى الإفراج الفوري عن الناشطَين الفرنسيَّين اللذين كانا على متن السفينة الإنسانية، وإعادتهما إلى بلدهما في أسرع وقت ممكن"، مكرراً انتقاداته لسياسات "تل أبيب" ضد الفلسطينيين في غزة واصفاً إياه "بالعار".

واكتفت أنقرة بدورها ببيان لوزارة الخارجية التي استنكرت العدوان الإسرائيلي على سفينة مادلين، وكان على متنها مواطنان تركيان.

موقف أنقرة الفاتر هذا أثار ردود فعل من جانب المعارضة التي ناشدت  الحكومة قطع علاقاتها التجارية مع "إسرائيل" فوراً، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي تنشر مشاهد السفن، التي تنقل يومياً المنتجات والمعدات الاستراتيجية التركية إلى الكيان الصهيوني من الموانئ التركية. فيما تستمر ناقلات النفط بنقل البترول الأذربيجاني، الذي يصل بواسطة الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي على الأبيض المتوسط، في إطار اتفاقيات التحالف الاستراتيجي بين "تل أبيب" وباكو. 

ويأتي التناقض التركي الرسمي هذا امتداداً لتناقضات أنقرة المتكررة بعد حادث سفينة مرمرة، التي هاجمتها القوات الإسرائيلية واستولت عليها ليلة 31 مايو/ أيار 2010، وقتلت عشرة مواطنين أتراك كانوا على متنها.

وأدى ذلك آنذاك إلى ردود فعل عنيفة لدى الحكومة التي تراجعت عن موقفها هذا، بعد أن قال رئيس الوزراء إردوغان مخاطباً مسؤولي هيئة الإغاثة الإنسانية صاحبة سفينة مرمرة "من أذن لكم بالتوجه إلى غزة".

وجاءت المفاجأة الثانية عندما وقّعت أنقرة على اتفاقية مع "تل أبيب" في 28 حزيران/يونيو 2016 تعهدت بموجبها بإسقاط كل الدعاوى المقامة ضد نتنياهو ووزير دفاعه أشكنازي، والبعض من الضباط، وذلك مقابل 20 مليون دولار تبرعت بها "إسرائيل" (كتبرع وليس كتعويضات) لعائلات الضحايا، التي استنكرت الاتفاقية، كما تظاهرت ضد قرار المحاكم التي أسقطت الدعاوى، بناءً على تعليمات الحكومة في 9  كانون الأول/ديسمبر 2016.

وشهدت العلاقات التركية - الإسرائيلية بعد ذلك العديد من حالات المد والجزر، وما زالت مستمرة بكل تناقضاتها، التي لم تمنع أنقرة من الاستمرار في علاقاتها السياسية والاقتصادية والتجارية مع الكيان العبري، حالها حال معظم الأنظمة العربية التي لم تتجرأ حتى على استنكار العدوان على سفينة مادلين، كما تجاهلت خبر الهجوم الذي تعرّضت له سفينة إغاثة أخرى، قبل أن تنطلق من أحد موانئ مالطا، في الأول من الشهر الماضي باتجاه غزة.

ومع انتظار نتائج القافلة المغاربية البرية التي انطلقت من تونس، وتلك التي ستنطلق من القاهرة باتجاه رفح بمشاركة المئات من الشخصيات العالمية، ضمن حملة أسطول الحرية، للتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، يعرف الجميع أن الكيان العبري الصهيوني لا ولن يتراجع عن سياساته الهمجية في غزة.

فهو يعرف جيداً أن ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية ستبقى في إطار التنديد والاستنكار التي يستهتر بها هذا الكيان، ويعرف جيداً حجم التواطئ العربي والإسلامي والدولي معه، لا فقط ضد الشعب الفلسطيني، بل فيما يتعلق بمجمل سياساته الإقليمية والدولية، التي أوصلت المنطقة إلى حافة الانهيار والدمار، بعد العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا.

وحقق الكيان الصهيوني فيها معظم أهدافه بعد إسقاط نظام الأسد، في إطار مشروع إقليمي دولي أثبته الرئيس ترامب بلقائه مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض، بعد أن حظي بقبول وتأييد ودعم معظم الأنظمة العربية والإسلامية.

ويستمر تآمرها على القضية الفلسطينية وعلى كل من يتضامن معها في لبنان واليمن وإيران والعديد من الدول العربية والإسلامية، كما تتآمر على ضمير ووجدان الملايين من الشرفاء في جميع أنحاء العالم، الذين خرجوا وما زالوا يخرجون يومياً تعبيراً عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وهو ما فعله منظمو حملة التضامن في أسطول الحرية، التي منعت "تل أبيب" وصول سفينتها مادلين إلى غزة، بغياب التضامن العربي والإسلامي والدولي العملي والفعال معها.

فلو كان هذا التضامن  موجوداً لما تجرأت "تل أبيب" على فعلتها التي قامت بها، لا فقط ضد سفينتي مادلين ومرمرة، بل ضد فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وإيران، التي استنفرت كل إمكاناتها في التصدي لسياسات الكيان  الصهيوني، ودفعت ثمن ذلك غالياً، وأمام أنظار الدول الإمبريالية والاستعمارية، التي دعمت وما زالت تدعم هذا الكيان الهمجي.

في الوقت الذي تجاهل فيه  البعض من الحكام العرب والمسلمين، ما قام ويقوم به هذا الكيان ورحّب به آخرون، وكلٌ ضمن حساباته الضيقة، التي استغلّها الصهاينة وحققوا بفضلها معظم أهدافهم، التي لم يبقَ منها إلا القليل استراتيجياً، أي عقائدياً وتاريخياً ودينياً.

وهو ما لا ولن  يتحقق له مع استمرار صمود الشرفاء والمخلصين لقضاياهم في الدول العربية والإسلامية وجميع دول العالم، وما عليها بعد الآن إلا أن تتمرد، لا فقط ضد هذا الكيان الهمجي، بل أيضاً ضد كل من يقف إلى جانبه أو يتواطأ معه، وأياً كان من الفلسطينيين العملاء أو العرب والمسلمين الجبناء، الذين باعوا ضمائرهم للشيطان الصغير منه والأكبر!