ماذا وراء عودة الحرب على غزة؟ التوقيت والأهداف والسيناريوهات المحتملة

ثمّة أهداف تعود لاستئناف "إسرائيل" عدوانها بقصف جوي مكثّف يمكن الكشف عنها في سياق تطوّرات الأحداث في المنطقة التي باتت رمالها تتحرّك وأصبحت على صفيح ساخن.

0:00
  • استئناف  الحرب فيه انقلاب واضح على الاتفاق الأساسي الذي وقّع في يناير الماضي.
    استئناف الحرب فيه انقلاب واضح على الاتفاق الأساسي الذي وقّع في يناير الماضي.

بضوء أخضر أميركي سبقته موجة من التهديدات بجعل غزة كالجحيم، وبعد أيام من جولات مفاوضات مكوكيّة وعروض أميركية شهدتها الدوحة ومصر، لم تسفر عن أيّ اختراق بعد تهرّب "إسرائيل" من استحقاقات المرحلة الثانية ومحاولاتها الالتفاف على الاتفاق الأساسي الذي وقّع في كانون الثاني/يناير الماضي الذي تضمّن ثلاث مراحل متتالية، عادت "إسرائيل" إلى الحرب بتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية على أهداف في قطاع غزة أسفرت عن عدد كبير من الشهداء والجرحى بينهم قيادات أمنية وسياسية فلسطينية، فلماذا الآن وما الأهداف من وراء ذلك؟

سبق أن تمّ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 17 كانون الثاني/يناير برعاية مصرية قطرية وتقديم ضمانات واضحة بتنفيذ الاتفاق من قبل الولايات المتحدة الأميركية، نصّ الاتفاق على مراحل ثلاث، التزمت فيه حماس التزاماً واضحاً من خلال الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين، قابلها تلكّؤ وتنصّل من "إسرائيل" في عدة جوانب أبرزها البروتوكول الإنساني حتى انتهت المرحلة الأولى من الاتفاق، في ظلّ رفض إسرائيلي الذهاب للمرحلة الثانية من الاتفاق ذاته. 

قدّمت إدارة الرئيس ترامب مقترحاً على شكل مبادرة عبر مبعوثها لإدارة ملف الأسرى آدم بوهلر والتقى مباشرة بقيادة حماس، طالبها الإفراج عن جندي إسرائيلي أسير يحمل الجنسية الأميركية وأربعة جثامين، فوافقت شريطة الدخول في تطبيق المرحلة الثانية. 

رفضت "إسرائيل" مقترح بوهلر، فقدّم مبعوث الرئيس الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط ويتكوف مبادرة جديدة تقضي بإطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء ونصف الأموات مقابل هدنة مدتها 50 يوماً، ورفضت الإدارة الأميركية أن تكون هناك ضمانات وإلزاماً لـ "إسرائيل" الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق. 

تفسير السلوك الأميركي الإسرائيلي يشير إلى أنّ هناك استراتيجية أميركية مكشوفة، يراد منها سحب ورقة الأسرى من يد حركة حماس كورقة قوية كمقدّمة لما هو أكبر من ذلك، والهدف في حال النجاح لمثل هذه الخطوة الضغط على المقاومة لتسليم سلاحها.

ثمّة أهداف تعود لاستئناف "إسرائيل" عدوانها بقصف جوي مكثّف يمكن الكشف عنها في سياق تطوّرات الأحداث في المنطقة التي باتت رمالها تتحرّك وأصبحت على صفيح ساخن:

أولاً: استئناف الغارات الجوية على غزة فيه انقلاب واضح على الاتفاق الأساسي الذي وقّع في كانون الثاني/يناير الماضي ويعطي نتنياهو عمراً أطول سياسياً، ويؤخّر محاسبته على الفشل الذريع في السابع من أكتوبر، خاصة بعد اعترافات رئيس الأركان الإسرائيلي المستقيل وإقراره نجاح حماس في خديعة "إسرائيل" خديعة كبرى وقدرتها على تحقيق إنجازات. 

ثانياً: يعود ذلك إلى حدوث تطوّرات سياسية خلال اليومين الماضيين في "إسرائيل"، أهمها نيّة نتنياهو إقالة رئيس جهاز الشاباك والمستشارة القضائية وتصاعد الخلافات الداخلية في "إسرائيل"، وهو ما شكّل أزمة داخلية متصاعدة في "إسرائيل" مع الأجهزة الأمنية وصلت إلى حدّ أن أصبحت قضية إقالة رئيس الشاباك قضية رأي عامّ، وسط دعوات ضخمة للتظاهرات ضدّ نتنياهو وائتلافه الحكومي في "إسرائيل"، وبالتالي توقيت التصعيد يعدّ تصديراً لأزمة داخلية وهروباً واضحاً من تداعيات الأزمة الداخلية في "إسرائيل" وتغطية على فشله في معركة طوفان الأقصى. 

ثالثاً: استئناف الغارات مرتبط بحاجة نتنياهو إلى عودة إيتمار بن غفير إلى الحكومة لتمرير الميزانية، وهذا ما كشفت عنه الصحافة الإسرائيلية قبل أيام قليلة عن بلورة اتفاق بين نتنياهو وبن غفير يضمن العودة إلى الحكومة واشتراط الأخير عودة الحرب ضدّ قطاع غزة كشرط أساسي للعودة.

رابعاً: العدوان الإسرائيلي بالتزامن مع عدوان أميركي على اليمن هدفه إيصال رسالة لأطراف بعينها في المنطقة أنّ "إسرائيل" تنسّق كلّ خطواتها مع حليفتها الكبرى أميركا لملاحقة كلّ قوى المقاومة في المنطقة من جهة، وربما هذا يكون رسالة ومقدّمة لعدوان أكبر على دول أخرى في المنطقة يجعل نتنياهو يستغلّ التوقيت والغطاء الأميركي في فتح شهيّته لضرب أهداف إيرانية استراتيجية في ظلّ حالة التحريض الكبيرة ضدّها، وتصريحات ترامب الأخيرة الذي توعّد بها إيران بعواقب وخيمة ليست عنا ببعيدة إزاء الضربات التي تشنّها القوات المسلحة اليمنية والتي باتت تشير إلى تصعيد محتمل في المنطقة، وهذا ما نقلته  صحيفة معاريف الإسرائيلية في تصريح للرئيس ترامب الذي قال: "من الآن فصاعداً، كلّ طلقة يطلقها اليمن ستعتبر طلقة بأسلحة وقيادة إيران، وهي من ستتحمّل المسؤولية وستعاني من العواقب وهذه العواقب ستكون وخيمة". 

داخلياً في "إسرائيل"، نتنياهو أطلق شرارة الحرب الأهلية في "إسرائيل"، ورغم مساعيه المكشوفة في تصدير الأزمة الداخلية من خلال الحفاظ على حالة الحرب على عدة جبهات، إلا أنه بذلك قد بدأ يدمّر أركان الديمقراطية والتي تعتبر البقرة المقدّسة في "إسرائيل"، هذه قضية قد تؤدي إلى تصاعد أكبر في الأزمة الداخلية في "إسرائيل" وقد تتطوّر إلى حرب أهلية غير مسبوقة.

ما هي المآلات بعد كلّ ذلك؟ 

المقاومة الفلسطينية عبّرت في مواقف واضحة إزاء هذا العدوان الكبير والجديد على قطاع غزة فقرّرت مواجهة الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية وعدم التفريط بورقة الأسرى إلّا عبر بوابة تنفيذ الاتفاق الذي وقّع في كانون الثاني/يناير الماضي.

أما في قراءة سريعة لتطوّرات المشهد في المنطقة على الزاوية الأخرى من الصورة فمن الواضح أنها دخلت لحظة مفصلية فارقة لن تتراجع إلى الوراء، قوى المقاومة فيها ما زالت حيّة قادرة على الفعل والتأثير على عكس ما يروّج له نتنياهو عن نجاحه وحلفائه بفرض شرق أوسط جديد، وهذا ما يضع المنطقة التي باتت تتقلّب على صفيح ساخن أمام لحظات حاسمة ليس في غزة بل في دول عديدة في المنطقة في ظلّ إرسال إدارة الرئيس ترامب ثلاث حاملات طائرات أخرى إلى المتوسط، وهو ما يؤشّر على احتمالية الاستعداد لمواجهة وحرب موسّعة قد تجرّ دولاً بعينها لخوضها، لكنّ المؤكّد حال حدوث هذا السيناريو أنّ إدارة بايدن السابقة نجحت في الحفاظ إلى حدّ ما على عدم توسّع الحرب في المنطقة، تكون إدارة ترامب التي زعمت أنها قادمة لإطفاء نار الحروب قد اختارت سيناريو الانتحار.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.