حقبة جديدة من التعاون الصيني- الأفريقي بعد قمّة "بريكس"

الدعم الملموس من الجانب الصيني للقارة السمراء سيعزّز بشكل فعّال أصوات البلدان الأفريقية ونفوذها على الساحة الدولية ويهيّئ بيئة جيدة لتحقيق التحديث والتطوير لها.

  •  التعاون الصيني- الأفريقي.
    التعاون الصيني- الأفريقي.

لأوّل مرّة يحضر معظم زعماء الدول الأفريقية قمة "بريكس" في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا بدعوة رئيس جنوب أفريقيا رامافوزا، والتقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بهم على هامش القمة وشارك في رئاسة حوار قادة الصين وأفريقيا، الذي يعتبر أول اجتماع جماعي مباشر بين الصين وقادة الدول الأفريقية منذ تفشي وباء كوفيد-19، بهدف "الدفع بالتعاون الصيني الأفريقي في العصر الجديد".

ظلت العلاقات الصينية الأفريقية حجر الأساس لسياسة الصين الخارجية، فكانت أول زيارة قام بها شي جين بينغ منذ توليه الرئاسة عام 2013 هي زيارة إلى قارة أفريقيا، وطرح شي مبدأ الإخلاص والنتائج الحقيقية والتقارب وحسن النية باعتباره ركيزة لسياسة الصين في أفريقيا. 

كما حافظت الصين على التقليد الدبلوماسي المتمثّل في أن تكون أفريقيا مقصد أول زيارة خارجية لوزير الخارجية الصيني في السنة الجديدة منذ عام 1991، ولم يتوقّف هذا التقليد حتى في أشد الأوقات خلال تفشي الوباء، ما يدل على الصداقة الصينية الأفريقية.

في يوم 24 آب/أغسطس، ألقى الرئيس شي خطابه في حوار قادة الصين وأفريقيا، مؤكداً أن الصين ستعمل مع أفريقيا لتعزيز تضافر الاستراتيجيات الإنمائية، وتكون رفيق الطريق لأفريقيا نحو التحديث.

في الأعوام الماضية، تواصل الصين دورها البارز في مجال البنية التحتية في أفريقيا، حيث تظهر دراسة نشرتها مؤسسة هينريش (Hinrich Foundation) مؤخراً أنه في عام 2013، كانت مشاريع البنية التحتية للشركات الغربية في أفريقيا نسبتها 37%، وكانت نسبة الصين 12%. لكن بحلول عام 2022، استحوذت الشركات الصينية على 31% من عقود مشاريع البنية التحتية الأفريقية التي تتجاوز قيمتها 50 مليون دولار أميركي، مقارنة بنسبة 12% للشركات الغربية.

منذ عام 2000، قامت الصين ببناء أكثر من 6000 كيلومتر من السكك الحديدية، و6000 كيلومتر من الطرق، وما يقرب من 20 ميناء، وأكثر من 80 مرفقاً كبيراً للطاقة الكهربائية في أفريقيا، وساعدتها في بناء أكثر من 130 مستشفى وعيادة، وأكثر من 170 مدرسة، و45 ملعباً رياضياً، وأكثر من 500 مشروع زراعي. الأمر الذي أتاح فرص العمل للمحليّين وتحسين سبل المعيشة في أفريقيا.

في مجال التجارة، ظلت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 14 عاماً على التوالي. ومنذ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ارتفع حجم التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا من 87.37 مليار يوان في عام 2000 إلى 1.87 تريليون يوان في عام 2022.

وفي الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، حافظت التجارة بين الصين وأفريقيا على زخم جيد، حيث بلغ حجم التجارة 1.14 تريليون يوان، بزيادة سنوية قدرها 7.4%، وتجاوز بكثير معدل النمو الإجمالي للتجارة الخارجية للصين خلال الفترة نفسها، وأصبح قوة دافعة جديدة لنمو التجارة الخارجية للصين.

تعد الصين حالياً ثاني أكبر وجهة للصادرات الزراعية من أفريقيا. ويمثّل السمسم والفول السوداني الأفريقي 80% من إجمالي واردات الصين من السلع المماثلة. وبحلول عام 2035، من المتوقّع أن يصل حجم التجارة السنوية بين الصين وأفريقيا إلى 300 مليار دولار أميركي.

إضافة إلى ذلك، تشارك الصين بنشاط في تطوير تعليم المواهب المحلية، ودفع تحويل الموارد السكانية إلى العائد الديمغرافي في أفريقيا، مما يعزّز قدرات التنمية المستقلة للدول الأفريقية. على سبيل المثال، في عام 2018، كجزء من مبادرة "الإجراءات الثمانية"، اقترح الرئيس شي أثناء قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي إقامة 10 ورش لوبان في أفريقيا لتوفير التدريب على المهارات المهنية للشباب الأفريقي. مند افتتاح أول ورشة لوبان أفريقية في جيبوتي في آذار/مارس 2019، قد أنشأت الصين 11 ورشة لوبان في 10 دول أفريقية، التي حدّدها الاتحاد الأفريقي كمركز تدريب للموظفين ذوي المهارات العالية لجميع البلدان الأفريقية.

وفي حوار قادة الصين وأفريقيا هذا العام، طرح الرئيس شي ثلاث مبادرات وتدابير، وهي "مبادرة دعم التصنيع في أفريقيا"، و"خطة دعم الصين للتحديث الزراعي في أفريقيا"، و"خطة التعاون الصيني-الأفريقي في تنمية المواهب"، وهي مبادرات تلبّي احتياجات التحديث والتنمية في أفريقيا، وتظهر دعم الصين الثابت لتعزيز التكامل والتحديث في أفريقيا.

تؤكد "مبادرة دعم التصنيع في أفريقيا" أن الصين ستوجّه المزيد من موارد المساعدة والاستثمار والتمويل نحو برامج التصنيع في أفريقيا، لدعم تنمية قطاعها التصنيعي وتحقيق التصنيع والتنوّع الاقتصادي. وستطلق الصين "خطة التعاون الصيني-الأفريقي في تنمية المواهب"، حيث تخطّط لتدريب 500 من مديري الكليات المهنية الأفريقية ومعلميها ذوي الكفاءات العالية، وتعليم 10 آلاف موظف فني من أفريقيا يتمتعون بإتقان اللغة الصينية والمهارات المهنية كلّ عام، ودعوة 20 ألف مسؤول حكومي وفني من البلدان الأفريقية للمشاركة في ورش العمل والحلقات الدراسية.

وفي السنوات الأخيرة، تفرض المخاطر الجيوسياسية العالمية تهديدات كبيرة على إمدادات الأغذية، وتؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي في أفريقيا. فلمساعدة أفريقيا على معالجة الأزمة الغذائية الحالية، قدّمت الصين سلسلة من التدابير هذه المرة، تشمل مساعدة أفريقيا في توسيع زراعة الحبوب، وتشجيع الشركات الصينية على زيادة الاستثمار الزراعي في أفريقيا، وتعزيز التعاون مع أفريقيا في مجال البذور وغيره من مجالات التكنولوجيا الزراعية، ودعم أفريقيا في تحوّل قطاعها الزراعي والارتقاء به.

حالياً، تواجه معظم دول العالم تحديات العجز في التنمية ومشاكل أمنية. ويتميّز التعاون الصيني الأفريقي بالتكامل إلى حد كبير، الذي يساعد الدول الأفريقية في استكشاف مسارات تنموية تناسب ظروفها الخاصة وحلّ مشاكلها من خلال التنمية. وباعتبارها القارة التي تضم أكبر عدد من البلدان النامية، تصبح أفريقيا الآن قطباً مهماً له تأثير عالمي. 

إنّ التعاون بين الصين وأفريقيا يساهم بشكل أكبر في وحدة الدول النامية، كما أوضحت الصين في حوار قادة الصين وأفريقيا أنها ستعمل بنشاط في قمة مجموعة الـ 20، المقرّر عقدها في أيلول/سبتمبر الجاري لدعم العضوية الكاملة للاتحاد الأفريقي في المجموعة.

بلا شك إن هذا الدعم الملموس من الجانب الصيني سيعزّز بشكل فعّال أصوات البلدان الأفريقية ونفوذها على الساحة الدولية ويهيّئ بيئة جيدة لتحقيق التحديث والتطوير لها.