طائرات أف-35 للسعودية : عقبات وخيارات بديلة
أي صفقة للسعودية ستثير حتماً مخاوف إسرائيلية بشأن الحفاظ على "التفوق النوعي" العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وهو مبدأ تلتزمه الولايات المتحدة تقليدياً.
-
طائرات أف-35 للسعودية.. صفقة ممكنة؟
تأتي المناقشات حول إمكانية بيع صفقة طائرات أف-35 في إطار الجهود الأميركية لتحقيق تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الإسرائيلي، وعرضت الولايات المتحدة بشكل غير رسمي دعم صفقة F-35 كجزء من حزمة حوافز لتشجيع السعودية على توقيع اتفاقية تطبيع.
تجدر الإشارة إلى امتلاك الكيان حالياً أسطولاً متطوراً من طائرات F-35 (وهي أول دولة في المنطقة تحصل عليها). أي صفقة للسعودية ستثير حتماً مخاوف إسرائيلية بشأن الحفاظ على "التفوق النوعي" العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وهو مبدأ تلتزمه الولايات المتحدة تقليدياً.
في عام 2008، أصدر الكونغرس تشريعاً يفرض على أي اقتراح لبيع أسلحة أميركية لأي دولة في الشرق الأوسط غير "إسرائيل" أن يتضمن إخطاراً إلى الكونغرس يؤكد أن بيع أو تصدير مثل هذه الأسلحة لن يؤثر سلباً على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل".
العقبات والتحديات الرئيسية
· التفوق النوعي الإسرائيلي (QME): هذا هو التحدي الأكبر. قانون أميركي يلزم الإدارة الأميركية بضمان تفوق "إسرائيل" النوعي في القدرات العسكرية على جيرانها. أي بيع F-35 للسعودية يجب أن يأتي بضمانات وقيود فنية (مثل إصدار "مقيد" من الطائرة) لإرضاء الكيان.
· العلاقة مع الصين: تعارض الولايات المتحدة بشدة تعاون السعودية العسكري أو التقني مع الصين، خاصة في مشاريع الدفاع الجوي والصواريخ البالستية. قد تشترط أن توقف الرياض أي تعاون من هذا النوع كشرط مسبق لأي صفقة F-35.
· موافقة الكونغرس: حتى لو وافقت الإدارة الأميركية، سيواجه البيع معارضة شديدة في الكونغرس من كلا الحزبين بسبب سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان وحرب اليمن وسياستها حول إنتاج النفط.
· القدرة التشغيلية: امتلاك طائرة بهذا التعقيد يتطلب بنية تحتية لوجستية وتدريبية هائلة، وهو استثمار طويل الأمد.
الآثار المحتملة للموافقة على الصفقة
سيعزز ذلك التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية على المدى الطويل، ويعمق علاقة اعتمادية عسكرية للسعودية.
كما سيعيد رسم الخريطة العسكرية في الشرق الأوسط، ما قد يدفع دولاً أخرى (مثل الإمارات وقطر) للسعي للحصول إلى تكنولوجيا مماثلة.
وسيثير قلق إيران ويدفعها لتسريع برنامجها الصاروخي وللمسيرات، ما قد يزيد من حدة سباق التسلح في المنطقة.
الخيارات البديلة؟
بيع طائرات F-35 للسعودية هو أكثر من مجرد صفقة عسكرية؛ إنها قضية سياسية واستراتيجية بالغة التعقيد. هو ورقة مساومة في مفاوضات أكبر حول التطبيع مع "إسرائيل" والحد من النفوذ الصيني.
بينما تريد السعودية تعزيز قدراتها الدفاعية والرمز السياسي الذي تمثله هذه الطائرة، فإن أي صفقة مستقبلية ستكون مشروطة بتخطي عقبات سياسية وقانونية هائلة في واشنطن، وبتقديم تنازلات من الجانب السعودي، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الصين وضماناتها لـ"إسرائيل".
لكن لو تعقدت فرص إبرام الصفقة وأُغلق الباب الأميركي لأي سبب كان، ما هي الخيارات البديلة للسعودية؟
خيارات إفتراضية بديلة
الـ F-35 هي مقاتلة من الجيل الخامس، ما يعني أنها تجمع بين خمس صفات رئيسية: 1) التخفي المتقدم، 2) حساسات متطورة وتقنية دمج البيانات، 3) شبكية مع الأصول الأخرى (Networked)، 4) قدرة على الاشتباك Beyond Visual Range (BVR)، و5) قدرة متعددة المهام (هجوم جوي، تفوق جوي، استطلاع).
دعنا نقارن أبرز المنافسين:
1. الطائرة الروسية: Sukhoi Su-57 "Felon"
· نقاط القوة:
· مناورة عالية: تصميمها يعطيها تفوقاً في القتال الجوي القريب (Dogfight) مقارنة بالـ F-35.
· سرعة عالية: أسرع من F-35 ويمكنها الطيران بسرعات فوق صوتية من دون استخدام الحارق (Supercruise).
· تسليح متنوع: تحمل صواريخ بعيدة المدى ومتقدمة جداً.
نقاط الضعف أمام F-35:
· التخفي: مستوى التخفي لديها أقل كفاءة من الـ F-35. يعتبرها كثير من الخبراء "طائرة شبحية من الجيل 4.5" وليس جيلاً خامساً حقيقياً.
· التقنية والإلكترونيات: أنظمة الحساسات وتقنية دمج البيانات لا تزال متأخرة عن نظيراتها الأميركية.
· التطوير والإنتاج: عانت من تأخيرات كبيرة ولم يتم إنتاجها بأعداد كبيرة حتى الآن.
الخلاصة: Su-57 منافس خطير في القدرة على المناورة والسرعة، ولكنها تتخلف في مجال التخفي والتكامل الشبكي والتقنيات الإلكترونية.
2. الطائرة الصينية: Chengdu J-20 "Mighty Dragon"
· نقاط القوة:
· التصميم: مصممة بشكل واضح لتكون طائرة شبحية.
· الحجم: طائرة كبيرة وطويلة المدى، مصممة لدور "قاطع الطريق" لضرب الأصول الأميركية البعيدة مثل ناقلات الطائرات ومحطات الرادار.
· التطوير السريع: تم تطويرها وإدخالها الخدمة بسرعة قياسية.
· نقاط الضعف أمام F-35:
· المحركات: أكبر نقطة ضعف لديها. تعتمد على محركات روسية قديمة أو محركات صينية محلية لا توفر الأداء الكافي. هذا يحد من سرعتها وقدرتها على الطيران بسرعات فوق صوتية من دون حارق.
· التخفي: يُعتقد أن جودتها أقل من F-35، خاصة في استخدام المواد الماصة للموجات الراديوية.
· التقنيات الداخلية: أنظمة الرادار والحساسات الإلكترونية لا تزال متخلفة عن النظير الأميركي، رغم التقدم الكبير.
الخلاصة: J-20 هي الخصم الأقرب من حيث المفهوم لـ F-35، ولكنها لا تزال تعاني من ثغرات تقنية، خاصة في المحركات، ما يمنعها من منافستها بالكامل.
3. الطائرة الأوروبية (فرنسا/ألمانيا/إسبانيا): Dassault Rafale & Eurofighter Typhoon
· هذه الطائرات مصنفة من الجيل 4.5 وليست جيل خامس.
· نقاط القوة:
· مناورة استثنائية: خاصة الـ Eurofighter، تعتبر من أفضل الطائرات في القتال الجوي القريب.
· تقنيات متطورة: تمتلك رادارات فعالة وأنظمة إلكترونية متقدمة.
· تعدد المهام: خاصة الـ Rafale، معروفة بقدراتها الممتازة في الهجوم الجوي والدعم.
· نقاط الضعف أمام F-35:
· التخفي: لا تمتلك خاصية التخفي المتقدم. لديها بعض التقنيات لتقليل المقطع الراداري (RCS) ولكن ليس بمستوى الطائرات الشبحية.
· التكامل الشبكي: قدراتها في دمج البيانات من الحساسات المختلفة (Sensor Fusion) أقل تطوراً من الـ F-35.
الخلاصة: طائرات ممتازة في نطاق الجيل 4.5، ويمكنها التفوق على F-35 في معارك القتال القريب، ولكنها ستكون في موقف صعب جداً في مواجهة بعيدة المدى بسبب عدم قدرتها على اكتشاف الـ F-35 بينما يتم اكتشافها هي.
4. الطائرة الأوروبية القادمة (مستقبلية): FCAS (فرنسا/ألمانيا/إسبانيا) & Tempest (بريطانيا/إيطاليا/اليابان).
· هذه برامج طموحة لتطوير مقاتلات من الجيل السادس، من المتوقع أن تدخل الخدمة بعد 2035.
· من المفترض أن تتفوق على الـ F-35 من خلال دمج تقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيرة المرافقة (Loyal Wingman)، أسلحة موجهة بالطاقة (Directed Energy Weapons)، وتخفٍّ متقدم جداً.
الخلاصة النهائية
لا توجد حالياً طائرة غير أميركية توازي الـ F-35 في حزمة القدرات المتكاملة (التخفي + دمج الحساسات + الشبكية). الـ Su-57 و J-20 هما المنافسان الرئيسيان، ولكل منهما نقاط قوة وضعف تجعلهما متفوقتين في سيناريوهات معينة (مثل القتال القريب للـ Su-57) ومتأخرتين في أخرى (مثل التخفي والتقنيات الإلكترونية).
لذلك، عندما تفكر دولة مثل السعودية في طائرة توازي الـ F-35، فإن الخيارات الحالية هي إما الانتظار لسنوات للحصول على F-35 بشروط، أو شراء طائرة من الجيل 4.5 مثل Rafale أو Eurofighter والتي هي طائرات ممتازة ولكنها لا تمتلك الميزة الحاسمة للطائرة الشبحية.
نظرة فاحصة على أسباب تفوق طائرات F-35 الإسرائيلية (Adir)
الخلفية: البرنامج الفريد لطائرات F-35 الإسرائيلية (Adir)
تمتلك "إسرائيل" ترتيباً خاصاً لشراء طائرات F-35 تحت اسم "Adir" (العبري للـ "مهيب"). بموجب هذا الترتيب، حصلت على موافقة فريدة من نوعها من الحكومة الأميركية والشركة المصنعة (لوكهيد مارتن) لتثبيت أنظمتها الإلكترونية الخاصة.
كيفية التعديل: برنامج "تمكين القدرات الفريدة" (UPC)
هذا هو الإطار الرسمي الذي يسمح لـ"إسرائيل" بتعديل الطائرات. العملية تتم على مرحلتين رئيسيتين:
1. وحدة التكامل المفتوحة (OIU - Open Architecture Interface):
· هذه هي القلب التقني للعملية. بدلاً من العبث بالشيفرة المصدرية الأساسية للطائرة (والتي تتحكم بها لوكهيد مارتن والبنتاغون)، توفر OIU منفذاً (واجهة) آمناً ومعتمداً تصل من خلاله إسرائيل أنظمتها الخاصة بالشبكات والأنظمة الأساسية للطائرة.
· يمكن تشبيهها بـ "منفذ USB" عالي الأمان. تسمح لإسرائيل بتوصيل برمجياتها وأجهزتها الخاصة من دون تعطيل الأنظمة الحساسة للطائرة.
2. إدخال الإلكترونيات والأنظمة الإسرائيلية الخاصة:
من خلال الـ OIU، تقوم "إسرائيل" بدمج مجموعة من الأنظمة المحلية الصنع:
· أنظمة الحرب الإلكترونية (ECM): هذا هو أحد أهم المجالات. تستبدل "إسرائيل" أو تكمل أنظمة الحرب الإلكترونية القياسية الأميركية بأنظمتها المتطورة والمصممة خصيصاً للتهديدات الموجودة في مسرح العمليات في الشرق الأوسط (مثل أنظمة الدفاع الجوي السورية سابقاً أو الصواريخ الإيرانية). شركة "إلتا سيستمز" الإسرائيلية هي المورّد الرئيسي هنا.
· أنظمة الاتصالات (CNI): تقوم "إسرائيل" بدمج أنظمتها الاتصالية الآمنة لضمان التوافق مع الشبكات العسكرية الإسرائيلية الأخرى (مثل طائرات F-15I, F-16I المخصصة لـ"إسرائيل") ومراكز القيادة والسيطرة، مع الحفاظ على قدرة الاتصال مع الأنظمة الأميركية والحلفاء عند الحاجة.
· برمجيات التخطيط للمهمات Mission Planning Systems: تسمح لها باستخدام برمجياتها الخاصة لتخطيط المهام، والتي تأخذ في الاعتبار التضاريس والتهديدات والتحالفات الخاصة بمنطقة العمليات بدقة أكبر.
· قواعد البيانات الاستخبارية (IBD): تدمج قواعد بياناتها الاستخبارية الشاملة عن الأهداف والتهديدات في المنطقة.
الأسباب الاستراتيجية وراء هذه التعديلات
1. الاستقلال التشغيلي والسيادي: لا تريد "إسرائيل" الاعتماد كلياً على الولايات المتحدة في تحديث البرمجيات أو التكيف مع التهديدات الجديدة. هذا يمنحها مرونة وسرعة في الاستجابة.
2. التكامل مع البنية التحتية القتالية الإسرائيلية: يضمن ذلك أن تعمل الـ F-35 كجزء عضوي من الجيش الإسرائيلي، متصلة بشبكات القيادة والسيطرة والاتصالات المحلية بسلاسة.
3. ميزة تقنية نوعية: تمتلك "إسرائيل" صناعة دفاعية متطورة، خاصة في مجالات الحرب الإلكترونية والاتصالات. هذه التعديلات تضمن أن طائرتها F-35 هي الأكثر تطوراً في الأسطول العالمي، متفوقة حتى على الطائرات الأميركية في بعض الجوانب التكتيكية.
4. التكيف مع التهديدات المحددة: الأنظمة الأميركية مصممة لتهديدات عالمية، بينما تركز "إسرائيل" على التهديدات المباشرة من دفاعات جيرانها وأنظمتها المصممة خصيصاً لاختراق هذه الدفاعات والتغلب عليها.
العلاقة مع بيع F-35 للسعودية
نجاح "إسرائيل" في تعديل طائراتها يعد سابقة. ستطالب السعودية حتماً بحق مماثل لدمج أنظمتها الخاصة أو على الأقل الحصول على طائرة غير مقيدة.
· التفوق النوعي الإسرائيلي (QME): تعتبر "إسرائيل" أن قدراتها الإلكترونية المتقدمة والمخصصة هي جزء أساسي من تفوقها النوعي. أي منح السعودية إمكانية الوصول إلى نفس مستوى التخصيص أو حتى بيعها طائرات متطورة تقنياً سيهدد هذا التفوق.
· الحل الوسط المتوقع: إذا تمت الصفقة، سيدفع "إسرائيل" (وستوافق الولايات المتحدة) لبيع السعودية نسخة "مقيدة" أو "تصديرية" من الـ F-35:
· إلكترونيات قياسية: من دون أنظمة الحرب الإلكترونية الأميركية المتطورة أو الإسرائيلية.
· قدرات محدودة: قد يتم تقييد قدراتها في التخفي أو مدى عمل الرادار أو التكامل مع أنظمة الأسلحة.
· رقابة على البرمجيات: ستحتفظ الولايات المتحدة بالسيطرة الكاملة على الشيفرة المصدرية وتحديثات البرامج، ما يمنع السعودية من إجراء تعديلات مستقلة.
أوجزتها وكالة "رويترز" للأنباء بأن المقاتلات المخصصة للسعودية "ستكون أقل تطوراً تقنياً من تلك التي بحوزة إسرائيل؛ ولن تشمل تضمينها أنظمة النسور والحرب الإلكترونية المثبتة في طائرات F-35 الإسرائيلية" ("رويترز"، 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
تعديلات "إسرائيل" لطائرات F-35 تمثل مستوى غير مسبوق من الثقة والتعاون العسكري التكنولوجي مع الولايات المتحدة. هي ليست مجرد "ترقية"، بل هي إعادة هندسة جزئية للطائرة لجعلها سلاحاً إسرائيلياً بحق. هذا النجاح هو بالضبط ما يجعل "إسرائيل" حذرة للغاية من أي بيع محتمل للسعودية، لأنه يمس مباشرة بمصدر قوتها التكنولوجية والتشغيلية ويجعل مسألة "التفوق النوعي" ليست مجرد مسألة امتلاك الطائرة نفسها، بل ما بداخلها من إلكترونيات وبرمجيات.
من أبرز قيود واشنطن الصارمة لتصدير تلك المقاتلة المتطورة هو اشتراطها بعدم استخدامها في أي "حرب عدائية ضد إسرائيل تحت أي ظرف"، بعبارة أخرى ممنوع التصادم مع المصالح "الإسرائيلية".