أي يد أخذت بيد وحيد حامد؟

"الإرهاب والكباب" و"البريء" وغيرهما الكثير من الأفلام أظهرت أنه من أهم كاتبي السيناريو في مصر. ماذا تعرفون عن وحيد حامد؟

في لوحته «خلق آدم» يجسد الفنان الإيطالي مايكل أنجلو نفخ الروح في آدم، حيث تمتد يد من السماء لتلامس يده الممدودة.

في مصر، لم تكن يداً إلهية، بل بشرية، تلك التي امتدت إلى الشاب وحيد حامد لتأخذ بيده. صاحب تلك اليد كان الأديب يوسف إدريس، حين جاء إليه حامد حاملاً مجموعته القصصية الأولى، ليعطيه رأيه فيها، فما كان من إدريس إلا أن أشار بأصبعه من نافذة "مؤسسة الأهرام" إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون قائلاً: "هل ترى هذا المبنى الذي أمامنا؟.. مكانك هناك يا وحيد".

كانت «القمر يقتل عاشقه» هي المجموعة الأولى لـوحيد حامد (1944 - 2021) التي صدرت عام 1971، ضمن سلسلة "كتابات جديدة " عن "الهيئة العامة المصرية للكتاب". أهداها حامد إلى "جيل من الشبان يسعى بجهد وإصرار.. إلى جيل هو الأمل"، واحتوت على 13 قصة أغلبها غارق في الرمزية، متخذاً من اللامعقول أسلوباً في بنائها الفني وفي أحداثها.

قبلها، كان حامد قد جاء إلى القاهرة عام 1963 قادماً من قرية بني قريش في مركز منيا القمح التابع لمحافظة الشرقية، حيث ولد في 1 تموز/يوليو من العام 1944. أتى حامد لدراسة علم الاجتماع في كلية الآداب، لكنه وجد نفسه يسلك سبيلاً آخر. إذ راح يطلع على الكتب الأدبية والفكرية والثقافية، ويزور المكتبات والسينما والمسرح؛ آملاً في أن يصبح كاتباً مميزاً للقصة القصيرة والمسرح الذي عرفه عن طريق مسرحيات شكسبير.

في بدايته، نشر وحيد حامد عدداً من القصص في صحف ومجلات "المحرر" و"الجمهور الجديد"، و"الشبكة"، و"الحرية اللبنانية"، وفازت إحداها بــ "جائزة نادي القصة" عام 1963. كما ترجمت قصته "التمثال" إلى اللغة التشيكية.

ورغم حفاوة البعض بما كتب حينها، إلا أن اليد التي أشارت لحامد إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون، وإن أفقدتنا قاصاً جيداً إلا أنها وهبتنا كاتباً درامياً من طراز فريد، وكأن إدريس بإشارته تلك قد منحه روحاً أخرى، سرت في أوصاله فأمدتنا جميعاً بجزء ليس هيناً من تاريخنا الفني.

صدّق وحيد حامد نصيحة يوسف إدريس، الذي يراه هو ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي  أساتذته الذين صقلوا موهبته وفكره. ومن ثم التفت إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون كاتباً للسيناريو، حتى أصبح كاتباً غزير الإنتاج، فارقاً ومؤثراً، حيث يعتبره البعض «أبو السيناريو المصري» وصاحب مدرسة قوامها خروج الكتابة من الناس وإليهم، فهو لم يدفع عن نفسه يوماً تهمة «تملق الجمهور»، بل ويقول: «إذا كانت خدمة الجمهور واحترمه تهمة.. فأنا أول من يرحب بها».

كتب وحيد حامد مسلسلات إذاعية حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، سواء كوميدية أو جادة، حتى كان «طائر الليل الحزين»، الذي رغم كونه الفيلم الأول له، إلا أن نجوماً كباراً كانوا أبطاله، بينهم: محمود مرسي ومحمود عبد العزيز ونيللي. وقد بشر بميلاد كاتب وسيناريست من طينة العظماء، توالت أعماله بعد ذلك، فقدم عشرات الأفلام الناجحة على المستويين النقدي والجماهيري، وتعاون خلالها مع كبار المخرجين أمثال: سمير سيف، شريف عرفة وعاطف الطيب.

 تعاون حامد خلال مسيرته مع كبار الفنانين أمثال نور الشريف ومحمود عبد العزيز ويحيى الفخراني ونبيلة عبيد ونادية الجندي، لكن يبقى الفنان عادل إمام بمثابة حجر الرحى الذي دار حوله أغلب أفلامه الأكثر شهرة. إذ نجحا على مدى 25 عاماً في تقديم 10 أفلام فجرت قضايا عديدة، وإن قاسمه النجاح مع الفنان أحمد زكي، الذي جمعته بـحامد صداقة أثمرت عن عدد من الأفلام المهمة، منها: «البريء» و«معالي الوزير»، وأيضاً «اضحك الصورة تطلع حلوة»، الفيلم الذي نال نصيبه من الصراع بين النمر الأسود والزعيم، ولا سيما بعد تصريح لوحيد حامد قال فيه إنه «أحسن فيلم في حياته».

ثمة أطراف أخرى متصارعة في مسيرة وحيد حامد، فما بين تغلغل الجماعات الإسلامية داخل المجتمع، ورصد فساد الأنظمة الحاكمة وفضح بيروقراطيتها، جاء الكثير من أفلامه.

ربما كان «طيور الظلام» هو الفيلم الأكثر تشريحاً لفكر الجماعات المتطرفة، والأكثر رصداً لصعودها إلى السطح. الأمر الذي جعل أفرادها يناصبونه العداء، حتى وصل الأمر إلى تهديده بالقتل. وأيضاً ثورتهم وقت كشف نيته في كتابة مسلسل «الجماعة» الراصد لتاريخ «الإخوان المسلمين»، وسعيهم إلى تعطيل العمل، رغم اعتماده على مصادر تاريخية.

من جهتها، لم ترض الأنظمة السياسية عن بعض أفلام حامد. فقد رأوا في «الإرهاب والكباب» مثلاً، والذي يعد أحد أيقونات السينما المصرية في حقبة التسعينيات، أنه يجعل من الدولة خصماً في وجه المواطن، بدلاً من أن «يجعل السلبية خصماً».

في خضم هذا الصراع استقبلت الجماهير أفلامه بحفاوة بالغة، فتعلقت بها، وصارت جزءاً من ذاكرتها. تلك الأفلام التي ضمت صرختها المكبوتة، فظهرت أحياناً صريحة وواضحة، كما جاءت في فيلم «النوم في العسل»، عندما لم يجد بطل الفيلم حلاً للعجز الجنسي الذي تفشى في المدينة، وقت أنكرته الحكومة، فأجمع الناس حوله صارخين في عرض الشارع، كأنه يصنع بذلك لوحة ثورية شاعرية، ليس ثمة أهداف لها غير الحاجة إلى إعلان الوجع قبل الموت. أيضاً في نهاية «اللعب مع الكبار» وبعدما قُتل صديق البطل، الذي كان يمده بالمعلومات لفضح وقائع الفساد، تجلت صرخته في مشهد النهاية؛ إذ وقف البطل صارخاً: "أنا هحلم".

كانت الصرخة نهاية تليق بـ «أحمد سبع الليل» بطل فيلم «البريء»، إثر سلب حريته وتحويله إلى آلة قمع في يد سلطة غاشمة، لكنها في تلك المرة جاءت مصحوبة بوابل من الرصاص خرج من سلاح عسكري الأمن المركزي موجهاً على الضباط والجنود.

صرخ أبطال وحيد حامد في وجه الأنظمة السياسية المتعاقبة، وحتى الوقت الذي كانت تموج فيه «عمارة يعقوبيان» بكل أمراض المجتمع إبان حكم الرئيس حسني مبارك، أوقف البطل في ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة، ليعلنها صراحة وبصوته العالي: «إحنا بقينا في زمن المسخ».

طوال مسيرته، أخلص وحيد حامد لمشروعه الإبداعي، كما عاش معبراً عن قضايا المجتمع وهموم المصري البسيط، وهذا ما جعل الناس يصدقونه ويتعلقون بأعماله.

نال حامد الكثير من الجوائز والتكريمات المحلية والدولية، بينها جائزة النيل عام 2012 وهي أعلى جائزة تمنحها الدولة.

في آخر ظهور له في كانون الأول/ديسمبر 2020، أثناء تكريمه في "مهرجان القاهرة السينمائي"، أي قبل موته بشهر إثر أزمة قلبية في 2 كانون الثاني/يناير 2021، ختم حامد مسيرته بالقول: "أنا حبيت أيامي عشان اشتغلت مع نجوم كبار وعشت في زمن جميل".