موقف القانون الدولي من عملية النصيرات

 ما حققته "إسرائيل" أنها أظهرت وجهها الوحشي للعالم واستعداد نتنياهو لقتل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء لتحقيق مكاسبه الشخصية والبقاء في السلطة.

  • يضاف إلى جرائم
    يضاف إلى جرائم "إسرائيل" الوحشية في قطاع غزة جريمة النصيرات.

بعد 9 أشهر من الحرب على غزة، تمكنت "إسرائيل" من تحرير 4 من الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية حماس كانوا محتجزين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وقد أتت عملية تحرير الأسرى بغطاء ناري مكثف من البحر والجو والبر بدعم استخبارتي أميركي وبريطاني. وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية للتفاخر بهذه العملية على أنها إنجاز يحسب لـ"إسرائيل".

نتنياهو المأزوم داخلياً وخارجياً يبحث عن أي عملية عسكرية ليسميها إنجازاً في ظل الفشل الذي تكبدته حكومته منذ حربها على القطاع، إذ إنها لغاية اليوم لم تحقق أياً من الأهداف التي وضعتها لحربها على غزة، فـ"تل أبيب" لم تتمكن من استعادة أسراها أو القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية حماس. وإذا كانت قد استعادت 4 أسرى بعد مرور 9 أشهر من الحرب، فهذا يعني أنها بحاجة إلى عشرات السنين لاستعادة جميع الأسرى وتدمير قطاع غزة بالكامل.

الإنجاز الذي يحسب لـ"إسرائيل" في حربها على قطاع غزة أنها أمعنت في قتل وجرح الآلاف من المدنيين العزل، ولا سيما الأطفال والنساء، ودمرت الأعيان المدنية، وألحقت أضراراً جسيمة بالبيئة، واعتمدت سياسة التجويع، وارتكبت المجازر التي يندى لها الجبين.

 ما حققته "إسرائيل" أنها أظهرت وجهها الوحشي للعالم واستعداد نتنياهو لقتل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء لتحقيق مكاسبه الشخصية والبقاء في السلطة.

أدت عملية النصيرات إلى استشهاد 274 شخصاً، بينهم 64 طفلاً و57 امرأة و37 مسنناً، وأصيب أكثر من 400 آخرين بجروح، إذ دمرت البيوت فوق رؤوس قاطنيها، وتعرض 89 منزلاً للقصف. كما أعلنت كتائب القسام أن 3 من الأسرى المحتجزين في القطاع قتلوا خلال العملية.

وبصرف النظر عن أن "إسرائيل" انتهكت منذ شنها العدوان على قطاع غزة قوانين وأعراف الحرب وحقوق الإنسان، وارتكبت جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، ونتيجة لأفعالها الجرمية، وجهت المحكمة الجنائية تهم ارتكاب هذه الجرائم إلى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وتقدم مدعي عام المحكمة الجنائية كريم خان بطلب إصدار مذكرات توقيف بحقهما،  ولكن في عملية استرداد الأسرى فإن "إسرائيل" قد تتذرع بأنها قتلت العدد الهائل من المدنيين بهدف تحرير أسراها، وهي نتيجة عرضية لعملها العسكري.

بالعودة إلى القانون الدولي الإنساني الذي يهدف إلى حماية المدنيين والأعيان المدنية وتقييد أساليب ووسائل القتال، فإنه يوجب احترام مبدأ التناسب الذي يُعتبر من أهم مبادئ قوانين الحرب، ويسعى إلى تجنب المدنيين الآثار السلبية في النزاعات المسلّحة، والحد من الضرر الناجم عن العمليات العسكرية، بحيث يقتضي بأن تكون آثار ووسائل وأساليب الحرب متناسبة مع الميزة العسكرية المنشودة، بمعنى أنه يجب مراعاة التناسب بين الضرر الذي يلحق بالخصم والمزايا العسكرية التي يمكن تحقيقها نتيجة استخدام القوة في أثناء سير العمليات العسكرية.

لقد حظرت المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف 1977 الهجمات العشوائية التي تسبب خسارة في أرواح المدنيين والأعيان المدنية بشكل يتجاوز ما يمكن أن يسفر عنه الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

كما أن المادة 57 من البروتوكول نفسه توجب على من يخطط لهجوم أو يتخذ قرار بشأنه أن يمتنع عن اتخاذ قرار بشن أي هجوم أو يعلق أو يلغي أي هجوم تتجاوز فيه الخسائر في الأرواح والأعيان المدنية ما يمكن أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية. ويعتبر انتهاك مبدأ التناسب جريمة حرب سنداً للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وبناء عليه، يضاف إلى جرائم "إسرائيل" الوحشية في قطاع غزة جريمة النصيرات، إذ إن تحرير 4 أسرى إسرائيليين لا يبرر القيام بالعملية العسكرية التي راح ضحيتها ألف شخص بين شهيد وجريح، وأدت إلى تدمير واسع للأعيان المدنية، فضلاً عن قتل 3 أسرى إسرائيليين في مقابل تحرير 4 آخرين، فأين تكمن الميزة العسكرية التي نص عليها قانون الحرب في العملية العسكرية الإسرائيلية، والتي أسفرت عن حمام من الدم؟ 

وبالتالي، هذه العملية هي جريمة حرب، لأنها تنتهك قوانين الحرب وأعرافها، وتقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. لذلك، يمكن إضافة هذه الجريمة التي ارتكبتها "إسرائيل" إلى قائمة الجرائم المرفوعة أمام المحكمة الجنائية. 

وتعتبر كل من الولايات المتحدة الأميركة وبريطانيا شركاء في ارتكاب هذه الجريمة؛ فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن دور استخباراتي ولوجستي أدته الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل مباشر في عملية الأسرى الصهاينة الأربعة في مخيم النصيرات، بالرغم من نفيِ التورط العسكري الأميركي في مجزرة النصيرات. 

وأكدت الصحيفة أن أميركا وبريطانيا قدمتا معلومات استخباراتية من الجو والفضاء الإلكتروني لا تستطيع "إسرائيل" جمعها بمفردها، مضيفةً أنّ المخابرات الأميركية جمعت معلومات من مسيّرات أطلقتها في سماء غزة، واعترضت مكالمات هاتفية، ما مكنها من تحديد مكان وجود الأسرى الأربعة. 

من ناحية أخرى، أجرى قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي "سنتكوم" الجنرال مايكل إريك كوريلا، نهاية الأسبوع الماضي، زيارة إلى "إسرائيل" تزامنت مع موعد تنفيذها عملية النصيرات. ويجري الحديث عن استعانة "إسرائيل" بالرصيف العائم الذي أقامته الولايات المتحدة تحت ذريعة إدخال المساعدات لقطاع غزة، وهو ما نفاه البنتاغون الذي أقر بأن "إسرائيل" استخدمت منطقة قريبة من الرصيف الأميركي العائم قبالة ساحل غزة في العملية.

لقد حقق نتنياهو إنجازاً بعملية تحرير الأسرى، ولكنه إنجاز بطعم الهزيمة والإهانة مطلي بدماء الأبرياء. وبالرغم من تفاخره بتحرير الأسرى، فإنَّ الداخل الإسرائيلي يعاني انشقاقات كبيرة أدت إلى استقالة كل من بيني غانتس وغابي آيزنكوت من حكومة الحرب، واستمرت التظاهرات في "تل أبيب" للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة ورحيل نتنياهو وإبرام صفقة تبادل الأسرى.

لقد كان بإمكان بنيامين نتنياهو المتعطش للدماء أن يقبل بمقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ولكنه أصر على القيام بعملية عسكرية لتحرير 4 أسرى كي تحسب على أنها إنجاز لحكومته ولارتكابه المزيد من المجازر.