تعزيز التعاون بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية
في مواجهة عدم القدرة على التنبؤ بسياسات ترامب الجمركية، أصبح تعزيز النمو الداخلي الإقليمي، وتوسيع التعاون، تجارياً واستثمارياً، خياراً عقلانياً للدول الثلاث لتقليل المخاطر. والآن، نعيش عالماً يتسم بالانقسام.
-
تشكل الدول الثلاث، الصين واليابان وكوريا الجنوبية، معاً، محور التصنيع الشرقي الآسيوي.
في الـ30 من آذار/مارس، عُقدت النسخة الـ13 من الاجتماع الثلاثي لوزراء الاقتصاد والتجارة بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية في سول، في كوريا الجنوبية، بهدف تعزيز التعاون التجاري الإقليمي بعد التعرفات الجمركية الأميركية. ويُعَد هذا الحوار الاقتصادي الأول بين الدول الثلاث خلال خمسة أعوام ونصف عام، وهو لقاء رفيع المستوى أتى بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في الـ22 من آذار/مارس.
خلال أسبوع واحد فقط، شهدت الاجتماعات رفيعة المستوى بين الدول الثلاث تكراراً ملحوظاً، الأمر الذي يرسل بعض الإشارات المهمة.
منذ توليه المنصب، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب "عصا التعرفات" نحو كل دولة من دون تمييز بين الحلفاء والأعداء. ومؤخراً، أعلن ترامب فرض تعرفات جمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة، الأمر الذي دفع عدداً من شركات صناعة السيارات، التي تعتمد على السوق الأميركية كونها أكبر سوق استهلاكية للسيارات في العالم، إلى حافة الهاوية، بحيث كانت اليابان وكوريا الجنوبية في مقدمة المتأثرين.
في عام 2024، بلغت صادرات السيارات اليابانية إلى الولايات المتحدة 6.0261 تريليون ين (نحو 40 مليار دولار)، وهو ما يمثل 28.3% من إجمالي الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة. ووفقا لوكالة "بلومبرغ"، شكّلت صادرات السيارات 17% من إجمالي الصادرات اليابانية في عام 2024. كما تُعَد الولايات المتحدة أيضاً أكبر سوق للتصدير بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات الكورية الجنوبية، بحيث بلغت صادرات السيارات الكورية إليها 34.744 مليار دولار عام 2023، وهو ما يمثل 49.1% من إجمالي صادرات السيارات الكورية، وفقاً لبيانات جمعية التجارة الكورية.
في مواجهة الضغوط الخارجية المشتركة، تسعى الدول الثلاث، الصين واليابان وكوريا الجنوبية، لتعزيز التعاون للمحافظة على الاستقرار والازدهار الإقليميين.
في الـ22 من آذار/مارس، عقد وزراء خارجية الصين واليابان وكوريا الجنوبية اجتماعاً ثلاثياً في طوكيو، وأكد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، ضرورة تعزيز التواصل والثقة المتبادلة والتعاون وسط عالم متغير. وقال وزير الخارجية الكوري الجنوبي، تشو تاي يول، إن السلام والأمن في شبه الجزيرة الكورية شرطان أساسيان للسلام والازدهار في شرقي آسيا والعالم. وأعرب وزير الخارجية الياباني، تاكيشي إيوايا، عن أن الدول الثلاث تواجه تحولاً تاريخياً في ظل الوضع الدولي متزايد الخطورة.
وكانت نتائج الحوار بنّاءة، بحيث تم التوصل إلى 20 اتفاقية مهمة تشمل تعزيز التعاون في مجالات التنمية الخضراء، وحماية البيئة، وتسريع التعاون في تجارة الخدمات، وتقوية التعاون في سلاسل التوريد، وما إلى ذلك.
وفي الاجتماع الثلاثي لوزراء الاقتصاد والتجارة، في الـ30 من آذار/مارس، اتفقت الأطراف الثلاثة على تعزيز تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، بحيث تكون الدول الثلاث، الصين واليابان وكوريا الجنوبية، أعضاء أساسيين فيها، وكذلك خفض الحواجز الاقتصادية الإقليمية، الأمر الذي قد يوفر تأثيراً مخففاً لشركات السيارات اليابانية والكورية المتضررة من تعرفات ترامب. كما اتفقوا على تسريع مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية (FTA)، مؤكدين دعمهم نظاماً تجارياً متعدد الأطراف، قائماً على القواعد، ومفتوحاً وشاملاً وشفافاً وغير تمييزي. وشددوا، في الوقت نفسه، على ضرورة تعزيز الإصلاحات الضرورية لمنظمة التجارة العالمية للاستجابة بصورة أفضل للتحديات التجارية الحالية.
لا يعكس هذا الاتفاق تخفيضاً أكبر للحواجز التجارية بين الدول الثلاث فحسب، بل يشير أيضاً إلى انتقال التعاون الاقتصادي الثلاثي إلى مرحلة جديدة. وتحت "الحافز"، الذي فرضه ترامب، قد يكون له تأثير في تسارع وتيرة التكامل الاقتصادي الإقليمي.
يشكل الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية حجر أساس للاستقرار الإقليمي. فاليابان هي الشريك التجاري الثاني للصين، بينما تُعد الصين الشريك التجاري الأكبر لليابان ومصدر وارداتها الرئيسي. وفي 2024، نمت صادرات كوريا الجنوبية إلى الصين - أكبر شريك تجاري لها بنسبة 6.6%، حيث ازدهرت تدفقات الاستثمار بين الدول الثلاث.
ومع تصاعد الحمائية التجارية، تبرز أهمية سلاسل التوريد العالمية أكثر من أي وقت مضى. تتكامل الموانئ ومرافق السكك الحديدية وموارد العمالة في الصين مع قوة التصنيع في اليابان وخبرة كوريا الجنوبية في مجال أشباه الموصلات. وتقارب الموقع الجغرافي للدول الثلاث يمكنها من بناء سلاسل توريد آمنة وفعالة، وخلق بيئة عمل يمكن التنبؤ بها وموثوقة.
وعلى الصعيد الثقافي، ساهم التراث الثقافي المشترك في تعزيز التفاهم المتبادل بين الدول الثلاث، بحيث تؤكد هذه التقاليد الانسجام والاحترام، الأمر الذي يجعل التواصل على المستويين الحكومي والاجتماعي أكثر سلاسة.
في مواجهة عدم القدرة على التنبؤ بسياسات ترامب الجمركية، أصبح تعزيز النمو الداخلي الإقليمي، وتوسيع التعاون، تجارياً واستثمارياً، خياراً عقلانياً للدول الثلاث لتقليل المخاطر. والآن، نعيش عالماً يتسم بالانقسام. لذلك، يمثل التعاون الثلاثي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية دعامة لآسيا.
كقوى رئيسة في آسيا والمحيط الهادئ واقتصادات عالمية مهمة، تشكل الدول الثلاث، الصين واليابان وكوريا الجنوبية، معاً، محور التصنيع الشرقي الآسيوي، وتحتل موقعاً مركزياً في سلاسل التوريد العالمية. وستعطي الحيوية الناتجة من تعاونها قوة دافعة قوية للتكامل الإقليمي في آسيا والمحيط الهادئ، وتوفر مرسى استقرار حيوياً للسلاسل الصناعية العالمية.
في خلفية تصاعد الأحادية والحمائية، ترسل خطوات الدول الثلاث إشارات إيجابية، تعكس موقفاً استباقياً لمواجهة التحديات، وتصميماً مشتركاً على تعزيز التعاون، اقتصادياً وتجارياً، وتنمية الاقتصاد الإقليمي في ظل تزايد عدم الاستقرار وعدم اليقين العالمي. كما أكدت الصين عزمها توسيع الانفتاح عالي المستوى، واستعدادها للمشاركة في فرص التنمية مع جميع الدول، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان.