مؤشرات فشل الجولة العدوانية الأميركية على اليمن

فيما يدّعي الأميركي التأثير على القدرات اليمنية، نلحظ أن المخزون اليمني مستمر مع حديث السيد عبد الملك عن "بشارات قادمة في تطوير القدرات" قد تشكل مفاجآت قادمة، ضمن معادلة "التصعيد بالتصعيد".

  • ما الذي حققه العدوان على اليمن وأي نجاح يدّعيه ترامب؟
    ما الذي حققه العدوان على اليمن وأي نجاح يدّعيه ترامب؟

يوشك العدوان الأميركي على إنهاء أسبوعه الثاني، من دون نتائج تذكر على صعيد تحقيق الأهداف التي أعلنها ترامب ووزراؤه ومعاونوه، ومن أبرز تلك الأهداف فتح الطريق أمام ملاحة العدو الإسرائيلي في البحرين الأحمر والعربي وما بينهما، كما لم ينجح في حماية عمق كيان العدو من الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية، ولم يحقق أهدافه في ما يتعلق باستهداف وتصفية القيادات اليمنية الوطنية، أو التأثير على القدرات العسكرية، وبات يتحمّل الكلفة ويتذوّق مرارة الفشل مجدداً في ظل عجزه عن تشكيل أي تحالف حتى اللحظة. في هذا المقال، سنفصّل مؤشرات الفشل الأميركي.

وبنظرة تفصيلية، نلحظ أن إدارة ترامب اعتمدت الأسلوب الاستعراضي، والحرب النفسية، وأرسلت حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان" بما تحمله من طائرات وإمكانات وأسلحة، وحاولت توريط دول عربية معها من خلال تحريك عددٍ من الطائرات في بداية الأمر من قواعدها العسكرية في الإمارات وقطر، وانتهجت أسلوب الصدمة والترويع بشن قرابة 50 غارة جوية وضربة بحرية في أول ليالي العدوان، وتحديداً ليلة الـ 15 من آذار/مارس، وبوهم القوة والقدرة على الردع والحسم والقضاء على ما تراه أميركا تهديداً لها وللعدو الإسرائيلي على حد سواء.

اليوم، مع اقتراب الأسبوع الثاني من نهايته، تم تسجيل 300 – 400 غارة وضربة عبر الجو والبحر أي بمعدل 30 – 40 غارة يومياً، توزعت على العاصمة صنعاء ومحافظات صنعاء، صعدة، الحديدة، البيضاء، مأرب، الجوف، عمران، وذمار و...الخ. وبالنظر إلى اختلال ميزان القوى مادياً، بين المعتدي والمعتدى عليه، قد تشير التقديرات والتوقعات للوهلة الأولى، إلى أن لا بوادر لانتصار اليمن ولا مؤشرات على فشل أميركا. لكن المؤشرات تبدو عكس ذلك، وبخلاف سوء تقديرات إدارة ترامب. فما أبرز مؤشرات الفشل الأميركي؟ 

ما الذي حققه العدوان وأي نجاح يدّعيه ترامب؟

الميدان يجيب بكل بساطة، إذ يلحظ أن كلفة الأميركي مالياً ومعنوياً ترتفع أسبوعاً بعد آخر، مع عجز وفشل عسكري أميركي واضحين في فتح الطريق أمام ملاحة العدو الإسرائيلي (لأن الحصار يستهدف ملاحة العدو حصراً)، بل يظهر للعيان أن النتيجة العكسية تمثلت بإدخال السفن الأميركية نفسها، وقطعها العسكرية، ضمن دائرة الاستهداف والخطر والحظر اليمني، وما كان ذلك ليحصل لولا بدء واشنطن بالعدوان على اليمن.

 في المقابل، يُلحظ تصاعد مستمر للعمليات العسكرية اليمنية بشكل شبه يومي في البحر، واستئناف عمليات الإسناد اليمنية بالطائرات المسيرة، وبالصواريخ الفرط صوتية والباليستية اليمنية إلى عمق كيان العدو الإسرائيلي، يرافقه تذمر إسرائيلي يؤكد فشل الأميركي في الدفاع عنه.

وفيما يدّعي الأميركي التأثير على القدرات اليمنية، نلحظ أن المخزون اليمني مستمر مع حديث السيد عبد الملك عن "بشارات قادمة في تطوير القدرات" قد تشكل مفاجآت قادمة، ضمن معادلة "التصعيد بالتصعيد" التي أعلنها السيد في بداية الجولة العدوانية وكرستها القوات المسلحة وترجمتها في الميدان منذ الساعات الأولى للعدوان. 

ما نسرده في هذا المقال ليس مجرد ادعاءات، إذ يمكن لأي مراقب منصف أن يلاحظ ذلك، بل إن قادة عسكريين أميركيين وصهاينة يعترفون علانية ومن دون مواربة بفاعلية وتأثير القدرات والقوات اليمنية، ومن ذلك ما اعترف به قائد القوات المركزية الأميركي السابق جوزيف فوتيل قبل أيام من أن "الاستراتيجية الأميركية ضد اليمن لم تحقق ما كنا نطمح إليه"، وشهادته المبنية على تجربة مريرة لسنوات أن "الحوثيين تعلموا الكثير لحماية أصولهم، ومواردهم" محذراً من واقع تجربته الطويلة إدارة ترامب من "تداعيات كارثية للغارات الأميركية ضد اليمن على المصالح الأميركية".

وبموازاة ذلك، يفرد الإعلام الأميركي والأوروبي والصهيوني مساحات واسعة لقراءة وتحليل الجولة العدوانية الأميركية، واستشراف تداعياتها وأثمانها. وفي هذا السياق الذي لا يمكن حصره في هذا المقال، تؤكد مجلة "نيوز ويك" الأميركية أن "حرب الرئيس ترامب على اليمن ستكون باهظة الثمن، وأنها تهدف للدفاع عن إسرائيل"، فيما وصفت صحيفة The Economic الغارات الجوية الأميركية على اليمن بأنها "عديمة الجدوى". 

سقوط أخلاقي، وفشل في النيل من القدرات اليمنية

في خطابه بمناسبة "يوم القدس العالمي"، أكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن "العدوان الأميركي لم يؤثر على القدرات اليمنية"، وأن "الأميركي يدّعي استهداف القدرات العسكرية باستهداف الأعيان المدنية في صنعاء والمحافظات بعد فشله في إيقاف عمليات الإسناد اليمنية" متسائلاً بسخرية " أي نجاح يدّعيه ترامب في عدوانه على اليمن وملاحة العدو الإسرائيلي متوقفة؟".

البنتاغون قبل أيام حاول إنكار استهداف المدنيين والأعيان المدنية، وادّعى بألّا مؤشرات لديه، لكن المؤشرات الميدانية التي لا يمكن إنكارها، أن الجولة العدوانية منذ الوهلة الأولى تركزت على الأحياء المدنية المكتظة بالسكان، بدءاً بحي سكني في مديرية شعوب في صنعاء، وآخر في مديرية الثورة، وثالث في مديرية معين، ومصانع مدنية خدمية في الحديدة، ومزارع للأغنام في الجوف، ومقطع للأحجار في خولان الطيال، ومركز للأورام في صعدة، وقرية سكنية هنا وأخرى هناك، كما استهدف الأميركي معسكرات مهجورة خالية، شبعت ضرباً على مدى عشر سنوات من العدوان الأميركي المباشر وغير المباشر.

هذا كله يسقط أميركا أخلاقياً، ويسقط كل شعاراتها عن "حقوق الإنسان" و"حقوق الحيوان"...الخ، وهي الساقطة أصلاً لأن عدوانها غير المشروع على اليمن يهدف لحماية العدو الإسرائيلي، ويشجعه على مواصلة الإبادة والحصار لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.

في المقابل، فإن اليمن يكسب المعركة، عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وإنسانياً، لأنه يساند المظلومين في غزة، ويستهدف المجرمين الصهيوني والأميركي حصراً ولا يمثل أي تهديد للملاحة الدولية، كما تأتي العمليات اليمنية في إطار الدفاع المشروع عن السيادة اليمنية والإنسان اليمني والأعيان المدنية. 

فشل الحرب النفسية الأميركية

وفي إطار مؤشرات الفشل الأميركي، سقطت الخطط الدعائية والحرب النفسية القائمة على "الصدمة والترويع" للشعب اليمني من أول يوم عدوان، ويلحظ ذلك في تصريحات اليمنيين عقب كل عدوان وكل غارة، ويعزز ذلك حضور ملايين اليمنيين في اليوم التالي للعدوان وفي "يوم القدس العالمي" في 800 ساحة بعد ليلة هستيرية عدوانية بقرابة 50 غارة.

 إعلاء السقوف العسكرية بـ "الاجتثاث"، و"القضاء والإنهاء، هي الأخرى ستسقط بعون الله، كما سقطت بالتجربة خلال فترة بايدن وما قبلها، كما أن التردد والتخبط في تصريحات الإدارة الأميركية يعد مؤشراً على الفشل، فبعد أن أعلنت إدارة ترامب أن الجولة ستستمر "أياماً وربما أسابيع" تراجعت لاحقاً نتيجة الفشل لتعلن أنها "ستستمر لفترة طويلة"، وعندما بدأ الإعلام الأميركي يضج حول ذلك، حاولت إدارة ترامب التهرب من أسئلة الصحفيين الملحّة عن أسباب الفشل ضمن السقوف الزمنية المحددة، ظهرت مشكلة "تسريبات سيغنال" عن الجولة العدوانية على اليمن قبل أن تبدأ، وبغض النظر عن الأهداف والدوافع من وراء تلك التسريبات التي نشرتها مجلة "ذا أتلانتك" التي كتبت يوماً عنواناً بالخط العريض عن "نهاية زمن حاملات الطائرات"، إلا أنها تشكل فضيحة أمنية، وتضاف إلى قائمة مؤشرات الفشل السابقة. 

أدوات "الردع" تتحوّل عبئاً في الميدان

المؤشر الآخر، استدعاء حاملة طائرات أميركية جديدة إلى البحر الأحمر، يمثل عبئاً إضافياً أمام الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة المتطورة، ويمثل اعترافاً ضمنياً بفشل حاملة الطائرات "هاري ترومان" في تحقيق ما أنيط بها من أهداف، فضلاً عن وصول طاقمها إلى حالة من الإنهاك على وقع الضربات اليمنية المتتالية صبح مساء، ونحن نجزم بأن هذه الإضافة لن تغير من المعادلات شيئاً، ولن تؤثر في موقف اليمن وقدراته، وإن كانت إضافة حاملة جديدة تعني زيادة عدد الغارات إلا أنها لا يمكن أن تصل إلى سقف مئات آلاف الغارات التي شنت على اليمن طيلة تسع سنوات، وفشلت في تركيع وهزيمة اليمنيين وكسر إرادتهم وصمودهم الأسطوري.

أخيراً، ربما كان العدو يعوّل على توريط دول عربية في الجولة العدوانية الأخيرة، من خلال تدشين عدوانه على اليمن من قاعدتي "الظفرة" و"العديد"، لكن أياً من المستويات القيادية والعسكرية والسياسية اليمنية لم يعلق على ذلك أو يتحدث عنه مطلقاً، فسقط ما كان يخطط له الأميركي.