من السيد المغيب إلى السيد الشهيد

سيدنا المغيب موسى الصدر شخصية تاريخية، لا تتكرر، وسيدنا الشهيد حسن نصر الله شخصية استثنائية، لا مثيل لها، ولا نظير لها. وهما ليسا شخصيتين عامّتين، وإنما تجربتان متجسدتان لمدرسة واحدة.

0:00
  • المقاومة بين الثنائية الشيعية والتعددية الوطنية والقومية.
    المقاومة بين الثنائية الشيعية والتعددية الوطنية والقومية.

على أعتاب موعدنا المتجدد مع الذكرى السنوية السابعة والأربعين لتغييب سيدنا موسى الصدر بتاريخ 31 آب/أغسطس ١٩٧٨، وموعدنا الأول مع الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سيدنا حسن نصر الله بتاريخ ٢٧ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤، لا بد لنا من الإضاءة على التجربتين  والإحاطة بهما، في محاولة منا لإماطة اللثام عن الواقع والحقيقة، بعيدًا من التضليل والتعمية للرأي العام وعامة الناس من الشعب، لا لأبناء السيد المغيب موسى الصدر والسيد الشهيد حسن نصر الله فحسب.

السيد عبد الحسين شرف الدين العرّاب للمقاومة

ربما يكون صاحب هذا الاسم مجهولًا وغير معلوم بالنسبة للعديد من اللبنانيين. وهو بمنزلة الجندي المجهول. هو سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين، المؤسس الأول أو العراب للمقاومة في لبنان.

وهو أيضًا خال سماحة الإمام السيد موسى الصدر. برز دوره في النصف الأول من القرن الماضي، وسطع نجمه، كأحد أهم وأكبر وأعظم النخب والمرجعيات والقيادات التي يدور في فلكها رجال المقاومة والمقاومين، فترعاهم وتؤطرهم وتوجههم، إن في مواجهة الإحتلال التركي العثماني أولًا، أم في مقابل الانتداب الفرنسي ثانيًا.

ولكن المؤرخين وكتب التاريخ في لبنان لم يفوا هذا العالم الجليل وهذا المفكر العظيم والكبير وهذا المرشد الروحي حقه أو شيئًا من حقه، لدى المبادرة للتأريخ وكتابة التاريخ وتدوين الوقائع والحقائق التاريخية.

على أي حال، الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، على رأس علماء جبل عامل في جنوب لبنان، هو المقاوم الأول ضد العدوان والاحتلال، وهو رجل الاستقلال الأول. نقولها للتاريخ والإنصاف، ثم نمضي، بعد أن أدلينا بها ودوّناها، لنضعها هنا بين أيدي القراء من الباحثين عن الحقيقة.

السيد المغيب موسى الصدر الأب الروحي للمقاومة

بعد الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، إبان كل من الاحتلال التركي ثم الانتداب الفرنسي تباعًا، جاء دور الإمام السيد موسى الصدر، إبان الاستقلال والجمهورية الأولى.

تأسس كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتجلى التهديد الصهيوني، بل الخطر الصهيوني القائم والواقع ضدنا في لبنان، في مناسبات ومحطات عديدة. وكان أيضًا تقاعس الدولة اللبنانية واضحًا، لا لبس فيه، وكذلك تقصير كل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، عن تحمل المسؤولية المرجعية في الدفاع عن لبنان، ولا سيما الجنوب، وحماية أهله.

كان لا بد من هذه المقاومة الشعبية الوطنية، التي أطلقها الإمام السيد موسى الصدر لأجل لبنان ضد "إسرائيل". وعليه، فإن تجربة حركة أمل، في إشارة إلى كل من حركة المحرومين وأفواج المقاومة اللبنانية، تجربة وطنية، صادقة وشريفة، هي وليدة الإرادة الشعبية الحرة لعموم اللبنانيين، ولا سيما العامليين، الجنوبيين والبعلبكيين معًا. فكان العامليون الجنوبيون رأس الحربة في مواجهة العدو الإسرائيلي؛ وكان العامليون البعلبكيون ظهيرهم وشريكهم في مقاومة العدو الإسرائيلي. وتحملوا الأعباء ودفعوا الأثمان بقصد التحرير الوطني، ولإعادة الإستقلال والسيادة إلى البلد من براثن وغياهب الصهيونية.

السيد الشهيد حسن نصر الله القائد التاريخي للمقاومة

بعد تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر، ومن ثم تأسيس حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان، جاءت حقبة سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، الذي خلف سماحة السيد الشهيد عباس الموسوي في الأمانة العامة وعلى رأس القيادة للحزب والمقاومة.

وقد بقي في منصبه هذا حتى اغتياله، كأطول مرحلة زمنية، بحيث تمكن خلالها من مأسسة المقاومة، بتنظيميها السياسي والعسكري، وليكون وليصبح على هذا النحو القائد التاريخي للمقاومة في البلد وفي المنطقة.

لقد كان حلمًا جميلًا، بل رائعًا، بالنسية إلينا وإلى جيلنا، كما كان قبله السيد موسى الصدر، بالنسبة إلى الجيل الذي قبلنا. وقد وصلت معه المقاومة إلى نقطة الذروة، ليترك بصمة لا تُمحى، ولا تُنسى. وبات صعبًا بعده، بالتأكيد وبطبيعة الحال، ملء الفراغ الذي تركه فراقه وغيابه باستشهاده.

إلا أن هذه المقاومة أصبحت ركنًا أساسًا ورئيسًا في المعادلات الداخلية والوطنية، كما في المعادلات الخارجية والإقليمية. وهي تحمل اسمه هو، أي السيد الشهيد حسن نصر الله، ومعه اسم السيد المغيب موسى الصدر. وتبقى من بعدهما تجربة المقاومة بأطوارها، وكذلك سردية المقاومة في لبنان وإلى فلسطين. 

المقاومة بين الثنائية الشيعية والتعددية الوطنية والقومية

لم تكن المقاومة يومًا حكرًا على ثنائي الحركة والحزب، والمقصود الثنائي الوطني أو الثنائي الشيعي للمقاومة. لا أحد يدعي ذلك، أو يمكنه أن يدعي ذلك.

المقاومة في لبنان ضد "إسرائيل" إنما دخلت طورًا جديدًا مع الإمام السيد موسى الصدر في غمار مسار تطورها وتراكمها التاريخيين. كذلك، المقاومة في لبنان ضد "إسرائيل" اتخذت زخمًا جديدًا وسلكت بعدًا جديدًا واقتحمت حيزًا جديدًا مع السيد حسن نصر الله في سياق مشهدية صعودها السياسي، والعسكري، والشعبي والتاريخي.

لكن المقاومة كانت قبل تجربتي هذا الثنائي الشيعي من الحركة والحزب؛ كما أنها باقية معهما، وربما بعدهما أيضًا. فهي تعبير عن مشروع وطني، وخيار وطني ورهان وطني.

وهي جامعة، شارك أو أسهم فيها الكثير من القوى الحية في البلد والمجتمع والشعب، كالتحرريين، والتقدميين، واليساريين، والشيوعيين، والاشتراكيين، والناصريين، والبعثيين، والوطنيين، والقوميين العرب، والقوميين السوريين، والإسلاميين، والمسيحيين وغيرهم. وهي مستمرة وباقية، قد ينخرط فيها، أو قد ينضوي فيها، الكثير من الشرفاء الأحرار، ذلك أن "شرط الحرية المقاومة، كحتمية تاريخية، لا بد منها، لم تنهزم ولن تنهزم"، بحسب العميد جورج إبراهيم عبد الله لشبكة الميادين الإعلامية. 

مما لا شك فيه أن سيدنا المغيب موسى الصدر شخصية تاريخية، لا تتكرر، وأن سيدنا الشهيد حسن نصر الله شخصية استثنائية، لا مثيل لها، ولا نظير لها. وهما ليسا شخصيتين عامّتين، وإنما تجربتان متجسدتان لمدرسة واحدة، وأيقونتان أمميتان، تتخطيان وتتتجاوزان بلدنا وأمتنا ومنطقتنا.

نحن أمام قيمتين إنسانيتين، متجددتين ومتجذرتين وخالدتين. وهما عنوانان لفكر واحد، باقيان في قلوبنا وعقولنا وأذهاننا ونفوسنا وأرواحنا: نحن أبناء موسى الصدر وحسن نصر الله.