واشنطن تعيد ترتيب وضع سوريا طبقاً لرؤيتها
رفع العقوبات عن سوريا أهم إنجاز للحكومة الأميركية التي تدعم سوريا دبلوماسياً، وتحاول دفع عجلات التوافق بين "إسرائيل" وتركيا وبين تركيا و"قسد."
-
تحوّلت سوريا إلى ساحة لمختلف أنواع المشكلات الخطيرة.
بنى مبعوث الرئيس ترامب، توم براك، علاقات وثيقة مع الحكومة الجديدة في دمشق، وهو حريص على جعل الجهاديين السابقين شريكًا أمنيًا. وقد أظهر الشرع براغماتية ملحوظة منذ سقوط النظام.
فكرة ترامب عن السلام الإقليمي من خلال مشاريع إعادة إعمار واسعة النطاق تحظى بقبولٍ خاص لدى الأنظمة ونخبها في الشرق الأوسط التي قد يسهم بعضها في مساعدة سوريا. أما الشرع فهو يوازن بين علاقاته مع الخليج والولايات المتحدة وتركيا و "إسرائيل".
وقّعت الحكومة السورية المؤقتة اتفاقية مع الكرد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة في مارس/آذار الماضي لدمج قوات سوريا الديمقراطية (SDF) في الجيش الوطني، ومن غير الواضح كيفية دمج القوات التي يقودها الكرد، والبالغ قوامها 100 ألف جندي. وقد وافق الكرد مبدئيًا على الانضمام إلى الجيش السوري وتسليم المعابر الحدودية والموارد الطبيعية، لكنهم يخشون فقدان نفوذهم الوحيد في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الحكم الذاتي المحلي.
بينما تدعم "إسرائيل" منح الدروز مزيدًا من الحكم الذاتي، وتتعامل دمشق مع قضية الدروز كجزء من إطارها الأمني مع "إسرائيل"، وبصورة منفصلة عن تعاملاتها مع الكرد.
إدارة ترامب تضغط من أجل ضم سوريا إلى "اتفاقات أبراهام"، لكن لا تزال القوات الإسرائيلية تحتل أجزاءً من جنوب سوريا، وتستهدف بانتظام حزب الله، وبينما تدعم واشنطن سلامة أراضي سوريا ووحدتها، إلا أنها لم تتمكن من ردع العمليات العسكرية الإسرائيلية.
لقد تحوّلت سوريا إلى ساحة لمختلف أنواع المشكلات الخطيرة. رغم كل صعوباتها وتناقضاتها، فإن المعادلة التي يريدها ترامب، تتقدم تدريجيًا.
لقد اكتملت إلى حدّ كبير عملية استيعاب الشرع إلى المصالح الأميركية في دمشق. وبفضل قبوله بكل الشروط الأميركية، يبدو أن "إسرائيل" لن تحصل إلا على المنطقة العازلة التي ترغب بها في الجنوب، بالرغم من أنها تريد أن تكون في وضع يحمي حريتها في غزو سوريا من الجو والبر، ويحد من قدرة البلاد على التسلح، ويمنع خطط تركيا للحصول على قواعد عسكرية.
لا تملك أنقرة سوى إحالة الموضوع الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة، وتتوقع من الولايات المتحدة كبح جماح نتنياهو أولاً قبل الحديث عن التطبيع، أما "إسرائيل" فهي تفضل تسوية مؤقتة مع تركيا، وترى أن لا خلاف جوهرياً فهي غير طامعة بالشمال السوري.
باختصار، تسعى تركيا إلى الحفاظ على نفوذها ومصالحها الأمنية في سوريا، بالتنسيق مع القوى الدولية والإقليمية، مع تأكيد دعمها لاستقرار البلاد ووحدتها في المرحلة الانتقالية الجديدة.
النهج الأميركي
"إسرائيل" حليفٌ قويٌّ لأميركا، التي ترى أن نتنياهو يعالج مخاوفه الأمنية، لكن الولايات المتحدة تتفهم الأمر شرط ألا يضر بمصالحها، أما تركيا كعضو في "الناتو" فهي ملحقة بمشاريع أميركا التي تقول إن "قوات سوريا الديمقراطية" موجودة من أجل الحماية من "داعش".
في الوقت الذي تريد فيه تركيا تقليص درجة الحكم الذاتي الكردي، والقضاء على إمكانية تدخل "إسرائيل" في شؤون الكرد، وهي أخذت المبادرة مع أوجلان بهدف التأثير على الوضع في سوريا.
شجّع الأميركيون التعاون بين الأطراف الكردية في العراق وسوريا، وبذلوا جهودًا لجمع الكرد المتحالفين مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني في سوريا بعد دعوة حكومة كردستان، القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، وممثلة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط.
توجيه هذه الدعوة لم تتم من دون إبلاغ أنقرة. نظراً لإعطاء "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الأولوية لحساسيات تركيا. مشاركة قائد "قوات سوريا الديمقراطية" كانت أحد التطورات البارزة، حيث التقى عبدي كبار المسؤولين في إقليم كردستان لمناقشة الوضع في سوريا ومخاطر عودة تنظيم "داعش".
كانت "قسد" قد اشترطت أن يتم دمج قواتها في الجيش السوري الجديد عبر اتفاق دستوري يعترف بخصوصية المكوّن الكردي ويضمن حقوق الكرد والأقليات الأخرى، وأن تكون سوريا دولة لا مركزية.
تصر" قسد" على الحفاظ على المؤسسات التي أقيمت في مناطق الإدارة الذاتية، بما في ذلك القوات العسكرية، كجزء من أي حل مستقبلي. البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية شددا على التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على وجود عسكري في شرق سوريا لمواصلة عمليات "هزيمة داعش " ومنع عودته للظهور.
وافق مجلس الشيوخ الأميركي مؤخرًا على تخصيص 130 مليون دولار من ميزانية البنتاغون للسنة المالية 2026 لدعم "قسد" وفصائل أخرى رحبت الولايات المتحدة بانضمام سوريا، تحت قيادة أحمد الشرع، إلى التحالف الدولي لهزيمة "داعش" كشريك سياسي، وعلقت بعض العقوبات لتشجيع الاستقرار الاقتصادي والتعاون في مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن هذا التعاون سياسي إلى حد كبير حتى الآن، ولا يتضمن بعد مكونات عسكرية مباشرة مع القوات السورية الحكومية. تظل "قسد" الشريك العسكري الرئيسي للولايات المتحدة على الأرض في العمليات الميدانية. وتعدّ واشنطن وجود قواتها في مناطق "قسد" بمنزلة آلية لمنع الفراغ الأمني الذي قد يستغله "داعش" أو جهات أخرى لزعزعة الاستقرار.
العلاقة بين الولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية" قائمة على هدف مشترك ومستمر هو القضاء على "داعش"، وتعهدات حكومة الشرع الجديدة هي تطور دبلوماسي لا يغير من الشراكة العسكرية القائمة حاليًا.
اعتبر رفع العقوبات عن سوريا أهم إنجاز للحكومة الأميركية التي تدعم سوريا دبلوماسياً، وتحاول دفع عجلات التوافق بين "إسرائيل" وتركيا وبين تركيا و"قسد".
بينما تحاول تركيا عبر إجراءاتها القانونية اعتبار أوجلان، مؤسس "حزب العمال الكردستاني"، زعيماً إقليمياً يمكنه التأثير على منحى "قوات سوريا الديمقراطية" السياسي وإبعادها ما أمكن عن التنسيق مع "إسرائيل ".