كيل المديح لأصحاب النفوذ لن يوصلك إلى أي مكان!

الناس عموماً يستطيعون التمييز فطرياً بين الإعجاب الحقيقي والإطراء الرخيص.

  • نحن ننظر إلى المديح من زاوية تقييمنا للمادح أولاً.
    نحن ننظر إلى المديح من زاوية تقييمنا للمادح أولاً.

"صاحب السلطان كراكب الأسد؛ يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه". علي بن أبي طالب.

للوهلة الأولى، قد يبدو أنّ المديح فعل حسن في كل حال. هذا اتجاه سائد في مجتمعاتنا التي تستمدّ عاداتها من عوامل شتى باتت محفورة في أعماقنا أفراداً وجماعات.

من الاتجاهات السائدة في ما يخصّ المديح، ممارسة هذا السّلوك لنيل القبول لدى أصحاب النفوذ والسلطة والمال، رغم أنَّ الناس عموماً يستطيعون التمييز فطرياً بين الإعجاب الحقيقي والإطراء الرخيص.

ومن المفارقات البارزة عند كيل المديح أنه يتحول إلى إهانة في حالات عديدة، كما عند المبالغة في الإطراء على سمات بعينها، إلى حد إسقاط الصفات الحسنة عن السمات الأخرى المختلفة، كأن نمارس الثناء الانتقائي للصفات الجسدية أو أعمال شخص بعينه يتواجد في مجموعة، من دون الالتفات إلى التنوع الذي تحويه المجموعة.

وغالباً ما تحوّل المقارنات المديح إلى ممارسة سلبية، إذ إنّها تثير على الأرجح الغيرة والحسد، ذلك أنّ المديح في عمقه هو تصريح بتفوق الممدوح على الآخرين. وبغض النظر عن صحة المديح في أي حالة بعينها، فإنّ تخصيص شخص دون الآخرين قد يكون ذا تأثير مؤذٍ بالنسبة إليهم. وفي النصوص الدينية الكثير من الإشارات اللطيفة إلى هذا المعنى، كما يرد على سبيل المثال في الإنجيل المقدس (صموئيل الأول 18: 5 - 9): 

"وكان داوود يخرج إلى القتال حيثما أرسله شاول، فنجح داوود نجاحاً كبيراً، فجعله شاول مسؤولاً عن جنوده، فأرضى هذا القرار الجميع، حتى كبار مسؤولي شاول ، فكان داود يخرج ليقاتل الفلسطينيين. وعند عودته من المعارك، كانت النساء في كل مدينةٍ من مدن إسرائيل يخرجن للقائه، وكن يرقصن بفرحٍ، ويقرعن الطبول، ويعزفن على الأعواد ، وكن يغنين ويرددن بابتهاجٍ:

"شاول قتل الآلاف، وداوود عشرات الآلاف".

أزعجت هذه الكلمات شاول وأغضبته كثيراً، وقال في نفسه: "نسبت النساء الفضل إلى داوود في قتل عشرات الألوف، ولم ينسبن لي إلا قتل ألوفٍ. فماذا بعد؟ لم يبق سوى أن يأخذ العرش مني!"،  "ومنذ ذلك اليوم، راح شاول يراقب داوود عن قربٍ".

وفي مختلف حالات المديح، فإنّ العامل الذي يؤثر في حكمنا عليه هو المتلقي لا المرسل. بمعنى آخر، نحن ننظر إلى المديح من زاوية تقييمنا للمادح أولاً.

وفي هذا السياق، يناقش بعض علماء النفس أنّ الأشخاص ذوي النفوذ يقللون من أهمية التعليق على المديح حين يصدر عن أشخاص أدنى منهم في المسؤولية أو المنصب أو النفوذ. وفي الوقت نفسه، هذا "الإهمال" في التعليق على المديح يؤدي إلى تصورات سلبية عن هؤلاء الأشخاص. من النتائج النفسيّة البارزة أيضاً أنّه كلّما تجاهل ذوو النفوذ والسلطة التعليقات الإيجابية، كانت انطباعاتهم السلبية عن شركائهم أشد.

تفيد الآراء أعلاه بأنّ لدى المجاملات قدرة عالية على التأثير السلبي في حالة التعامل مع أشخاص من ذوي النفوذ. هذه المسألة قد تتعارض تماماً مع الأبحاث المعروفة عن السمات النرجسية لدى القادة الذين يعمدون عادة إلى التشكيك في دوافع الإطراء.

على المستوى الذاتي لدى هؤلاء القادة، إن التعليقات الإيجابية على أي مديح تعتمد في الحقيقة على حجم الإنجاز لا الكلمات المنمّقة. وبالتالي، إن إهمال أي تعليق إيجابي هو آلية دفاع ذاتي غريزية لدى هؤلاء لحماية أنفسهم من الخداع والتضليل.

قد لا يفسّر هذا المقال ما يراه عامة الناس ارتقاء معظم من يمارسون المديح والإطراء. هذه مغالطة منطقيّة تحتاج شرحاً أكثر تفصيلاً، ولكن الحقيقة العلمية أن القادة الأذكياء يستطيعون التمييز بين المديح الكاذب أو المبالغ به والإعجاب الحقيقي الصادق. 

أما "محاباة" بعض المادحين، فغالباً ما ترتبط أسبابها بضعف القادة الّذين يفضّلون حماية أنفسهم عبر دائرة مطيعة على حساب التطوير الذاتي، وهي إشكالية يقع فيها المادحون أنفسهم حين يصلون إلى مبتغاهم عبر الأسلوب الرخيص، ليجدوا أنّهم علقوا في دوامة لا مفرّ منها إلا بالاصطدام العنيف أو الاستسلام نفسياً والخنوع والخضوع لنتائج ممارسات الإطراء الكاذبة، وهو التفسير الدقيق لمعنى الحديث المنسوب إلى علي بن أبي طالب.