تركيا وانتخابات العراق هل من منافسة خليجية

سعت تركيا في عهد إردوغان إلى التأثير على الانتخابات وعلى السياسيين السنة العراقيين من خلال تشجيع تشكيل تحالفات سنية موحّدة وتنمية علاقات وثيقة مع بعض القادة.

0:00
  • سياق التدخّل التركي في السياسة العراقية.
    سياق التدخّل التركي في السياسة العراقية.

خضع قانون الانتخابات العراقي لتغييرات كبيرة، كان آخرها في عام 2023. يعود النظام الحالي، إلى نموذج التمثيل النسبي، وهو يهدف إلى الحدّ من التشرذم السياسي، ولكن يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يفضّل الأحزاب الأكبر حجماً والأكثر رسوخاً على حساب المستقلين، وتتسم التحالفات السياسية العراقية بتقلّبات شديدة. وكثيراً ما تتغيّر وتعيد ترتيب صفوفها قبل الانتخابات وبعدها، حيث تنفصل بعض الأحزاب أو تُشكّل شراكات جديدة. ما يعني تغيّراً في هيكل الحكومة بين الدورات الانتخابية.

سعت تركيا في عهد إردوغان إلى التأثير على الانتخابات وعلى السياسيين السنة العراقيين من خلال تشجيع تشكيل تحالفات سنية موحّدة وتنمية علاقات وثيقة مع بعض القادة. ومع ذلك، فإنّ مدى وطبيعة هذا النفوذ هما موضع نقاش مستمر، وهو جزء من نمط أوسع وطويل الأمد من التدخّل التركي في الشؤون العراقية. 

سياق التدخّل التركي في السياسة العراقية

حافظت تركيا تاريخياً على علاقاتها مع مختلف المجموعات السياسية والطائفية العراقية لتجنّب الاعتماد على فصيل واحد. وقد تجلّى هذا النهج في لقاءاتها مع سياسيين شيعة بارزين، مثل نوري المالكي ومقتدى الصدر.

منذ عقدين زادت من تركيزها على دعم جهات سنية محدّدة، ولا سيما بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية وهزيمته.

وكان الرئيس إردوغان قد التقى في انتخابات 2021 بقادة سنّة عراقيين بارزين، بمن فيهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وخميس الخنجر. واعتبر المحلّلون ذلك محاولةً لإقناعهم بتوحيد صفوفهم، مما أدّى في النهاية إلى تشكيل تحالف السيادة السني. كانت اجتماعات قد ضمّت رئيس المخابرات التركية، ببعض السياسيين السنة. فسّر بعض المراقبين ذلك كدليل على انخراط المخابرات التركية بشكل فاعل في إدارة "الملف السني". 

كانت استراتيجية تركيا تتمثّل في تشجيع جبهة سياسية سنية موحّدة والحفاظ عليها. وكان تعتبر أنه أمرٌ بالغ الأهمية للحفاظ على دور أنقرة في العراق، ولا سيما في ظلّ الديناميكيات السياسية المتغيّرة والتحدّيات الناشئة من الفصائل الموالية لإيران.

أما الأحزاب السنية العراقية فهي تعاني من انقسامات داخلية ومن التنافس الشديد بين الفصائل المختلفة والقادة الأفراد، مع ظهور صدع كبير بين رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي وغيره من السياسيين السنة البارزين. 

في آذار/مارس 2025، أشارت التقارير إلى أنّ أربع قوائم انتخابية سنية رئيسية في حال تشكّل، مما يسلّط الضوء على تجزئة الطائفة بدلاً من توحيدها وهي حزب تقدّم بقيادة رئيس البرلمان المخلوع مؤخّراً، محمد الحلبوسي. تحالف السيادة برئاسة رجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر. تحالف عزم بقيادة مثنى السامرائي كتلة جديدة شكّلها محمود المشهداني، رئيس البرلمان الحالي، والذي يضمّ رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وهو سياسي شيعي علماني. 

الصراع طويل الأمد بين الشخصيات السنية المؤثّرة مثل الحلبوسي والخنجر، والذي حال دون تشكيل جبهة موحّدة الصراع على القيادة والسيطرة على المناصب الحكومية يهيمن على السياسة السنية. 

ترى تركيا أنّ المنافسة الشديدة تساهم في شرذمة الموقف السياسي العامّ للأحزاب السنية، مما يجعلها أكثر عرضة للتلاعب من قبل الجماعات الطائفية الأخرى. فيما تتأثّر الصراعات الداخلية على السلطة باللاعبين الإقليميين.

استراتيجية تركيا المتغيّرة في العراق

يعتبر العراق شريكاً تجارياً رئيسياً لتركيا، حيث يستورد كميات كبيرة من السلع التركية، بما في ذلك المواد الغذائية. وتُعدّ تركيا لاعباً رئيسياً في اقتصاد إقليم كردستان، حيث تعمل العديد من الشركات التركية هناك. يتعاون البلدان في مشروع "طريق التنمية"، وهو شبكة طرق وسكك حديدية تربط ميناء الفاو الكبير في العراق بتركيا. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء طريق تجاري جديد يربط الخليج بأوروبا.

في أعقاب زيارة الرئيس التركي إردوغان إلى بغداد في نيسان/أبريل 2024، وقّعت الدولتان العديد من مذكّرات التفاهم بشأن إدارة المياه والأمن والتنمية الاقتصادية. لكن بناء تركيا للسدود على نهري دجلة والفرات يعدّ نقطة خلاف قديمة.

اتهم العراق، تركيا بتقييد إمداداتها المائية، مما أدّى إلى تفاقم المشكلات المناخية والبيئية. وكان النزاع حول صادرات النفط المستقلة لحكومة إقليم كردستان قد أدى  إلى وقف تركيا لتدفّق النفط من العراق في عام 2023. وفي حين تهدف الاتفاقيات الأخيرة إلى حلّ هذه القضية، إلا أنها تظلّ نقطة احتكاك.

أما علاقة تركيا مع حكومة إقليم كردستان فهي شبه مستقلة، مما يُضيف في كثير من الأحيان مستوىً آخر من التعقيد إلى تعاملاتها مع الحكومة العراقية المركزية، لكن تشير المبادرات الدبلوماسية الأخيرة إلى رغبة بغداد وأنقرة في استقرار علاقاتهما وتحسينها. 

تحوّلت أولوية تركيا بشكل متزايد نحو إعطاء الأولوية للعلاقات الاقتصادية مع الحكومة المركزية في بغداد. ويشمل ذلك دعم مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، مثل طريق التنمية، الذي يهدف إلى ربط جنوب العراق بالحدود التركية عبر الطرق السريعة والسكك الحديدية. وقد دفعت هذه الأولويات الاقتصادية التعاون مع بغداد، بما في ذلك مع السياسيين الشيعة البارزين. كما أنّ زيادة التعاون العسكري والاستخباراتي مع الحكومة العراقية الاتحادية تحلّ محلّ أيّ تحالف حصري مع الفصائل السنية. 

تركيز تركيا مؤخّراً على العلاقات الثنائية مع بغداد، بما في ذلك الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، يهدف إلى ترسيخ موقفها قبل الدورة الانتخابية المقبلة. تركّز استراتيجيتها على البراغماتية بدلاً من النهج الطائفي الذي يركّز على السنة.

إلّا أنّ السعودية والإمارات تتنافسان على تأدية دور سياسي نشط في العراق، وتكثيف مشاركتهما قبل انتخابات عام 2025 المتوقّعة في تشرين الثاني/نوفمبر  ويمثّل ذلك تحوّلاً كبيراً عن نهجهما السابق الذي كان الأكثر طائفية وتحوّل إلى استراتيجية أوسع تركّز على الاستثمار الاقتصادي وتعزيز العلاقات مع الجماعات السياسية العراقية المتنوّعة لمواجهة النفوذ الإيراني.

الدافع الأساسي للمملكة العربية السعودية هو مواجهة نفوذ إيران العميق الجذور في العراق. تهدف الرياض إلى تقديم نفسها كشريك أكثر موثوقية وقابلية للتطبيق اقتصادياً لبغداد.

تستخدم المملكة قوتها المالية لكسب النفوذ من خلال الاستثمار في المشاريع الكبرى وزيادة التجارة. وينظر إلى ذلك على أنه أداة رئيسية لجذب الشخصيات السياسية العراقية بعيداً عن فلك طهران.

كذلك تستخدم المملكة العربية السعودية التواصل الثقافي والاجتماعي لتحسين صورتها بين الجمهور العراقي. تشمل المبادرات البارزة رعاية الأحداث الثقافية والجهود المبذولة لإعادة بناء مسجد بارز.

أما الإمارات  فهي تركّز بشكل كبير على الدبلوماسية الاقتصادية وجهود إعادة الإعمار، ولا سيما في المناطق التي دمّرتها الحرب مع "داعش". في عام 2021، تعهّدت الإمارات العربية المتحدة بتقديم 3 مليارات دولار لإعادة إعمار العراق بعد الصراع. المشاركة الاقتصادية الإمارتية هي الوسيلة الرئيسية لاكتساب النفوذ.

وهي تركّز على فرص الاستثمار في مجالات الطاقة والزراعة والبنية التحتية، بهدف جعل العراق أكثر اعتماداً اقتصادياً على الخليج وأقلّ اعتماداً على إيران. استراتيجيتها تتماشى على نطاق واسع مع الجهود السعودية لدمج العراق بشكل أوثق في العالم العربي.

وتأمل أبو ظبي أن يؤدّي ذلك إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي. انخرطت الإمارات بشكل استراتيجي مع فصائل عراقية محدّدة وحكومات إقليمية، مثل حكومة إقليم كردستان، حيث تعدّ مستثمراً رئيسياً. 

تدعم الولايات المتحدة المشاركة السعودية والتركية بشكل جماعي من أجل موازنة إيران، والهدف ليس استبدال النفوذ الإيراني بنفوذ قوة إقليمية أخرى، لكنها تعتقد أنّ هذه الاستراتيجية تساعد في احتواء النفوذ وفي الوقت عينه تمنع أيضا أيّ جهة فاعلة من تأكيد الهيمنة في المنطقة.