تعلموا اللغة العربية.. عبر الضحك!

عبر "الميمز" والسخرية من الأخطاء الفظيعة في مواقع التواصل، قرر مصريان تعليم اللغة العربية لجيل الشباب. كيف؟ وهل يضر أسلوبهما باللغة؟

"إن الذي ملأ اللغات محاسن

جعل الجمال وسرّه في الضاد" 

الشاعر أحمد شوقي

***

كما يتطوَّر كلُّ شيءٍ في الدنيا بمرور الزمن، تطوَّرت طريقة شرح اللغة العربية وإيصال قواعدها إلى المهتمّين. إحدى هذه الطرق هي اعتماد الأسلوب الساخر، مع الإشارة إلى أنَّ التاريخ يذكر لنا الكثير من النوادر والطُّرَف في شعر وأدب العصرين الأموي والعباسي، ومن الطرائق الأخرى طريقة "الكوميكس" و"الميمز"، وهي التي يمكن أن تكون الأقرب إلى الجيل الحالي، بسبب بعده عن اللغة وتعوّده على مثل هذه التقنيات والأساليب.

وعلى الرغم من ذلك فهناك رافضون لهذه الطريقة، التي يعتبرونها سبباً لضياع هيبة ووقار لغة الضاد، كما يقولون.

السخرية تأتي من الأخطاء نفسها. يقول الشاعر اللبناني حليم دموس في إحدى قصائده: 

"لغةٌ إذا وقعت على أكبادنا

كانت لنا برداً على الأكباد

ستظلُّ رابطةً تؤلّف بيننا

فهي الرجاء لناطق بالضاد".

من هذا المنطلق ربما، أخذت صفحة "اكتب صح"، التي أسَّسها على موقع "فيسبوك" الكاتب والصحافي المصري حسام مصطفى إبراهيم، على عاتقها أمر تحبيب الناس باللغة العربية بأسلوبٍ مبسَّطٍ ولطيفٍ، حيث اعتمد إبراهيم على إبراز الأخطاء في الإعلانات العامة والبيانات الرسمية، التي بيّن أنّها تحمل أخطاء فادحة، قد تغيّر تماماً المعنى المقصود منها.

هكذا يكتشف متابعو الصفحة، بعد الشرح الذي يقدّمه القيّم عليها، السخرية خلف هذا الأمر، حينما يعرفون المعنى الحقيقي للكلمة الخطأ، فيكتسبون بذلك معلومةً جديدةً حول الكتابة الصحيحة للكلمة التي يريد مؤسس "اكتب صح" التركيز عليها.

بعد ذلك تحوّلت الصفحة إلى مبادرة، وأصبحت تعتمد أسلوباً عصرياً حديثاً هو السخرية، واستخدام بعض المشاهد الساخرة من أفلامٍ معروفةٍ، أو "أيفيهات" مشهورة للإشارة إلى بعض الأخطاء الشائعة في كتابة اللغة العربية.

يقول حسام مصطفى إبراهيم لـ "الميادين الثقافية" إنَّ "جزءاً من مشكلة اللغة العربية هو الطريقة التقليدية في شرحها وإيصالها إلى الناس، فحينما يتبادر إلى أذهانهم اللغة العربية يتذكّرون جمودها، بالإضافة إلى عبارات قوية منها، مثل "ثكلتك أمك"، ويتذكّرون دراستها في طفولتهم، والدرجات السيئة التي حصلوها عليها، وهي صورة ذهنية مترسّخة في الوجدان الجمعي عن اللغة العربية".

ويضيف مؤسس صفحة "اكتب صح" أنَّ هذه الصورة تمثّل عائقاً، لذلك أراد التحايل على هذا الأمر، وبخلاف اختيار القواعد البسيطة للشرح، التي لها أثرها الكبير في ضبط الأسلوب، فهو أيضاً يختار بعض الأساليب الأخرى، مثل الكوميكس والأسئلة التفاعلية ومقاطع الفيديو، التي تُعتبر أساليب مناسبة للعصر الحالي.

ويرى إبراهيم أنَّ "طبيعة استهلاك المحتوى تغيّرت عبر السنوات الماضية، فقد كنّا نستقي المعلومات من الكتب والجرائد، أما الآن فالناس جميعهم يستقونها من وسائل التواصل الاجتماعي، والسبب في ذلك أنَّ الصور أصبحت تجذب الانتباه أكثر من النصوص"، مؤكداً أنَّ "الإيفيه هو مدخل جيّد للتعليم، فإذا ضحك شخصٌ ما عند سماعه معلومةً معينةً فهو لن ينساها".

يعتقد البعض أنَّ هذه الطريقة قد تقلّل من شأن اللغة العربية، مثلما حذّرت دراساتٌ سابقةٌ من أنَّ استخدام الرموز التعبيرية في اللغة الإنكليزية قد يجعل الناس ينسون اللغة، ويحتفظون في ذاكرتهم بهذه الرموز، لكنَّ الكاتب والصحفي المصري لم يتلقَّ حتى الآن اتهاماً مثل هذا، ويوضح أنَّ أغلب متابعي صفحته هم من فئة الشباب، وأنَّ الميمز جزءٌ من الروتين اليومي لهم، يستخدمونها بكثرة للتعبير عن مشاكلهم ومشاعرهم، وهو السبب في اعتماده الطريقة ذاتها في التعاطي معهم.

وأحياناً يكون الخطأ اللغوي مضحكاً، يتفاعل معه المتابعون بكثرة، كأن يُكتب حرف الهاء في مكان التاء المربوطة، بحيث يؤدّي ذلك إلى تغيير معنى الكلمة، مثل "ذهب محمد مع صديقه حسام / ذهب محمد مع صديقة حسام". يكمل حسام تعليمه بطريقة السخرية من خلال سؤالٍ تفاعليٍّ: "بماذا تصف محمد في الحالتين؟".

"ميمز" وأغانٍ وأكثر

من جانبه، قرَّر الشاعر محمود موسى استخدام أغلب وسائل التعبير الممكنة، في صفحة "كبسولات لغوية" التي أسسها، بهدف شرح قواعد اللغة العربية للناس وتبسيطها، ومن هذه الوسائل الأغاني، كأغنية "أنتِ مُعلمة"، التي اتّخذ فيها من لحن الأغنية الشهيرة "إنتِ معلمة" لحمو بيكا وعمر كمال، مدخلاً ليجذب الناس إلى ما يريد إيصاله.

كما يمكن أن نجد في هذه الصفحة مشاهد مسرحية تمثيلية من فصلٍ واحدٍ، يتحدّث من خلالها عن قواعد النحو والصرف والبلاغة وغيرها، وذلك كله يترافق مع استخدامه السخرية و"الميمز" و"الكوميكس".

يوضح موسى لـ"الميادين الثقافية" طريقه عمله على صفحته بالقول: "شعرتُ أنّ المعلومة حين تقترن بطرفةٍ متّصلةٍ بالأحداث والعادات اليومية التي يحياها الشخص، فإنه لن ينساها، خصوصاً أنّ الفكاهة هي اللغة الدارجة في مواقع التواصل الاجتماعي".

ويضيف أنّ "هذا الأسلوب يشعر المتابعين أنّه صديق يمزح معهم، وليس شخصاً يُلقي على ظهورهم عبئاً، كما أنّنا شعبٌ معروفٌ عنه أنّه "ابن نكتة" كما يقولون".

يحاول موسى التنويع قدر المستطاع، وألّا يصل الأمر إلى السخرية الحادة الجارحة، كما أنّه يحاول التنويع في الأساليب المستخدمة، مثل الأغاني والتمثيل، لكنه لا يستغنى عن الطرافة بين الحين والآخر.

يتعرّض موسى للنقد بين الحين والآخر، ويعلّق على ذلك بالقول إنَّ "النقد موجودٌ دائماً، وهناك من يعتقدون أنَّ اللغة حكرٌ عليهم، يجب أن تُقَدَّم بالطريقة المعتادة لتستكمل ضياعها".

في المقابل، يتلقّى الشاب المصري إشاداتٍ تُثني على تصويبه لأخطاء لغوية شائعة بين الناس، وعلى تقريبه اللغة منهم، بل هناك أناسٌ لم تكن تربطهم باللغة أيّة صلة، جذبتهم هذه الأساليب إليها بعد هجرٍ طويلٍ. لا يستغرب موسى اعتراض بعض الناس على أسلوبه، لكنّه يستغرب الاستمرار في متابعة صفحته.

 

تضييع "هيبة" اللغة العربية

على العكس من المتحمسين لإدخال السخرية في تبسيط اللغة العربية للعامة والشباب، فإنَّ الخبير في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وأستاذ العلوم اللغوية في قسم اللغة العربية في جامعة عين شمس، محمد العبد، ينظر إلى هذا الأمر بكثيرٍ من الحذر والخوف على "هيبة ووقار اللغة العربية".

يقول العبد في حديثه إلى "الميادين الثقافية": "إذا كان هذا هو المدخل لتعليم اللغة العربية، فإنّنا نسخر من اللغة نفسها، ونتعامل معها بعدم اهتمام وجدية، وهو عكس المطلوب".

وعلى الرغم من أنَّ العبد يؤمن بأنَّ الطرافة لم تنفصل عن اللغة العربية منذ القدم، في الكثير من الأدبيات والنصوص والأشعار، لكنّه يرى أنَّ هذا الأمر كان لغرضٍ واضحٍ، وهو إيصال الغاية من المكتوب بشكلٍ غيرِ منفّر، ويظهر ذلك من خلال الإيضاح بأنَّه تمَّ اتّخاذ الطرفة وسيلةً لبلوغِ غايةٍ معينةٍ.

أما الحدُّ الفاصل بين الطريقة المقبولة وغير المقبولة، والتي تُحدث التباساً لدى الناس في قبول اللغة العربية وفهمها، فيرى أستاذ العلوم اللغوية بأنها تكون "واضحةً في الغاية من استخدامها، فإذا كان غرض الشخص هو السخرية نفسها فهذا غير مقبول، وحينها سيكون مزوِّراً للحقائق والمعلومات، أو أنّه يلوي الحقيقة ليطوّعها لغرض السخرية"، ويتابع أنّها "تكون مقبولةً إذا كان غرضه توصيلُ معلومةٍ بطريقةٍ غيرِ تقليديةٍ، ومقبولةٍ من قِبل الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية كلها".

ويُردف العبد أنَّ "اللغة القومية إذا كانت مجالاً للضحك والسخرية والاستهزاء، فلا يتبقّى لنا شيءٌ، فالقومية العربية اسمها عربية لأننا عرب، ونتحدث اللغة العربية، وصحيحٌ أنَّ لكلِّ زمنٍ أدواته، لكن هناك ثوابت".

لا يرى أستاذ العلوم اللغوية أنَّ هناك مانعاً من استخدام الأغاني في توصيل اللغة العربية، طالما أنَّ ذلك يتمّ في إطارٍ سليمٍ، ويبرر ذلك بأنَّ "ابن مالك حينما أراد أن يوصل قواعد اللغة العربية إلى الناس، وضع ألفيته واختار لها أبياتاً منظومةً، لأنَّها متوائمة مع التفعيلات التي تعني وجود موسيقى، وهذه الموسيقى تساعد في تثبيت المعلومة في الذهن".

لكنَّ الخبير في مجمع اللغة العربية لا يقبل استعمال أغانٍ لغوية على وزن أغاني المهرجانات، ويرى أنَّ "هناك حدّاً فاصلاً بين استعمال طريقة طريفة لتوصيل المعلومات بشكلٍ غيرِ ضارٍّ بالمعلومة، وبين طريقة تضرُّ بالمعلومة حتى لو كانت صحيحة، لأنّها تخلع على هذه المعلومات جوّاً آخر غيرَ مناسبٍ لهذه لها"، واصفاً هذه الطريقة في إيصال المعلومات بأنّها "طريقة "غير ذكية، حتى لو كانت المعلومة صحيحة، لأنّها تضرّ بوقار اللغة العربية، وتُفقد الرسالة مصداقيتها عند الناس"، مقترحاً طرقاً "قد تفيد في توصيل اللغة العربية وتحافظ على وقارها، كأن نبحث عن طريقة عصرية لتوصيل ونظم ألفية بن مالك، لتناسب طلاب الإعدادية والثانوية".