غزة بين مطرقة الحرب وسندان السياسة

هل تستطيع المقاومة الرد والشارع الغزي الصمود في وجه المخططات الصهيوأميركية؟ وهل سيظل الشارع العربي في سبات حتى يأتي الدور عليه؟ 

0:00
  • لن تتوقف الحرب على غزة خلال الفترة القريبة كما يعتقد البعض.
    لن تتوقف الحرب على غزة خلال الفترة القريبة كما يعتقد البعض.

لم يكن الهجوم الأخير على قطاع غزة مفاجئاً، إذ سبق للاحتلال أن قام بانتهاك العديد من الاتفاقات وخرقها أمام أعين الوسطاء في لبنان، وكذلك في قطاع غزة، ورغم تنصّل الاحتلال من الالتزام ببنود المرحلة الأولى من الصفقة المتعلقة بالبرتوكول الإنساني، وعدم إدخال المساعدات الكافية من طعام وكرفانات وخيام بالإضافة إلى آلات ورافعات الركام، كما لم يقم بفتح المعابر كما هو متفق عليه والانسحاب من محور فيلاديلفيا في اليوم الأخير من المرحلة الأولى وغيرها، إذ كان بانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على كل ما تم الاتفاق عليه، من دون النظر إلى أي أهمية تتعلق بحياة الأسرى -المشجب الذي يعلق عليه نتنياهو سبب العدوان الكبير على قطاع غزة- وكذلك الوسطاء الذين يعدّهم الأخير مجرد لاعبين ضعفاء أمام الإدارة الأميركية التي تمنحهم شرعية الوجود في الحكم. 

الأوضاع في الداخل الإسرائيلي لم تكن على ما يرام قبل عدوان الثلاثاء فجراً، نتيجة الانقسام داخل "دولة" الكيان، حيث يأخذ نتنياهو "الدولة" نحو الشمولية، بما يشبه النموذج العربي، وهو الذي عبّر عنه كثير من الساسة والمحللين الإسرائيليين، خصوصاً كتّاب صحيفة "هآرتس"، في محاولة لقلب الطاولة على الجميع بمن فيهم رئيس الشاباك، لأجل البقاء في السلطة من دون محاكمة نتيجة إخفاق السابع من أكتوبر، وكذلك نتيجة القضايا المتعلقة بالفساد. 

ولقد أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن العدوان على غزة والعودة إلى الحرب يمكن أن يفكك أزماته الداخلية، خصوصاً في ما يتعلق بعدم انفراط الحكومة وعدم قدرتها على إقرار قانون الموازنة نهاية هذا الشهر، إذ بعودة بن غفير يمكن أن يمرر قانون الموازنة في الكنيست، بالإضافة إلى توحيد الجبهة الداخلية الصهيونية وإزاحة الأنظار عن أي خطوة لاحقة تتعلق بإقالة رئيس الشاباك أو عدم حضور جلسات المحاكمة بحجة الاعتبارات الأمنية، فالمظاهرات الضخمة التي حدثت في "تل أبيب" والقدس من طرف المعارضة مؤخراً، وكذلك تصريحات لابيد ضد نتنياهو لم تزد الأخير إلا تمسكاً بخيار العودة إلى الحرب المباغتة.

كذلك عمد نتنياهو، إلى جانب العدوان على قطاع غزة، إلى فتح جبهات قتال متعددة، خصوصاً في ظل حالة التشرذم العربي، والانقسام السوري الذي تسعى إدارته الجديدة لتصفية الحسابات مع نظام الحكم السابق، وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة الشرع تصفية الحساب مع حزب الله، بينما الحدود مع الاحتلال أكثر قرباً إلى الوعي العربي، وهذا بدوره سيجعل من الأخير في منأى عن أي استجواب في الوقت الراهن، بل ربما يصير بطلاً في نظر العصابات الصهيونية المتطرفة، التي باتت ذات أغلبية في المجتمع الإسرائيلي. 

في المقابل، شعرت حركة حماس خلال الفترة السابقة بأنها مع اقتراب الوصول إلى تفاهمات حول الأسرى مزدوجي الجنسية وفتح قنوات اتصال مباشرة مع الأميركيين بدءاً من اللقاء الخاص مع مبعوث ترامب لشؤون الرهائن آدم بولر وصولاً إلى ويتكوف ومقترحه الجديد، جعلها تعتقد أنها بمأمن من الاغتيال المنظم. 

حكومة غزة التي تديرها حركة حماس، في المقابل، أخطأت خلال الهدنة حين سمحت لنفسها بالتحرك من دون أخذ الاحتياطات الأمنية، اعتقاداً بحماية الوسطاء المصريين والقطريين، لذلك أخذت استراحة محارب بينما كان العدو الإسرائيلي يتجهز، استخبارياً وأمنياً، لمعرفة أماكن تحرك ووجود الجسم الحكومي والإداري داخل قطاع غزة، خصوصاً اللجنة الحكومية التي يديرها السيد عصام الدعليس ووكيل وزارة الداخلية محمود أبو وطفة الذي يسيطر على مفاصل العمل الأمني والعسكري في القطاع كافة، بالإضافة إلى بعض قادة المكتب السياسي لحماس وغيرهم، من دون أخذ العبرة من الأحداث السابقة، الأمر الذي دفع الأجهزة الأمنية بعد ساعات من عملية المباغتة والغدر الإسرائيليين، إلى توجيه رسالة عاجلة ومهمة تتعلق بالأمن الشخصي لأفراد المقاومة الفلسطينية ورجالاتها، بالانضباط الأمني الصارم، والتخفي والتأمين وعدم الوجود في أماكن روتينية مكشوفة، كذلك طالبت الحذر من الاستدراج عبر اختراقات أمنية، وعدم التجمع أو التجمهر في أي عقدة قتالية أو نقطة التقاط أو نقطة ميتة، بالإضافة إلى متابعة التعليمات من طرف القادة الميدانيين وعدم التصرف الفردي بأي حال من الأحوال. 

الجبهة الداخلية في قطاع غزة قامت بالأمس بتوجيه رسالة إلى جميع سكان القطاع بضرورة الوعي بالحرب النفسية لأن الاحتلال سيكثف من دعايته ويقوم ببث الإشاعات لخلق حالة من الفوضى ومحاولة ضرب الحاضنة الشعبية من الداخل، الأمر الذي بدا جلياً من خلال نشر تهديدات تتعلق بالإخلاء في مناطق القطاع المحاذية للأراضي المحتلة، خصوصاً بيت حانون وعبسان في خان يونس وغيرها، وهو ما يتناقض مع تصريحات الاحتلال التي تتوعد غزة بتنفيذ سياسة الاغتيالات فقط من الجو والبحر. 

لن تتوقف هذه الحرب خلال الفترة القريبة كما يعتقد البعض، لأن حكومة نتنياهو ترى في وجودها تحقيق العديد من الأهداف المرحلية وربما الاستراتيجية لاحقاً، خصوصاً تهجير الفلسطينيين إلى أي مكان للوصول لاحقاً إلى حلم "دولة إسرائيل الكبرى"، ولكن السؤال المهم: هل تستطيع المقاومة الرد والشارع الغزي الصمود في وجه المخططات الصهيوأميركية؟ وهل سيظل الشارع العربي في سبات حتى يأتي الدور عليه؟ 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.