لماذا لن ينخرط ترامب إلى جانب تايوان في حال الهجوم الصيني عليها؟
تعتبر الولايات المتحدة من الداعمين الرئيسيين لتايوان، خاصة في المجال العسكري والسياسي، لكنها لا تعلن بشكل رسمي التزاماً صريحاً بالتدخل العسكري إذا تعرضت تايوان لهجوم وهذا ما يعرف بسياسة الغموض الاستراتيجي.
-
قضية تايوان هي قضية مصيرية بالنسبة للصين.
لم يكد العالم يتنفس الصعداء بعد وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، حتى قامت "إسرائيل" بشن عدوان على إيران بحجة القضاء على برنامجها النووي، في وقت كانت ستعقد فيه الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية لمعالجة الملف النووي الإيراني.
مجدداً حبس العالم أنفاسه خشية من اندلاع حرب شاملة في المنطقة، لاسيما بعد أن شنّت الولايات المتحدة الأميركية هجمات عسكرية على المفاعلات النووية الإيرانية في نطنز وفوردو وأصفهان، وموافقة البرلمان الإيراني على إغلاق مضيق هرمز، وشنّ إيران هجمات صاروخية على قاعدة العديد الجوية الأميركية في قطر.
وبعد الهجوم الإيراني على القاعدة الجوية الأميركية، أعلن ترامب عن وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل"، في مشهد عكس رغبة الطرفين الإيراني والأميركي بعدم استمرار إطلاق النار وتصاعد القتال.
وإذا كان العالم يترقب بحذر ما ستؤول إليه الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، الذي يشهد منذ عملية طوفان الأقصى توترات متصاعدة وحروب جراء رغبة الكيان الصهيوني بتغيير وجه المنطقة لتكون "تل أبيب" هي القوة المهيمنة والمسيطرة وصاحبة النفوذ فيها سواء عبر إضعاف أو القضاء على حركات المقاومة، وإسقاط النظام في إيران وتطبيع العلاقات بين "تل أبيب" والدول العربية لاسيما الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، فإن هناك أطرافاً أخرى في العالم كانت تتابع التفاصيل الدقيقة للعدوان الإسرائيلي الأميركي على إيران لتقيم الأوضاع ومدى تأثير هذه العمليات العسكرية عليها، هذه الأطراف هي الصين وتايوان.
راقبت تايوان بحذر عميق العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا والعدوان الإسرائيلي الأميركي على إيران لتستخلص الدروس منهما في حال شنّت الصين هجوماً عسكرياً عليها إذ أن بكين تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها ستعود يوماً ما إلى البر الرئيسي الصيني.
وتهدد الصين مراراً وتكراراً باستخدام القوة العسكرية، إذا لزم الأمر، لإعادة التوحيد مع تايوان، ويتوقع خبراء عسكريون أميركيون أن تشن الصين هجمات على تايوان عام 2027، وهي تتحضر بالفعل لذلك. وفي حوار شانغريلا الذي عقد في سنغافورة صرّح وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث أن الجيش الصيني يتدرب على المواجهة الحقيقة وأن الهجوم قد يكون وشيكاً.
وخلال السنوات الأخيرة ، لاسيما بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي الجزيرة عام 2022، كثفت الصين من طلعاتها الجوية حول الجزيرة والتدريبات العسكرية التي تحاكي هجوماً عسكرياً مثل الحصار والقصف والغزو البرمائي. كما تدهورت العلاقات عبر المضيق منذ تنصيب الرئيس التايواني لاي تشينغ تي الذي تصفه السلطات الصينية بأنه انفصالي ومدمر للسلام.
في بداية تسلّمه الرئاسة، حاول لاي تجنب إثارة غضب بكين، إذ لم ير أي مبرر لتعريض اقتصاد تايوان وشعبيته المرتفعة للخطر، وكي لا يفسح المجال أمام الصين لاتهامه بأنه من يهدد السلام عبر المضيق. إلا أن لهجته حيال الصين تغيرت وأصبحت أكثر حدة ففي شهر آذار/ مارس الماضي وصف لاي الصين بأنها قوة معادية أجنبية. فردت الصين على تصريحاته بأن من يلعب بالنار سيحرق لا محالة. وفي بعض خطاباته التي ألقاها حول الوحدة الوطنية، أكد الرئيس التايواني على وحدة تايوان، وبأنها دولة وليس للصين حق قانوني أو تاريخي في المطالبة بالسيادة عليها.
وعلى ما يبدو فإن تايوان تتحضر لهجوم عسكري صيني عليها، فهي تطور قدراتها العسكرية، وأفادت تقارير بأن تايبيه ستصدر توجيهات جديدة لمواطنيها بشأن كيفية التصرف عند وقوع غارات جوية لمواجهة هجوم عسكري صيني، كدرس مستفاد من الحربين الروسية الأوكرانية والإيرانية الإسرائيلية. وتجهز تايوان ملاجئ من الغارات الجوية في أنحاء الجزيرة، بما في ذلك محطات مترو الأنفاق ومراكز التسوق. وأصبحت تايبيه أكثر جدية في الدفاع عن نفسها بعد أن مددت فترة التجنيد الاجباري وزادت ميزانيتها الدفاعية.
تعول تايوان على الولايات المتحدة الأميركية، أبرز حلفائها الأمنيين، على مساندتها في حال الهجوم الصيني عليها. ولا ترتبط واشنطن بعلاقات دبلوماسية رسمية بتايبيه لكنها ملزمة بموجب القانون الأميركي بتسليح تايوان ومساندتها في الدفاع عن نفسها مع الالتزام بمبدأ الصين الواحدة.
بشكل عام، تعتبر الولايات المتحدة من الداعمين الرئيسيين لتايوان، خاصة في المجال العسكري والسياسي، لكنها لا تعلن بشكل رسمي التزاماً صريحاً بالتدخل العسكري إذا تعرضت تايوان لهجوم وهذا ما يعرف بسياسة الغموض الاستراتيجي، حيث تحاول واشنطن إبقاء بكين في حالة شك حول رد فعلها المباشر.
خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ألمح الأخير إلى استعداده للدفاع عن تايوان بقوات أميركية، أما الرئيس دونالد ترامب فقد حرص على عدم إظهار نيته التدخل المباشر لحماية تايوان في حال الهجوم الصيني عليها، بل فرض عليها زيادة ميزانيتها العسكرية والدفع لقاء الحماية الأميركية، كما فرض على شركة TSMC التايوانية لأشباه الموصلات زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية تحت طائلة فرض رسوم جمركية عليها.
تدخلت الولايات المتحدة الأميركية في العدوان الإسرائيلي على إيران بشن سلسلة من الضربات الدقيقة على منشآت إيران النووية في موقف مفاجئ إذ أعلن ترامب مراراً بأنه لا يريد التدخل في الهجمات الإسرائيلية على إيران، ولكنه بالمقابل لن يسمح لطهران بامتلاك سلاح نووي. وموقفه الرافض لامتلاك إيران أسلحة نووية وصواريخ باليستية تعود إلى ولايته الأولى إذ انسحب من الاتفاق النووي الذي أقر عام 2015 في عهد باراك أوباما، واليوم هو يريد إجبار طهران على القبول باتفاق وفقاً لرؤيته ونتنياهو.
وكان الرئيس ترامب يفضل أن تجلس طهران على طاولة المفاوضات بدلاً من استخدام القوة العسكرية، ولكنه اضطر في نهاية المطاف إلى الاستجابة لتوسلات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتحت الضغط الذي مارسه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، فقام بشن ضربات على المفاعلات النووية الإيرانية.
تدخل ترامب في العدوان الإسرائيلي على إيران طرح التساؤل حول ما إذا كان الرئيس الأميركي سيتدخل مباشرة لمساعدة تايوان عبر إرسال قوات أميركية أو مواجهة بحرية مع الصين مثلاً.
من المعروف عن الرئيس ترامب بأن تصرفاته غير قابلة للتنبؤ وأحياناً كثيرة يتخذ قرارات ويتراجع عنها، ولكن هناك جملة من الأمور التي تجعل من المستبعد، على أقل تقدير، انخراط ترامب في حرب ضد الصين لأن الوضع مع الأخيرة يختلف جوهرياً عن إيران، كما أن تايوان ليست "إسرائيل".
الصين قوة عسكرية كبيرة وهناك اختلاف في القدرات العسكرية لكل من إيران والصين. فقد عملت الصين خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بعد مجيء الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة، على بناء قدرات عسكرية ضخمة وتطوير أسلحتها الهجومية والدفاعية في البر والبحر والجو. ويعد الجيش الصيني أحد أقوى الجيوش في العالم إذ يحتل المرتبة الثالثة وفقاً لتقرير موقع غلوبال فاير باور الأميركي لعام 2025. كما تمتلك الصين رؤوساً نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات. فقد قدر تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الصين تملك ما لا يقل عن 600 رأس نووي وبالتالي الحرب مع الصين ستكون أكثر كلفة عسكرياً واقتصادياً.
ومن ناحية أخرى، يكره ترامب التورط في حروب طويلة ووعد مراراً بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها. وبالنظر إلى العدوان الأميركي على إيران فقد أكتفى ترامب بضربات محددة على إيران والتزم الصمت حيال الهجمات الإيرانية على قاعدة العديد الأميركية في قطر. ويدرك الرئيس ترامب أن التدخل الأميركي مباشرة ضد الصين يعني حرباً شاملة فمن المحتمل أن تشن الصين هجمات على القواعد الأميركية المتواجدة في اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية أو السفن الأميركية التي تعبر بحر الصين الجنوبي أو غيرها من الهجمات على المصالح الأميركية وبالتالي انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
كما أن مكانة تايوان لدى الولايات المتحدة الأميركية لا تقارن بالمكانة التي لـ"إسرائيل" لديها. وعلى الرغم من علاقة ترامب بنتنياهو التي تشوبها في بعض الأحيان توترات، كما حصل عندما تجاهل ترامب "إسرائيل" خلال زيارته إلى الشرق الأوسط في وقت سابق من هذا العام، إلا أن ترامب في نهاية المطاف ينحاز دائماً إلى جانب "إسرائيل" فهو من ناحية يمدها بالأسلحة والأعتدة العسكرية، ومن ناحية أخرى يسعى إلى إقناع أو إجبار الدول لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، ومؤخراً استجاب لمطالب نتنياهو بقصف المفاعلات النووية الإيرانية، بينما تايوان ليست بالأهمية نفسها لـ"إسرائيل" كي يتدخل الرئيس الأميركي بحرب لأجلها ويخسر اقتصادياً وسياسياً وداخلياً.
تحاول الولايات المتحدة الأميركية فتح المزيد من المصانع لشركةTSMC على أراضيها وإنتاج الرقائق المتقدمة تجنباً لأي هجوم صيني محتمل على الجزيرة في المستقبل وتالياً تعرض الولايات المتحدة لنقص في أشباه الموصلات.
وفي حال شنّت الصين هجوماً على تايوان ستمد أميركا تايبيه بالأسلحة وقد تفرض عقوبات اقتصادية على الصين أو قد تدفع الدول القريبة على الدخول في الحرب ضد الصين كاليابان مثلاً.
عند حصول أي اشتباك مسلّح يدور الحديث حول استغلال الصين لانشغال العالم بهذا الاشتباك من أجل أن تقوم بالهجوم على تايوان. إن قضية تايوان هي قضية مصيرية بالنسبة للصين التي تحاول بشتى الطرق السلمية ضمها إلى أراضيها، ولكن بكين لغاية اليوم ليست مستعجلة لاستخدام القوة العسكرية ضد تايبيه، وهي ما زالت تمارس ضبط النفس بانتظار الفرصة المناسبة لإعادة التوحيد.