موسكو وبوابة تركيا المفتوحة على الإرهاب

شهدت العلاقات الدفاعية بين أنقرة وواشنطن نقلة كبيرة بعد موافقة الكونغرس على صفقة طائرات F16 المتطورة لتركيا، ورفع القيود والعقوبات التي فرضتها واشنطن على هيئة الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون "مكافحة أعداء أميركا".

  • تركيا وسياسة الباب المفتوح وخطورته في آسيا الوسطى.
    تركيا وسياسة الباب المفتوح وخطورته في آسيا الوسطى.

لا يلغي الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعة "مدينة كروكوس" للحفلات في العاصمة موسكو الذي نفّذه عناصر "داعش" إمكانية تورّط أجهزة المخابرات الحكومية أو شركات الحرب والاستخبارات الخاصة. 

وفي تصريحه حول الهجوم قال الرئيس فلاديمير بوتين، إنه تمّ الإعداد في الجانب الأوكراني لعبور المهاجمين الحدود، وذكر أن الهجوم نفّذ بأيدي إسلاميين.

وكان "مسؤول أمني تركي" قد قال إن منفّذي الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في العاصمة الروسية موسكو مرّوا بتركيا وهم من المسلحين الطاجيك، وهم دخلوا تركيا لتجديد تصاريح إقامتهم الروسية من دون المكوث فيها، وأكد أن أحد المتورّطين في مداهمة كنيسة سانتا ماريا الكاثوليكية في إسطنبول يوم 28 كانون الثاني/يناير كان طاجيكياً والآخر شيشانياً.

وكانت لائحة الاتهام التي أعدّها مكتب المدعي العام في العام الماضي بشأن تنظيم "داعش" قد ضمّت 18 متهماً من تركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأذربيجان وداغستان (روسيا الاتحادية) وتركيا. وكانت روسيا قد حذرت تركيا من شبكة "داعش" العاملة في أفغانستان وآسيا الوسطى وتركيا التي ألقي القبض على عشرات من المشتبه بهم من عناوينهم بعد هجوم كروكوس.

لا شك أن التدخّلات الأميركية في أفغانستان والعراق أنتجت إرهابيين، وحوّلت سوريا إلى مركز جذب وحضانة جهادية في الحرب التي يديرها التحالف الغربي مع حلفائه. تمّ تحويل بعض الجهاديين في إدلب، التي تحميها تركيا، إلى الحرب الأوكرانية. 

وفي خضمّ الحرب على غزة قام "داعش" وهيئة تحرير الشام، بعمليات لصالح "إسرائيل"، في المناطق الصحراوية الممتدة من شرق حمص إلى الحدود العراقية. كما شنت هيئة تحرير الشام هجوماً في ريف حلب واللاذقية وحماه. بالتوازي مع الأجندة المتعلقة بالانسحاب الأميركي من العراق، بدأت خلايا "داعش" تطلّ، خاصة في منطقة كركوك وكان جيش العدل قد استهدف إيران، وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم المزدوج في كرمان في 3 كانون الثاني/يناير، وأخيراً تعرّضت روسيا لهجوم كروكوس.

استخدام الارهاب الآتي من آسيا الوسطى ضد روسيا والصين

تحظى حركة تركستان الإسلامية في تركستان الشرقية، بالحماية في إدلب. تقوم الأجهزة الغربية مثل وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات البريطانية MI6، جنباً إلى جنب مع شركات الحرب والاستخبارات الخاصة، بتشكيل حركات إسلامية في آسيا الوسطى من أجل العمل على استراتيجية تصفية الحسابات مع روسيا والصين. يشير تنظيم "داعش" إلى خراسان التاريخية، التي تضم أجزاء من باكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وإيران، إضافة إلى أفغانستان. 

ليس من المستغرب أن يتم استخدام آسيا الوسطى من أجل توجيه الإرهاب نحو روسيا، وقد تختلف دوافع الإرهابيين الجدد الأيديولوجية عن سابقاتها حتى لو حملوا الاسم نفسه. تتدرّب عناصر "داعش" وتقيم الشبكات الخلوية، وتجري اتصالات مع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في مركزها تركيا.

تركيا وسياسة الباب المفتوح وخطورته في آسيا الوسطى

قدّم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تعازيه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في ضحايا الهجوم. وذكر إردوغان أن تركيا مستعدة للتعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب.. لا شك بأنّ سياسة الباب المفتوح، التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية تسهّل الدخول إلى تركيا، لقد حوّلت الطرق الجهادية المتدفّقة من القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا إلى سوريا تركيا إلى منصة للمتشدّدين ونقل الأموال، والانتقال إلى مواقع أخرى. 

وليس من المستغرب أن تبرز باعتبارها أهم نقطة تقاطع لشبكة "داعش"، وأظهرت بعض المعلومات أنه تمّ الوصول إلى مجموعة عمال آسيا الوسطى الذين يعيشون في موسكو أيضاً من خلال شبكات في تركيا خلال هجوم كروكوس، كما تم اعتقال المواطن الطاجيكي شامل هوكوماتوف، المسؤول عن جمع الأموال والمسلحين لتنظيم "داعش" في تركيا العام الماضي. 

وعملت تركيا وطاجيكستان معاً بشأن هذه القضية، ومن الواضح أن الفجوة الحقيقية تكمن في تركيا. كان بارزاً في الفترة الأخيرة حرص أنقرة على استثمار الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية لتعزيز حضورها في منطقة القوقاز، وخاصة الجمهوريات الناطقة بالتركية، إضافة إلى توسيع حضورها الميداني على الساحة السورية، وذلك في مقابل مساعٍ روسية لتعزيز الدور ومزاحمة النفوذ التركي في ليبيا ومناطق غرب أفريقيا.

التوتر في العلاقات التركية-الروسية

كانت الخارجية التركية قد جدّدت في 14 آذار/مارس الجاري رفضها الاعتراف بضم روسيا للقرم، مشددة على دعم تركيا لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، فطالبتها موسكو بالامتناع عن التدخّل في شؤونها الداخلية.

وكان تأجيل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا قد ارتبط باستياء موسكو من التغيّر في توجّهات السياسة الخارجية التركية، بعد تخلّيها عن المحافظة على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، وبعد مصادقتها على دخول السويد إلى الناتو، تخشى موسكو نشر وحدات وإقامة بنية تحتية عسكرية تابعة لـ "الناتو" كونه يمثّل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، وهي ترى أنّ أنقرة تدعم بشكل غير مباشر الحركات الإسلامية المناهضة للنفوذ الروسي في آسيا الوسطى، إضافة إلى تقديم الدعم المالي للجزء الموالي لأوكرانيا.

وكانت مساحات التوافق بين أنقرة وواشنطن قد عادت إلى البروز على نحو كشفت عنه زيارة وزير الخارجية التركي هكان فيدان للولايات المتحدة الأميركية، في 7 و8 آذار/مارس الحالي، لحضور اجتماعات الآلية الاستراتيجية التركية-الأميركية، التي تم اعتمادها على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في روما في عام 2021.

كما شهدت العلاقات الدفاعية بين أنقرة وواشنطن نقلة كبيرة بعد موافقة الكونغرس الأميركي على صفقة طائرات F16 المتطورة لتركيا، ورفع القيود والعقوبات التي فرضتها واشنطن على هيئة الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون "مكافحة أعداء أميركا".

وتصاعدت المخاوف الروسية بعد انضمام تركيا رسمياً في 16 شباط/فبراير الماضي إلى مبادرة درع السماء الأوروبية، وهي محاولة إنشاء نظام صاروخي متكامل قصير ومتوسط وطويل المدى لحماية الأمن الأوروبي من المخاطر الروسية.

وكانت البنوك التركية قد اتخذت إجراءات بإغلاق حسابات شركات روسية، إضافة إلى تشديد الإجراءات المطلوبة من المواطنين الروس الذين يرغبون في الحصول على البطاقات البنكية بسبب الخوف من العقوبات الأميركية، مما أثّر سلباً على حركة التجارة والاستثمار بين البلدين. 

الموقف الروسي عشية الجولة الـ 21 لاجتماعات "مسار أستانة" للحلّ السياسي في سوريا التي عُقدت في 26 كانون الثاني/يناير الماضي، كان رداً لافتاً على أنقرة وأكد الإصرار على الانسحاب من الأراضي السورية الذي يعيق جهود التطبيع.

ثمة تداعيات محتملة على العلاقات الروسية-التركية، ويرجّح أن يسفر التوتر بين الطرفين عن ضغوط يمكن أن تمارسها موسكو بشأن تصدير الغاز إلى تركيا التي تستورد القسم الأكبر من حاجتها الداخلية من روسيا، إلا أن البلدين سيتجهان إلى ضبط حدود هذه الخلافات، وإعادة صياغة العلاقات وفقاً لمصالح كليهما، حيث يرتبطان بمصالح وعلاقات اقتصادية، ويحاول البلدان الوصول إلى 100 مليار دولار.

إلا أنّ المصالح السياسة تتناقض كلما تقرّبت أنقرة من واشنطن، عدا عن طموحات تركيا التي لا حدود لها في آسيا الوسطى، والتي يخشى من خلالها ارتباط أنقرة بمساعي واشنطن لعرقلة الأمن الروسي واختراقه من البوابة التي يعتقد أن تركيا يمكن من خلالها رسم طموحاتها.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.