الاقتصاد عارياً: عرض طريف ومشوّق للمفاهيم الاقتصادية
علم الاقتصاد علم زاخر بعظماء من المفكرين أمثال آدم سميث، ميلتون، وفريدمان اللذين نجحا في جذب الانتباه إليهما وسط المفكرين المعاصرين آنذاك. ولكن لم يحصل آخرون أمثال جاري بيكر وجورج أكيرلوف على التقدير الذي يستحقانه خارج الوسط الأكاديمي.
-
مراجعة كتاب : الاقتصاد عارياً: عرض طريف ومشوّق للمفاهيم الاقتصادية
وصف المؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل منذ أكثر من مئة عام علم الاقتصاد بأنه علم مملّ ومبهم، ويفتقر إلى التشويق ويرى البعض بأنه علم كئيب. ويعتقد الكثير من الناس بأن علم الاقتصاد والمشتغلين به هم ثقيلو الظل من الناحية الاجتماعية، أي أنهم فاترو الإحساس، ويذهب البعض إلى تعريف رجل الاقتصاد على أنه " شخص يجيد التحدث بلغة الأرقام "، وسادت هذه الفكرة لميلهم إلى الاستخدام المفرط للرياضيات والرسوم البيانية المحيّرة، إلى جانب إخفاقهم في كثير من الأحيان في الاعتراف بما يجهلونه.
لماذا يستهزئ البعض دائماً بعلم الاقتصاد، ولماذا يتجهم الطلاب عندما يتحتم عليهم دراسة علم الاقتصاد كفرع من فروع المعرفة؟
لماذا جعل الاقتصاد انهيار الاتحاد السوفياتي أمراً حتمياً؟ الجواب (لأن توزيع الموارد من دون نظام تسعير أمر في غاية الصعوبة على المدى البعيد).
ماهي الفوائد الاقتصادية التي يمنحها المدخنون لغير المدخنين؟ (يموتون مبكراً، وهذا يوفر مزيداً من التأمين الاجتماعي ومزيداً من المعاشات الحكومية). لماذا يعدّ منح الموظفات إجازات رعاية الطفولة أمراً تتضرر منه الأخريات؟(لأن أرباب العمل تنمو لديهم نزعة تفرقة المرأة ضد المرأة أثناء عملية التعيين).
علم الاقتصاد علم زاخر بعظماء من المفكرين أمثال آدم سميث، ميلتون، وفريدمان اللذين نجحا في جذب الانتباه إليهما وسط المفكرين المعاصرين آنذاك. ولكن لم يحصل آخرون أمثال جاري بيكر وجورج أكيرلوف على التقدير الذي يستحقانه خارج الوسط الأكاديمي. يجب أن تتوفر كتابات عن هذا العلم كي يستمتع بقراءتها الناس تماماً مثلما يستمتعون بقراءتهم عن الحرب الأهلية أو السيرة الذاتية لأحد المشاهير.
كتب الاقتصادي الشهير في جامعة جاري بيكر الحائز جائزة نوبل 1992 مستعيراً قول جون برناردشو: " أن الاقتصاد هو فن الاستفادة القصوى من الحياة، وعلم الاقتصاد هو دراسة كيفية تحقيق ذلك.
الديمقراطية والاقتصاد:
تحت هذا العنوان يطرح السؤال التالي: هل يغدو تولّي الحكومة زمام كافة الأمور بالدولة أهم من حرية التعبير؟ الجواب لا، العكس هو الصحيح. فالديمقراطية تتصدى لمعظم السياسات الاقتصادية السيئة. مثل سياسة المصارعة التامة لملكية الثروة والأملاك. وبهذا الصدد حصل امارتياسن أستاذ الاقتصاد في كلية ترينتي بجامعة كمبريدج على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998 لدراساته الكثيرة عن الفقر والرفاهية، والتي من بينها دراسة عن المجاعات، واكتشف السيد سن اكتشافاً مذهلاً وهو أن أسوأ المجاعات التي حدثت في العالم لم تحدث نتيجة تلف المحاصيل، بل حدثت بسبب الأنظمة السياسية الخاطئة التي تمنع السوق من ممارسة دوره، فالاضطرابات اليسيرة نسبياً في مجال الزراعة خلقت كوارث لأن الحكومة تمنع الاستيراد، ولأنها لا تسمح بارتفاع الأسعار، أو لأن المزارعين غير مسموح لهم بزراعة محاصيل بديلة، أو لأن السياسات تتدخل بطريقة ما في قدرة السوق الطبيعية على تصحيح أخطائه ذاتياً، ومن هنا نذكر بأن الصين قد عانت من أكبر مجاعة عرفتها البشرية، حيث لقي ثلاثون مليون شخص حتفهم نتيجة ما سُمّي أكبر قفزة نحو التقدم التي باءت بالفشل، والتي امتدت من عام 1958 إلى عام 1961. أما الهند فلم تعانِ من أي مجاعة منذ استقلالها عام 1947.
كشفت الدراسة التي أجراها الاقتصادي روبرت بارو عن النمو الاقتصادي في حوالى مئة دولة على مدى عشرات السنوات. إن الديمقراطية الأساسية ترتبط بمعدلات نمو اقتصادية عالية. ويتفق ذلك الاكتشاف مع فهمنا لإمكانية أن يقوم أصحاب المصالح الخاصة بالتأثير على السياسات التي لا تصب بالضرورة في مصلحة الاقتصاد بأسره.
يعاني الكثير من دول العالم الفقر, لأن الدول الغنية لم تحاول جاهدة أن تغير ذلك الوضع، وفي الوقت الحالي لا تعد مشاكل العالم النامي ضمن أولويات الشعب الأميركي. وخير مثال على ذلك مرض الإيدز الذي دمّر أفريقيا. وإن 40 % من وفيات الكبار في جنوب أفريقيا عام 2000 كان بسبب مرض الإيدز وتجاوز معدل وفيات النساء اللواتي في العشرينات من العمر معدل وفيات النساء في الستينات من العمر، الأمر الذي أطلق عليه الباحثون " ظاهرة فريدة في علم الأحياء".
البنك المركزي الأميركي والاقتصاد
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بساعات قليلة، أصدر المسؤولون في البنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفيدرالي) البيان التالي " يعلن البنك المركزي الأميركي أنه مفتوح للعمل، ويتيح تسهيل الإقراض لتلبية أي احتياجات من السيولة "، كانت هاتان الجملتان الموجزتان كفيلتان بتهدئة ما شهدته الأسواق العالمية من اضطراب. وعندما عاودت الأسواق الأميركية عملها لأول مرة بعد الهجمات يوم الاثنين، خفض البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة بنسبة 0.5 في المئة، ما خفّف من الآثار السلبية التي أحدثها الهجوم على الاقتصاد وسوق المال. وهنا يُطرح سؤال مهم كيف يمكن لهاتين الجملتين أن تؤثرا على اقتصاد يبلغ حجمه 10 تريليونات دولار، أو حتى على اقتصاد العالم بأكمله؟ ومن أين يستمد البنك المركزي الأميركي تلك القوة؟ الإجابة الحاسمة هي أن البنك يتحكم في كمية النقد المتداول، أي إنه يتحكم في صنبور الأموال التي يمد بها الاقتصاد. فعندما يفتح هذا الصنبور عن آخره تنخفض أسعار الفائدة وننفق بحرية أكبر على سلع لم نكن لنشتريها من دون أن نقترض. بدءاً من السيارات الجديدة، حتى المصانع الجديدة. ومن هنا يستخدم البنك المركزي السياسة النقدية ليعيد للاقتصاد توازنه بعد انتكاسه (أو منعه من الانتكاس في المقام الأول).
للبنك المركزي الأميركي اثنا عشر فرعاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وله مجلس محافظين يتكون من سبعة أعضاء ومقره واشنطن. ويعمل البنك المركزي على وضع اللوائح والقوانين المنظمة للبنوك التجارية ودعم البنية التحتية المصرفية، ويقوم بأعمال صيانة مجاري الأموال في النظام المالي، وكلّها مهام تتطلب الكفاءة لا العبقرية أو البصيرة الفذة. أما السياسة النقدية فهي المسؤولية الأخرى التي تقع على عاتق البنك المركزي. فهي مختلفة ونصفها على أنها المعادل الاقتصادي لجراحة المخ. يختلف الاقتصاديون حول كيف يصبح لزاماً على البنك المركزي التحكم بكمية النقد المتداول. كما يختلفون كيف أو لماذا تتسبب التعديلات في كمية النقد المتداول في تلك التأثيرات التي تحدثها، في حين يتفقون على ضرورة وجود سياسة نقدية فعالة ، فالبنك المركزي الأميركي يجب أن يغذي الاقتصاد دائماً بكمية النقد المناسبة ليحافظ على دوام نموه باستمرار، فقد يتسبب مده بالكمية غير المناسبة في إحداث عواقب وخيمة. ويفيد روبرت ما نديل الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1999 أن السياسة النقدية غير الجيدة في العشرينيات والثلاثينيات تسببت في حدوث انكماش اقتصادي أدى إلى إفقاد اقتصاد العالم توازنه، وقال:" لوكان سعر الذهب ارتفع في أواخر العشرينيات أو لو كانت البنوك المركزية في الدول الكبيرة اتبعت سياسات استقرار الأسعار بدلاً من التمسك بقاعدة الذهب، لم يكن ليحدث الكساد الكبير أو الثورة النارية أو الحرب العالمية الثانية.
الحياة عام2050م
يجب أن نتعرف إلى مفهوم الحياة الكريمة قبل أن يعلمنا علم الاقتصاد على تحقيقها. هنالك سبعة تساؤلات نطرحها على الحياة عام 2050: السؤال الأول: كم دقيقة سيستلزم العمل لتوفير نفقة رغيف الخبز. فإن نمت الإنتاجية بمعدل 1% سنوياً خلال نصف القرن المقبل، سيرتفع مستوى معيشتنا بنسبة 60 % سنوياً بحلول عام 2050، وإن نمت الإنتاجية بنسبة 2% سنوياً سيتضاعف مستوى معيشتنا ثلاثة أضعاف حتى عام 2050. لكن هذا التنامي سيقودنا إلى سؤال آخر وهو أي قدر من الثراء يكفي؟ للإجابة عن هذا السؤال هناك في اقتصاديات العمل ما يسمى " منحني عرض العمل الارتدادي للخلف "وتفيد هذه النظرية أنه عندما ترتفع أجورنا نعمل لساعات أطول إلى حد معين، ثم نبدأ بالعمل لساعات أقل، حيث يغدو لنا الوقت أهم من المال. ولكن خبراء الاقتصاد ليسوا متأكدين متى بالتحديد يبدأ هذا المنحنى في الالتفاف متناقصاَ أو ماهي حدة تناقصه.
السؤال الآخر: هل سنستخدم السوق بطرق خيالية لحل المشاكل الاجتماعية؟ وهل ستوجد مراكز التسويق التجارية عام 2050 ، هل ستظل الحكومة الفيدرالية تحدد كمية اللحم على البيتزا المجمدة، وهل وجدنا حقاً السياسة النقدية المناسبة؟ وبعد خمسين عاماً هل ستصبح النمور الأفريقية شاهداً على حياة البراري أم على قصص نجاح التنمية؟ الرائع في علم الاقتصاد أنك بمجرد أن تعرف أفكاره الأساسية تجدها ترتكز حولها كل القضايا الأخرى. والمفارقة المحزنة في مادة أوليات الاقتصاد النظري هي أن الطلاب يعانون دوماً من محاضراته المملة التي تحضرها الأعداد القليلة من الطلاب، في حين أنّ علم الاقتصاد يدور في شتى جوانب الحياة من حولهم، ويجعلنا علم الاقتصاد نفهم ماهية الثروة والفقر والعلاقات بين الأفراد والبيئة والتمييز والسياسة.
في نهاية هذا الاقتطاف المعرفي عن الاقتصاد ومعناه وأهميته الحياتية، هناك ما هو أهم وأجمل، يدعونا للاطلاع على موضوعات أخرى وقيمة يطرحها الكاتب تشارلز ويلان في كتابه الاقتصاد عارياً، فيما يتعلق بقوة الأسواق، أهمية الدوافع، الحكومة والاقتصاد، اقتصاديات المعلومات، الإنتاجية ورأس المال البشري، الأسواق المالية، قوة المصالح النقابية، الحفاظ على المكسب، البنك المركزي الأميركي، التجارة والعولمة، اقتصاديات التنمية، الحياة عام 2050.