لبنان يقف على مفترق طرق خطير!

هي ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان مثل هذا السيناريو الخطير، الذي قد ينتقل من خانة الانقلاب السياسي للحكومة إلى حيز الانفجار الأمني في الشارع أو الميدان.

0:00
  • الحكومة اللبنانية والمذكرة الأميركية.
    الحكومة اللبنانية والمذكرة الأميركية.

تسارعت الأحداث والتطورات والمستجدات في البلد، بالتوازي مع التغيرات والتحولات في المنطقة والإقليم. ما بين يوم الثلاثاء، موعد الجلسة الأولى للحكومة، ويوم الخميس، موعد الجلسة الثانية لها، بخصوص مسألة حصرية السلاح بيد الدولة، أو مسألة سحب سلاح المقاومة، أو مسألة المذكرة الأميركية في هذا الشأن، بصرف النظر عن التسمية والتوصيف للمسألة، ثمة قضية إشكالية، عالقة أو متنازع عليها ما بين اللبنانيين.

وهي ترقى إلى منزلة أو مرتبة التحدي الوجودي لكل لبنان، بل التهديد بالخطر الوجودي، مع تفاقم الاضطرابات الأمنية والتدخلات والضغوط والشروط السياسية. 

المقاومة في وثيقة الوفاق الوطني

لقد ورد في متن وثيقة الوفاق الوطني، التي صدرت سنة ١٩٨٩، أن من حق لبنان اتخاذ الإجراءات كافة لتحرير الأراضي المحتلة من الاحتلال الإسرائيلي. النص واضح وصريح، لا يحتمل التأويل. وهو نص ميثاقي، إنما ورد في وثيقة ميثاقية، أنهت الحرب الأهلية اللبنانية.

وهو يحيلنا على خيارين أو مسارين، لا ثالث لهما: الدبلوماسية أو القوة، وربما كلاهما معًا. فالدبلوماسية لا معنى ولا قيمة لها، ولا جدوى منها، من دون القوة المادية، العسكرية أو الاقتصادية. وأما القوة، فبدورها، هي تحيلنا على خيارين أو احتمالين، لا ثالث لهما أيضًا: إما الجيش، وإما المقاومة الشعبية، أو ربما كلاهما معًا. وعليه، فإن هذه المقاومة الشعبية هي احتمال أو خيار أو قرار وطني، سياسي، دستوري، ميثاقي، إنما هو يستند إلى الشرعية الدولية والقانون الدولي، في إشارة إلى الحق المشروع بالدفاع عن النفس، كما الحق الطبيعي في مواجهة العدوان الخارجي من العدو الأجنبي. هذه هي الحقيقة، ولا شيء سوى الحقيقة. وهي ليست وجهة نظر على الإطلاق. 

الحكومة اللبنانية والمذكرة الأميركية

وافقت الحكومة اللبنانية على ورقة الشروط الأميركية، وإجماع الأعضاء الحاضرين، برئاسة رئيس الجمهورية جوزف عون، وبحضور رئيس الحكومة نواف سلام، بعد انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من الجلسة الأولى، أي يوم الثلاثاء، ومن ثم انسحاب الوزراء الشيعة الخمسة من الجلسة الثانية، أي يوم الخميس، في غضون 48 ساعة، أو لنقل بأقل من 72 ساعة.

وكان لافتًا كل هذا الإصرار على مثل هذه الخطوة المتهورة، غير المسؤولة وغير البريئة، بل صارخًا وفاضحًا. على أي حال، هو انقلاب سياسي، بكل معنى هذه الكلمة، على المعادلات والتوازنات والتفاهمات، بل العهود والمواثيق. هو أقل ما يُقال. وقد كان ذلك تحت وطأة الضغوط الخارجية، بل التهويلات والتهديدات أيضًا، من تلك القوى الأجنبية، المنغمسة والضالعة بالشؤون اللبنانية، الداخلية والسيادية، لا سيما الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين والسعوديين.

إشكالية المقاومة وإشكالية الميثاقية

هي ليست المرة الأولى التي يشهد فيها البلد مثل هذا السيناريو الخطير، الذي قد ينتقل من خانة الانقلاب السياسي للحكومة إلى حيز الانفجار الأمني في الشارع أو الميدان، وتحت ضغط الاحتقان الشعبي، بالنظر إلى الانقسام العمودي، على إيقاع التموضعات والاصطفافات، الفئوية والجهوية، والتشدد والتصلب والتعنت بالتوجهات، والتصريحات، والقرارات، والمواقف، السياسية وغير السياسية، للسلطة الحالية.

من الواضح أن الرئيس نواف سلام هو النسخة الثانية من الرئيس فؤاد السنيورة في القصر الحكومي، وهو يعيد كرّة نفس التجربة في السراي؛ ولكن الرئيس جوزف عون هو ليس نفسه الرئيس إميل لحود في القصر الجمهوري، ربما لا يشبهه في مكان ما من حيث التجربة، وكذلك في الموقف والخلفية.

هكذا، ينقسم البلد، في لحظة سياسية تاريخية، دقيقة وحساسة، حيال بقاء سلاح المقاومة، حصرية السلاح بيد الدولة، ومسألة الميثاقية، وبالتالي التوازن والشراكة بالقرار، عندما تتعلق الأزمة بالقضايا المصيرية والمسائل المفصلية، مع استهداف أو محاولة استهداف مكون سياسي واجتماعي أساسي بالبلد، وهو أكبر فاعل سياسي وانتخابي بطبيعة الحال. 

لبنان بين الحكومة والجيش والمقاومة

قامت الحكومة بنقل المشكلة إلى سياق آخر. وهي ربما تستدرج الجيش للمواجهة مع المقاومة. الأمر الذي ترحب به أميركا و"إسرائيل"، كما القوى الفاشية والنازية والشوفينية لليمين المتطرف، وكذلك جماعة الخط الإسرائيلي بلبنان، وهي جماعة سياسية وتاريخية موجودة وحاضرة في البلد، في خطوة تصعيدية، غير مسبوقة، من شأنها - فيما لو آتت أكلها - إقحام الجميع في غياهب الفتنة والفوضى، كما الاقتتال أو الاحتراب الداخليين والأهليين.

من يتحمل المسؤولية هو حكمًا وحتمًا من اتخذ وسيتخذ قرارات ومواقف وخطوات، هي ليست مدروسة، وليست محسوبة، أو بالأحرى هي مقصودة، ولكنها ليست وطنية، ولا حتى عاقلة وعقلانية. والمسؤولية تقع  أيضًا على العهد، الجيش والمقاومة، في منع الانزلاق إلى المحظورات التي قد تؤدي إلى سقوط الدولة، بل سقوط البلد.

وتبقى الإشارة إلى مسألة هي في غاية الخطورة، ألا وهي فرضية دخول أحد أعداء لبنان على الخط، ولا سيما "إسرائيل"، أو ربما سواها، عبر عمل أمني ما أو عملية أمنية ما، من قبيل اغتيال سياسي ما، من شأنه صب الزيت على النار، في توقيت مشبوه، ومن ضمن هذا السياق. هو احتمال جدي، يستحق التوقف عنده والتأمل والتفكر فيه.

ربما تكون هذه اللحظة الأكثر خطورة في تاريخ لبنان السياسي، الحديث والمعاصر، أو أقله منذ الاجتياح سنة 1982، وبعد نهاية الحرب سنة 1989. لبنان يقف على مفترق طرق خطير. هو على شفير الهاوية، على وشك الانفجار، ثم الانهيار. كل الاحتمالات مطروحة ومفتوحة. ليس لدينا ترف الوقت لتضييع وتفويت الفرص. السلطة مأزومة، وهي أمام مأزق. أما الدولة، فهي في أزمة كيانية وبنيوية وسلوكية حقيقية.

وأما الكيان، فهو في أزمة وجودية. هي ليست أزمة سلطة، ولا أزمة حكم، ولا أزمة نظام، ولا أزمة هوية، على أهميتها كلها. هي كل هذه الأزمات وأكثر: هي أزمة كيان وأزمة وجود!