متى نستفيد من دروس التّطبيع مع العدو الصّهيونيّ؟

بالنظر إلى الوقائع التاريخية، نجد أنَّ العالم الإسلامي، ومعه العربي، باستثناء البعض، لم يستفد بعد من دروس التاريخ في صراعه مع الكيان الصّهيوني.

  • متى نستفيد من دروس التّطبيع مع العدو الصّهيونيّ؟
     أعلنت دولة الإمارات ومملكة البحرين والمغرب تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني عام 2020

مع كلّ عملية تطبيع تقوم بها "إسرائيل" مع إحدى دول العالم الإسلامي والعربي، ينبري البعض للدفاع عنها وتبنيها وإيجاد المبررات لوجودها، بدعوى أهميتها بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، بما يعني ذلك منح الأخير كامل حقوقه. 

تحضرني هنا مقولة لوزير الأمن الصهيوني الراحل الإرهابي موشي ديان، عندما سئل عن الطريقة التي سيشنّ بها الحرب على الدول العربية في العام 1967، فأجاب: "بالطريقة نفسها التي شنّ بها عدوان 1956 على مصر، لأن العرب لا يقرأون ولا يفهمون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون".

بصرف النظر عن صحّة قولة موشي ديان من عدمه، ولكن بالنظر إلى الوقائع التاريخية السابقة، نجد أنَّ العالم الإسلامي، ومعه العربي، باستثناء البعض، لم يستفد بعد من دروس التاريخ في صراعه مع الكيان الصّهيوني، سواء على مستوى النخب السياسية أو المثقفة، كيف ذلك؟

عندما وقع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اتفاقية "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيوني، في أيلول/سبتمبر 1978، كان يتصور أنَّ ذلك سيسهم في وضع حدّ للصراع مع العدو الصهيوني ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه، مع ما يترتب على ذلك من إحلال "السلام" في منطقة الشرق الأوسط، لكن ماذا حصل بعدها؟

في تموز/يوليو 1981، تجرأت "إسرائيل" وهجمت على المفاعل النووي العراقي "أوزاريك" قرب بغداد في ذروة الحرب العراقية الإيرانية، إذ قامت مقاتلات "إف 15" و"إف 16" بقصف المفاعل المذكور، ما خلّف أضراراً جسيمةً. حينها، قال رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك الإرهابي مناحيم بيغن: "لن يكون هناك هولوكوست آخر بعد اليوم". 

في العام 1982، كان لبنان يعيش على وقع حرب أهلية دامية، استغلَّها الكيان الصهيوني لغزو هذا البلد المشرقي الجميل، بتواطؤٍ مفضوحٍ مع بعض التيارات المسيحية الموالية له، بدعوى محاولة اغتيال السفير الصهيوني لدى لندن، لكنَّ الهدف الرئيسي كان استئصال المقاومة الفلسطينية وداعميها، إذ ارتكبت القوات الصهيونية وعملاؤها مجازر مروعة بحق المواطنين اللبنانيين، إضافة إلى مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

بعد حرب الخليج الثانية التي أعقبت غزو العراق للكويت، أطلقت إدارة الرئيس جورج بوش الأب ما يُسمى "عملية السلام" في الشرق الأوسط، وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام"، وهي المبادرة التي أكملتها إدارة الرئيس بيل كلينتون، وتُوّجت بتوقيع اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني في أواخر العام 1992، تم بموجبها منح الفلسطينيين حق الحكم الذاتي، فيما احتفظت "إسرائيل" بحق الدفاع والأمن، وبالعديد من المزايا الاقتصادية. 

وُصِفَ الاتفاق آنذاك بـ"التاريخي"، وبأنه "سلام الشجعان"، رغم أنه في حقيقته لم يخدم سوى أمن الكيان الصهيوني، بعد تعهّد السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني لمنع العمليات الفدائية التي كان يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون ضده.

في العام 1994، تمّ توقيع اتفاق بين الأردن بحضور العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال والرئيس الإسرائيلي عزرا وايزمان. وقد وقع الاتفاق رئيس الوزراء الأردني آنذاك عبد السلام المجالي ورئيس الوزراء شيمون بيريز، في ما سُمي اتفاق "وادي عربة"، إذ أعلن الطرفان نهاية الحرب وإحلال "السلام" بينهما. 

بعدها بسنتين، ارتكب العدو الصهيوني مجزرة قانا في لبنان، التي راح ضحيتها، بحسب بعض التقديرات، نحو 175 شهيداً، وجرح المئات من المواطنين اللبنانيين، وكان الغرض من الحملة هو ضرب قواعد المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية ممثلة بحزب الله، بهدف استئصالها. وبرغم ذلك، لم ينجح في مسعاه. 

يومها، نقلت العديد من القنوات العالمية مشاهد للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما قبّل رئيس وزراء الكيان الصهيوني بالنيابة شمعون بيريز، ما جرّ عليه العديد من الانتقادات، وخصوصاً أن تلك الفترة كانت دقيقة وحرجة في تاريخ المنطقة ولبنان.

ولم يكتفِ الكيان الصهيوني بذلك، بل أقدمت حكومة نتنياهو على بناء العديد من المستوطنات في القدس، وحفرت مجموعة من الأنفاق تحت المسجد الأقصى، بدعوى وجود هيكل سليمان المزعوم تحته، رغم كلّ الدراسات والأبحاث الأركيولوجية التي قامت بها العديد من الجهات العربية والأجنبية، والتي دحضت هذه المزاعم.

في العام 2020، أعلنت دولة الإمارات ومملكة البحرين والمغرب تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وتم تقديم المبررات نفسها التي سيقت في اتفاقيات التطبيع التي ذكرت سابقاً. 

وفي شهر رمضان المبارك من السنة الماضية، قامت "إسرائيل" بعملية "حارس الأسوار"، أو "سيف القدس"، وفق توصيف المقاومة الفلسطينية، بعد انتفاضة الفلسطينيين ضد محاولة الاحتلال الصهيوني طرد الفلسطينيين القاطنين في حي الجراح، وإعطاء منازلهم للمستوطنين الصهاينة، إذ قصفت "إسرائيل" غزة بالطائرات، وهدمت العديد من المباني فوق رؤوس الأبرياء، واستشهد نحو 200 فلسطيني من غزة.

إذاً، من خلال هذا الجرد التاريخي لمسارات التطبيع مع الدول العربية وتداعياته، نصل إلى استنتاج مفاده:

- كلما وقع الكيان الصهيوني اتفاقاً مع إحدى الدول العربية والإسلامية، تقدم لها التبريرات نفسها.

- يزيد الكيان الصهيوني تصعيد أعماله العدوانية على الدول المجاورة أو في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع ما يستتبع ذلك من قتل وتهجير للشعب الفلسطيني.

- سعيه لـ"السلام" لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون وخداعاً للرأي العام الدولي.

- الهدف الإسرائيلي من التطبيع يرتكز على مبدأ "السلام مقابل السلام"، وليس "السلام مقابل الأرض"، من أجل إنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد، من دون منح الفلسطينيين شيئاً من حقوقهم، وهذه عقيدةٌ راسخةٌ لكلّ الحكومات الصهيونية التي تعاقبت على الحكم في "إسرائيل"، ليبقى السؤال المطروح: متى نستفيد من دروس التطبيع مع العدو الصهيوني؟