جانيت يلين في بكين: الولايات المتحدة لا تسعى إلى الانفصال عن الصين

بادر مسؤولان أميركيان رفيعا المستوى إلى زيارة الصين خلال أسبوعين، الأمر الذي يجسّد رغبة إدارة بايدن في إعادة الاتصال مع الصين، في ظل تصاعد التوتر في العلاقات بين الجانبين ومعاناتها من العديد من المشاكل.

  • زيارة جانيت يلين إلى الصين: الولايات المتحدة لا تسعى إلى الانفصال عن الصين
    زيارة جانيت يلين إلى الصين: الولايات المتحدة لا تسعى إلى الانفصال عن الصين

أصبحت الحوارات والتبادلات رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة أكثر تكراراً من ذي قبل في الآونة الأخيرة. بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصين، زارت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، الصين في الفترة من 6 إلى 9 تموز/يوليو الجاري، وهي أول زيارة لها إلى الصين بصفتها وزيرة الخزانة.

بادر مسؤولان أميركيان رفيعا المستوى إلى زيارة الصين خلال أسبوعين، الأمر الذي يجسّد رغبة إدارة بايدن في إعادة الاتصال مع الصين، في ظل تصاعد التوتر في العلاقات بين الجانبين ومعاناتها من العديد من المشاكل.

في الوقت الراهن، يتعرّض الاقتصاد الأميركي لضغوط متعددة متمثّلة في ارتفاع العجز والديون والتضخّم وغيرها. بلغ الرقم الرسمي لوزارة الخزانة الأميركية لديون الحكومة الفدرالية 32.32 تريليون دولار أميركي في 3 تموز/يوليو الجاري. وقبل شهر، كان الرقم هو 31.4 تريليون دولار أميركي، عندما وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن مشروع قانون لرفع سقف دين الحكومة الأميركية في 3 حزيران/يونيو الماضي، زاد حجم الدين الأميركي ما يقرب من تريليون دولار أميركي في شهر واحد فقط.

أدى ارتفاع الديون المستمرة إلى ارتفاع مدفوعات الفائدة لحاملي الديون الأجنبية، وتفاقم عجز الاقتصاد الأميركي بشدة. وقد وصل العجز المالي الأميركي إلى أسوأ عصر في تاريخ أميركا، ففي النصف الأول من العام المالي 2023، بلغ عجز الميزانية الأميركية 1.1 تريليون دولار أميركي، بزيادة قدرها 63% عن الفترة نفسها من العام الماضي.

علاوة على ذلك، فشل الاحتياطي الفيدرالي في كبح جماح التضخم الأميركي المرتفع عقب 10 مرات متتالية من زيادات أسعار الفائدة. على الرغم من انخفاضه إلى 4% من ذروة بلغت 9.1%، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من المعدل المستهدف للاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. حيث أدت زيادات أسعار الفائدة المتواصلة إلى اندلاع الأزمة المصرفية وإضعاف استقرار الاقتصاد الأميركي.

في مواجهة هذه المشاكل المستعصية، أصبح التعاون مع الصين أمراً حاسماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ويلين هي أحد اللاعبين الرئيسيين في مساعدة الاقتصاد الأميركي على الانتعاش من تداعيات الأزمة المالية خلال ترّأسها للاحتياطي الفيدرالي من عام 2014 إلى عام 2018. وبصفتها اقتصادية وأكاديمية، تكون يلين أكثر عملية وعقلانية في الموقف تجاه الصين مقارنة مع بلينكين وغيره من السياسيين الأميركيين المحترفين. 

وكانت يلين تصرّح مراراً وتكراراً في الولايات المتحدة أن الانفصال عن الصين سيكون "كارثة" و"خطأ فادحاً". وسط ديناميكيات العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والصين في الوقت الراهن، تعتبر يلين أفضل مرشح للقيام بدور إدارة الحوار لاستئناف قنوات الاتصال بين البلدين.

وخلال زيارتها التقت مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه لي فنغ وغيرهما من المسؤولين الصينيين. وعند لقائها مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ في 7 تموز/يوليو الجاري، قالت يلين مرة أخرى: 

"الجانب الأميركي لا يسعى إلى فك الارتباط أو قطع سلاسل الإمداد مع الصين، ويعتزم تنفيذ التفاهمات التي توصّل إليها رئيسا البلدين في بالي، وتعزيز الاتصال، وتجنّب سوء الفهم الناجم عن الخلافات، والسعي نحو تحقيق المنافع المتبادلة بين الاقتصادين. 

وكذلك أعرب الجانب الصيني عن أن طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة هي المنفعة المتبادلة والفوز المشترك للجانبين، ولن يكون هناك رابحون في حرب تجارية أو "فك الارتباط وكسر السلاسل".

تؤدي الصين والولايات المتحدة، باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، دوراً مهماً في استقرار وتنمية الاقتصاد الكلي العالمي. قبل حدوث الاحتكاك التجاري، حافظت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين على تبادلات وثيقة. لكن في السنوات الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بقمع الصين واحتوائها وفرضت تعريفات جمركية ضخمة على عدد كبير من منتجاتها بحجة "العجز التجاري". 

إن هذا النهج أضرّ بمصالح الصين ولم يفد الولايات المتحدة. هذا الأمر لم يساهم في معالجة العجز التجاري ودفع إعادة التصنيع الأميركي من الصين، بل أدّى إلى تفاقم التضخم في أميركا وزيادة العبء على المستهلكين الأميركيين. والتعاون مع الصين سيساعد الولايات المتحدة على الحد من التضخم، فإذا أرادت الأخيرة تحقيق استقرار اقتصادها وكبح التضخم، لا بد من إلغاء سياسة التعرفة الجمركية الخاطئة للصين والتعاون معها.

إضافة إلى ذلك، الصين هي ثاني أكبر حائز للديون الأميركية في العالم بعد اليابان، وأيضاً ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما يمنحها تداعيات كبيرة في مسألة الديون الأميركية. مع تفاقم أزمة الديون المستمرة، تتراجع حيازة بلدان العالم من سندات الخزانة الأميركية، اليابان والصين خفضتا الحيازة لديهما بمقدار 224.5 مليار دولار أميركي و173.2 مليار دولار أميركي على التوالي في عام 2022. 

وانخفضت الحيازة لدى الصين إلى 859.4 مليار دولار أميركي فقط في كانون الثاني/يناير 2023، وهي أدنى مستوى منذ عام 2009. فيعد توسيع التعاون حول حل أزمة الديون من أهداف زيارة يلين للصين أيضاً، لمساعدة الولايات المتحدة على معالجة قضاياها الاقتصادية.

تأمل الولايات المتحدة في إعادة الاتصال مع بكين، وتوسيع التعاون معها بحلّ المشكلات الاقتصادية الخاصة بها من خلال زيارة يلين للصين. مع ذلك، لا يتغيّر الموقف المتشدّد لإدارة بايدن تجاه الصين، مثلما أظهرت أخبار زيارة يلين للصين، فلا تزال إدارة بايدن ملتزمة بسياسة الاحتواء والقمع ضد الصين. 

ويستعد البيت الأبيض لإدخال قيود استثمارية جديدة تهدف إلى الإشراف على الاستثمار الأميركي في الصين، ومن المحتمل قطعه في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، وتقليل الاستثمار المتاح للصين في البحث والتطوير التكنولوجي. ولذا، فإن مستوى التوقعات من نجاح زيارة يلين كان منخفضاً.

لكن لا تزال التبادلات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة أمراً جيداً. إن زيارة يلين للصين ليست زيارة منعزلة، بل هي جزء من سلسلة التفاعلات بين الجانبين. قد فتحت زيارة بلينكين للصين الوضع الجديد للتبادلات السياسية بين البلدين، والآن تهدف زيارة يلين إلى فتح مجالات تعاون أكثر تحديداً على المجال الاقتصادي. 

هل يمكن أن تحقّق زيارة يلين للصين النتائج المتوقّعة والتي يجب أن تعتمد على صدق الجانب الأميركي وإجراءاته الفعلية في المستقبل. إنّ المنافع المتبادلة هي جوهر العلاقات الاقتصادية الصينية-الأميركية، وإن تعزيز التعاون هو المطلب الواقعي والخيار الصحيح للبلدين، وسيساهم في نمو واستقرار الاقتصاد العالمي.