جورج باسيل في "عزلتي الحلوة": عزف على الذات الأنثوية
اختار باسيل العزلة عنواناً لعمله، رغم أن أعمال معظم الفنانين تجري في شيء من العزلة. لكن باسيل اختار العزلة عنواناً لتأكيده على اعتماد العزلة مجالاً لاختباره الفني الجديد.
-
جورج باسيل
في معرضه الإفرادي الجديد، يقدم الفنان اللبناني، جورج باسيل (1965)، تجربة فنية جديدة قائمة على الخبرة، والمبادرة الفردية المنفلتة من الضوابط الاكاديمية، والمتمّمة بالتفاعل مع ما عايشه واختبره من أعمال في مختلف أنحاء مراكز الفن العالمي، وبذلك تحتلّ "الذات- الأنا- العاطفة"، افتراضاً، حيّزاً هاماً من عمله الحالي "عزلتي الحلوة" (My Own Sweet Solitude).
المعرض يقام اليوم في "غاليري 56th" في الجميزة ببيروت، حيث تكتنز الصالة في تراثيتها الشكليّة وموقعها الاجتماعي، دفئاً عاطفياً تلقائياً يستجيب لمكنونات الأعمال التي يعرضها باسيل، والتي اختار لها كلمة "حلوة" الجامعة لتقاطع القلب مع المذاق.
ينقسم المعرض إلى 3. لوحة إفرادية تحمل عنوان "ضاع شادي"، ثم مجموعة تحت عنوان المعرض "عزلتي الحلوة"، وهي مجموعة أعمال صغيرة الحجم، اجتمعت على أحد جدران الغاليري متحاورة ومتجاورة في اصطفاف مستطيل، تكاد شخوصها تتداخل وتتواصل، ويكاد يخرج منها الصوت لشدة تقاربها المكاني والشكلي وما تعصف به من مشاعر.
ثم مجموعة من اللوحات الكبيرة تحت عنوان "حصلت على القمر" (I've Got the Moon) رغم غياب أي قمر أو شكل، أو لون قمري خاص عنها جميعاً. لكن الفنان عبّر في مواقف متعدّدة عن عشقه للقمر تحت تاثير الوالدة عليه، ورواياتها له عن القمر، وبذلك، يؤكد على المنحى الذاتي الذي يمكن تقصّيه في الأعمال، وعن المنحى العاطفي المتمثل في المعاطف التي تغطي أجساد غالبية اللوحات.
اختار باسيل العزلة عنواناً لعمله، رغم أن أعمال معظم الفنانين تجري في شيء من العزلة. لكن باسيل اختار العزلة عنواناً لتأكيده على اعتماد العزلة مجالاً لاختباره الفني الجديد؛ ربما يستعيد في العزلة بعضاً من طفولة ومراهقة، يجد الانسان فيها ذاته، وأكثر من ذلك حريته، ويستطيع أن يفجّر مكنوناته فيها، لذلك أيضاً وصفها بأنها عزلة "حلوة".
في عزلته، تمادى باسيل في تعبيراته عن ذاته باختيار الأنثى مجالاً للاختبار. استعاد "أنثويته"- ومَنْ من الناس لا يحمل أنثويّته وذكريّته معاً - ليعبّر عن أحاسيس أنثوية، بطرق مختلفة، وبوضعيات متنوعة، دقيقة التفاصيل، متناغمة الألوان يغلب عليها الهدوء المخملي، متمثلاً في ما تركته ريشته من شحطات فالتة على أطراف الأشكال حتى بدت الأثواب في معظم اللوحات مخملية، على دفء يشي بالأنثوية رقةً، ودفئاً عاطفياً، ولجوءاً في دلال.
في عزلته، أفلت باسيل من العيون، والمراقبة، والحساب، والعتاب، واللوم، وراح يرسم كيفما شعر وأدرك، فكانت شخوصه الأنثوية أقرب إلى مخلوقات فضاء، أشكال متشابهة، على تكرار نسبي مع تغيرات تفصيلية، عيون متعدّدة التعابير، وضعيات جلوس وانكفاء وتسطّح، كأنه يدل على كيفية اختيار الانثى لما تكونه في لحظة ما دون أخرى. لم يترك خياراً إلّا رسمه، بذوق فني خاص لا يخضع لشرو وقوانين وأنظمة، وإذا أمكن، توصف أعماله بالتعبيرية، ربما من دون قصد فيما الغاية واحدة: إطلاق مشاعره من ضوابطها لتتّخذ الشكل والمعنى الذي يريده.
لم يخش باسيل لومة لائم على تشابه الأشكال، تاركاً للمشاهد تلمّس ما يشعر به في التفاصيل الدقيقة التي تضفي على اللوحات معانٍ خاصة لكل منها. ولا على التمايزات القليلة بين مجموعة وأخرى إلّا الحجم. ولئن كان التشابه سمة الأعمال بغالبها، لكن جذور تبايناتها تكمن في الألوان الشفافة، والمساحات الواسعة، وضربات الريشة الخفيفة بين شكل وآخر.
كما اعتمد باسيل على "هرمونيا" تشكيلية، تراوحت بين الوضعيات الجسدية وأحجام الأعمال المتفاوتة، وتنويعات التعابير على الوجوه، وفي العيون والألوان المتناسقة على تناغم، يَعْبُر بينها من لوحة إلى أخرى كأنه يعزف على أوتار ريشة "كمانيّة"، لذلك غابت الخطوط عن أعماله، وبقيت المساحات المتناوبة، والمتماوجة بألحانٍ رصينة، وحلوة، ملؤها الخفر.
كل ما في معرض باسيل أنثوي، وكل ما فيه تعابير عن مذاقات، ووضعيات، ومواقف يمكن أن تختارها الأنثى بعفوية وطلاقة، مختاراً فيها ما تشعر به ذاته الأنثوية، وما تضج به من عواطف ومشاعر أمكنه التقاطها بعد أن أفلتها من عقالها في "عزلته الحلوة".
-
من أعمال جورج باسيل
يذكر أن باسيل فنانٌ علّم نفسه بنفسه، واعتمد على عواطفه وتجاربه كمصدر إلهام"، بحسب نصّ تعريفي مرافق للمعرض، ذاكراً إأن "باسيل يتفاعل مع الروح البشرية في حوارٍ من خلال استخدامه للشفافية، وتطبيقه الخفيف للأصباغ، مما يسمح له بالتعبير عن عناصر الزوال، والتواصل مع الآخر".
اهتمّ باسيل بالفنون التشكيلية ولفتته الفنون، منذ صغره، وانطلق في ممارسة الفن سنة 1995، لكنه لم يظهر إلى العلن حتى سنة 1997، عندما شارك لأول مرة في معرض جامع في بيروت.
في العام 2002 أقام باسيل معرضه الأول تحت عنوان "بدر" أو "قمر تامّ" (Full Moon)، في بيروت، لينطلق بعدها في العديد من غاليريهات عربية في مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين وسواها. كما شارك في معارض في فرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وسوريا، وموناكو.