بكاسين: لقاء الترانيم والفنّ الرحباني في أحضان الصنوبر
بكل أناقة وحضور، أدارت سعد دفة الحفل بيد خبيرة وقلب مفعم بالعاطفة، فجعلت من كل لحن جسراً يعبر فوق هموم اليومي إلى عالم الطهر والجمال.
-
مارانا سعد
في قلب الجنوب اللبناني، حيث يعانق الضباب قمم الجبال، وتهمس الأشجار بحكايات الأرض والبطولة، تقع بكاسين، تلك البلدة التي تختزل بساطة الجمال وعمقه.
ليست بكاسين مجرد نقطة على الخريطة، بل هي حالة من الهدوء المبهر، حيث تغطي غابة الصنوبر المثمرة المنحدرات بحلة خضراء داكنة، يمتزج فيها عبق رائحة الأشجار بتاريخ الأرض وعراقة أهلها. أهل هذه البلدة هم جزء لا يتجزأ من سحرها، كرماء مضيافون، قلوبهم كبيرة كبيوتهم المفتوحة، وترحيبهم دافئ كأشعة الشمس التي تتسلل بين أغصان صنوبرهم.
وفي ليلة من ليالي الصيف التي تلبس فيها السماء ثوباً مرصعاً بالنجوم، اجتمعت عناصر السحر لكتابة فصل جديد من فصول جمال بكاسين.
تحت قبة السماء الصافية، وفي باحة كنيسة القديسة تقلا، التي تقف شامخة كحارسة للبلدة وإيمانها، دعت بلدية بكاسين محبي الفن الأصيل إلى "ليلة رحبانية" لم تكن ليلة عادية، بل كانت حلماً يتحقق.
هكذا انطلقت، أمس الأحد، الأصوات من حناجر جوقة "فيلوكاليا"، لتحمل معها أرواح الحاضرين في رحلة إلى عالم الأخوين رحباني وزياد الرحباني. الأخت مارانا سعد، رئيسة معهد "فيلوكاليا" وقائدة الجوقة، لم تكن تقود مجموعة من المغنين فحسب، بل كانت تقود القلوب نحو عالم من الجمال والروحانية.
بكل أناقة وحضور، أدارت سعد دفة الحفل بيد خبيرة وقلب مفعم بالعاطفة، فجعلت من كل لحن جسراً يعبر فوق هموم اليومي إلى عالم الطهر والجمال.
-
زاهي وهبي
لم تكن الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي حكت في تلك الليلة. فبين المقطوعات، وقف الشاعر اللبناني، زاهي وهبي، ليهدي الحضور كلماته المصفاة كندى بكاسين. فقرأ نصاً هو أقرب إلى التكريم والاعتراف بالجميل، سلط فيه الضوء على عطاء الأخت مارانا سعد وجهدها المتواصل في الحفاظ على هذا الإرث الغنائي وإحيائه بكل إتقان وإيمان.
ثم كانت المفاجأة الأثيرة، حين أهدى الحضور نصاً آخر، نسيج وحده، نسج خيوطه حول أسطورة الغناء العربي فيروز.
بكلماته، لم يرسم صورة المغنية فحسب، بل استحضر روحاً، وشعاعاً أضاء قلوب أجيال، جاعلاً الحاضرين يشعرون وكأن صوتها الخالد يتردد صداه في أرجاء الباحة.
كانت الليلة التي جمعت نحو 4 آلاف من الحضور الحاشد، بمثابة تذكرة عودة إلى زمن الفن الأصيل، حيث الكلمة لها وقارها واللحن له قدسيته. كانت احتفاءً بالإبداع اللبناني في أبهى حالاته، وتأكيداً على أن قرى لبنان، وجنوبه على وجه الخصوص، وبلداته الصغيرة لا تزال فسحة للحياة والجمال والإبداع.