صندوق النقد الدولي صاحب القرار الاقتصادي في لبنان
إذا حدّد صندوق النقد قراراً بشطب الودائع، فهل ستخضع الدولة والحكومة لهذا القرار؟ أم أنها سترفضه لمصلحة المودع والاقتصاد والمجتمع؟
-
صندوق النقد الدولي أصبح اللاعب المؤثر في رسم السياسات المالية والاقتصادية.
عقب انتهاء دور المصرف المركزي و"دولة المصارف" بالانهيار الكبير عام 2019، بعد تبديد الودائع، وعدم الالتزام بالقوانين والشفافية، والاستثمار في قطاعات خاسرة طمعاً بالفوائد، وتحمّل مخاطر في غير محلها، ورهن الاقتصاد والإنتاج لمنطق الفوائد؛ لم تقتصر النتيجة الكارثية على الداخل اللبناني فحسب، بل طالت أيضاً الاغتراب اللبناني الذي كان يشكّل المحرّك الأساسي للواقعين الاقتصادي والاجتماعي.
الأرقام التي تم صرفها في لبنان بحسب الإحصاءات بلغ مجموعها منذ 1992 حتى 2019، 373 مليار دولار، منها 93 مليار دولار فوائد ديون.
وفي مقابل ذلك:
· المصارف ارتفع رأسمالها 25 مليار دولار.
· كلفة فيول كهرباء 24 مليار دولار.
· فوائد ديون وصلت إلى 6 مليارات دولار.
· عجز متراكم في ميزان المدفوعات وكسر في الحساب الجاري.
· ارتفاع الاستيراد بواقع وصل إلى 23 مليار دولار سنوياً، مقابل 3 مليارات دولار بأفضل الحالات للتصدير.
· 11 عاماً من دون موازنات وصرف على القاعدة الاثني عشرية.
· تراكم القوانين من دون تنفيذها رغم إقرارها بسبب الخلافات السياسية.
· كلفة تثبيت سعر الصرف وصلت إلى 30 مليار دولار.
إن دليل الانهيار كان على الشكل الآتي، وهو الذي أدى إلى استنزاف الواقع الاقتصادي:
· سعر صرف ثابت مضخّم وتكلفة مرتفعة.
· الاستدانة بالدولار من دون وجود مصدر دخل للدولة.
· تشجيع التهرب الجمركي وعدم حماية المنتج المحلي.
· تدمير القطاعات الإنتاجية والاعتماد على التصدير.
· توظيف 60٪ من موجودات المصارف في مصرف لبنان وسندات الخزينة.
· دفع 35٪ من الموازنة لخدمة الدين.
· تعيين المحسوبيات التي أدت إلى تدمير الإنتاجية وفعالية القطاع العام.
· تعطيل لجان الموازنة وقطع الحساب وأجهزة الرقابة المالية.
· إجراء هندسات مالية ودفع فوائد فاحشة.
· ارتفاع الدين العام إلى 165٪ من الناتج المحلي.
· إقرار سلسلة الرتب والرواتب، بالرغم من العجز المالي.
· التخلف عن دفع الديون من دون وضع خطة للتفاوض مع الدائنين.
· انهيار سعر الصرف وإفلاس المصارف وتخلفها عن دفع حقوق المودعين.
النتيجة كانت، أكبر عملية إجرام بحق الاقتصاد والمجتمع!
وبعد الانتهاء من المرحلة السابقة، دخلنا إلى مرحلة صندوق النقد الدولي الذي أصبح يلعب دوراً محورياً في لبنان مع بداية الأزمة المالية والاقتصادية عام 2019 بشكل علني، على الرغم من أنه لم يكن بعيداً عن السياسة السابقة، وهناك من يذهب بالقول إنه كان مشرفاً عليها.
اليوم، صندوق النقد الدولي أصبح اللاعب المؤثر في رسم السياسات المالية والاقتصادية مستفيداً من استمرار الانقسامات السياسية التي تؤدي إلى إضعاف قرار الدولة، ويخلق أيضاً انقساماً داخلياً بين من يعدّه ضرورة للإصلاح، ومن يراه وصاية خارجية.
١ـ التشخيص الفني للأزمة:
قدّم صندوق النقد الدولي تشخيصه للأزمة، وأكد وجود فجوة مالية ب70 مليار دولار، وأكدت البيانات المالية الرسمية وجود 72 مليار دولار، بينما تحدث مصرف لبنان عن فجوة 84 مليار دولار، في وقت أصبح الرقم وجهة نظر.
٢ـ شروط مقابل الدعم:
كل شروط صندوق النقد الدولي في كل العالم موحدة، وفي لبنان أصبحت الشروط أمراً واقعاً وتحكماً كاملاً:
- إعادة هيكلة المصارف: لا يختلف اثنان على وجوب ذلك، لكن الخلاف على كيفية فعل ذلك في ظل أزمة الودائع والإفلاس المصرفي وحقوق المودعين.
- إصلاح الكهرباء والإدارة العامة: بالمبدأ، يجب أن يكون إصلاحاً لبنانياً بامتياز، ولكن ضمن أي خطة؟ هل يملك الصندوق القرار النهائي بتحويل هذا الملف إلى الغاز وإخراجه من مافيا الفيول التي كان لها الدور الأكبر في تدمير هذا القطاع والاقتصاد معه؟
- إلغاء السرية المصرفية: وهو ما حصل، لكن من دون إيجاد بديل ودور اقتصادي، ومن دون علاج اقتصادي جذري.
- المطلب الثابت الذي سيظهر على لبنان بالدقائق الأخيرة هو تحرير سعر الصرف، فهل سيمتنع صندوق النقد عن طرح هذا الشرط؟
٣ـ المقترحات الأكثر جدلاً:
عدم الوضوح حتى اليوم في ما يتعلق بموضوعَي المودعين والفجوة. الصندوق يريد تقليص الفجوة المالية، ويريد موازنة من دون عجز. لم يتكلم عن بُعد أو أي خطة اقتصادية بل يتحدث عن موازنة أرقام.
السؤال الكبير والأساسي اليوم: إذا حدد صندوق النقد قراراً بشطب الودائع، فهل ستخضع الدولة والحكومة لهذا القرار؟ أم أنها سترفضه لمصلحة المودع والاقتصاد والمجتمع، ويتم دفع استراتيجية اقتصادية مستقبلية تحدد دوره في المستقبل؟
الأشهر القليلة المقبلة ستوضح المشهد بشكل كبير للسنوات التي تنتظرنا.