العولمة والعبرنة في فلسطين: اشتباك اللغة

العربية في الشرق الأوسط هي لغة مشتبكة مع نظيرتها "الإنكليزية"، فيما إن اللغة في فلسطين المحتلة مشتبكة مع جبهتين لغويتين، الإنكليزية والعبرية. 

  • العولمة والعبرنة في المشهد اللغوي الفلسطيني: اشتباك اللغة
    العولمة والعبرنة في المشهد اللغوي الفلسطيني: اشتباك اللغة

في ثمانية فصول، يشرح البروفيسور محمد أمارة مسألتي "العولمة والعبرنة في المشهد اللغوي العربي الفلسطيني في إسرائيل" في كتاب صدر مؤخراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. يتناول أمارة قضية العولمة وتأثيرها على اللغة العربية في المجتمع الفلسطيني ضمن أربعة فصول رئيسية، فيما تعاين الفصول الأربعة الباقية مفهوم العبرنة، وهو مصطلح يشير إلى تأثير اللغة العبرية وسيطرتها على اللغة العربية في المجتمع الفلسطيني.

العربية والعبرية: اشتباك اللغة 

يعتبر أمارة أن اللغة الشائعة بمثابة ناقل للصورة الواقعية وتستخدم للتأثير على المشاعر بطريقة رمزية. في هذا الإطار، يشرح أمارة أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية في فلسطين المحتلة. وأن الكيان قام بتعزيز استخدام العبرية في جميع جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك التعليم والمؤسسات ووسائل الإعلام. 

من الناحية الفلسطينية، يوضح أمارة أن هذا الأمر يؤثّر على المشهد الواقعي في فلسطين، ذلك أن "الفلسطينيين الذين لا يجيدون العبرية غالباً ما يواجهون صعوبة في التواصل والمشاركة في بعض القطاعات التي تستخدم العبرية بشكل رئيسي". ومع ذلك، يلاحظ أمارة أن اللغة العربية لا تزال تُستعمل على نطاق الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحظى بدعم قوي، يتمثّل بشكل من أشكال المقاومة. 

ضد الهوية اليهودية الجديدة

يشرح أمارة كيف تحوّلت اللغة العبرية إلى لغة رسمية في فلسطين المحتلة، لتفتح ساحة اشتباك بينها وبين اللغة العربية، التي وصفها بـ "اللغة الأم للفلسطينيين" وأداة للتواصل والتعبير عن المطالب والمواقف. ومن ذلك، ينطلق أمارة إلى منظور يرى منه أن الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال ليس صراعاً عسكرياً ولغوياً فقط، بل يتعلّق بالعديد من الشؤون الأخرى مثل السياسة والاقتصاد ومسائل الدولة على الصعيد العالمي (عولمة الدولة) كما يصوّرها المؤلف.

العولمة في الأراضي المحتلة: لغة ضد لغتين

يرصد أمارة الواقع اللغوي الحالي، وكيف يفرض السيطرة والهيمنة للغة الإنكليزية على المستوى العالمي، مؤثراً على اللغة العربية بشكل عام، وعلى اللغة العربية في فلسطين المحتلة بشكل خاص. ويرى أن "السيطرة اللغوية جزء من القوة الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية، حيث تصبح اللغة عالمية بناءً على نفوذ المتحدّثين بها وبناءً على القوة العسكرية والسياسية".

بشكل عام، يرمي أمارة إلى أن اللغة الإنكليزية تتمتع بسيطرة ونفوذ في العالم الحديث، وأن استخدامها مفروض للاندماج في المجتمع العالمي ومتابعة تطوّراته. وهذا التحوّل اللغوي يمكن أن يؤثّر سلباً على اللغة العربية ويقلّل من استخدامها وانتشارها، ويؤثّر بالأخص على اللغة العربية في فلسطين وقدرتها على المنافسة والاحتفاظ بمكانتها. فالعربية في الشرق الأوسط هي لغة مشتبكة مع نظيرتها "الإنكليزية"، فيما إن اللغة في فلسطين المحتلة مشتبكة مع جبهتين لغويتين، الإنكليزية والعبرية. 

لكن، وبالمقابل، يصرّح أمارة أن "عملية العولمة قد تساهم في تقليل الاعتبارات السياسية والثقافية المتعلقة باللغة العبرية وتأثيرها على اللغة العربية في الأراضي المحتلة." يعني في ذلك أن العولمة والتواصل العالمي المتزايد قد يؤديان إلى تحديات أكبر للغة العربية في المجتمع الفلسطيني بالمقارنة مع اللغة العبرية.

من الجدير بالذكر أن الكتاب يوفّر فهماً شاملاً للتحوّلات اللغوية والثقافية في المجتمع الفلسطيني في ظل الاحتلال، لكنّ المحتوى قد يكون موجّهاً لفئة معيّنة من القرّاء، وهم المختصون بمجال اللغة واللسانيات، ذلك لتضمّنه تحليلات ومفاهيم أكاديمية قد تتطلّب بعض المعرفة المسبقة لفهمها بشكل كليّ.