دولة المواطنة في لبنان: رؤية وطنية للعلّامة الشيخ علي الخطيب
يتضمّن الكتاب رؤى متعددة، من بينها الطرح الرؤيوي لسماحة العلّامة الشيخ علي الخطيب الذي يدعو إلى بناء دولة ترتكز على أسس العدالة والمساواة واحترام التعددية الدينية والثقافية والسياسية.
-
دولة المواطنة في لبنان: رؤية وطنية مسؤولة للعلّامة الشيخ علي الخطيب
منذ تأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920، واجه المجتمع اللبناني تحدّيات كبرى تمثّلت في الانقسامات الطائفية والسياسية، ولم تكن هناك رؤية موحّدة للمواطنة تجمع كلّ الشعب اللبناني تحت سقف واحد بل شكّلت الطائفية والمذهبية حجر عثرة أمام بناء دولة حديثة. وعلى الرغم من أنّ لبنان كان نموذجاً للتنوّع الثقافي والديني إلّا أنّ هذا التنوّع لم يتحوّل إلى عنصر قوة في بناء الدولة بل أصبح أداة للفرقة والصراع، هكذا يرى العلّامة الشيخ علي الخطيب أنّ دولة المواطنة تُعدّ السبيل الأمثل للتغلّب على هذه المشكلات، من خلال تعزيز الهوية الوطنية المشتركة التي تتجاوز الانقسامات الضيّقة.
كتاب "دولة المواطنة في لبنان" في رؤية الشيخ علي الخطيب، إعداد الدكتور غازي قانصو الطبعة الأولى 2025، عدد الصفحات 150 من القطع الوسط صادر في بيروت لبنان.
مفهوم المواطنة
المواطنة هي مفهوم محوري في حياة الأفراد والمجتمعات وهي تمثّل العلاقة القانونية والسياسية بين الفرد والدولة، وتتعدّى هذا المفهوم لتشمل انتماء الفرد إلى الوطن، ويُعتبر نظام المواطنة من أهمّ مقوّمات استقرار الدولة وازدهارها، إذ يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك يُحترم فيه المجتمع ويُقدّر التنوّع الثقافي والاجتماعي في دول عديدة مع تنوّع أنماط المواطنة وقدرتها على التفاعل مع التحدّيات الاجتماعية والسياسية، ولكن الهدف مشترك هو بناء مجتمع شامل ومتوازن.
ويعتبر سماحة العلّامة الشيخ علي الخطيب في كتابه، أنّ دولة المواطنة هي الدولة التي تسعى لتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وواجباتهم حيث يُحترم فيها الإنسان وتُحفظ كرامتُه وتُعزّز المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين، فلا يمكن لدولة أن تُحقّق الاستقرار والتقدّم من دون أن تقوم على أسس المواطنة الحقيقية، التي تشمل حقوق الإنسان واحترام التنوّع والعدالة الاجتماعية، كما يعتبر أنّ المواطنين هم أساس أيّ دولة قوية وعندما يشعر المواطن بالانتماء إلى وطنه ويُحترم كإنسان فإنّ ذلك ينعكس بشكل إيجابي على تقدّم الدولة ورخائها، باعتبار أنّ التفاعل ما بين المواطنين والدولة يساهم في بناء مجتمعٍ أهليّ قويّ ومتطوّر يعكس قدرة الأفراد على التأثير في مصيرهم الجماعي .
ميزة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي
تشكّل دولة المواطنة في رؤية الشيخ علي الخطيب نموذجاً متقدّماً في تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق السلم الأهلي، حيث تساهم بشكل فعّال في بناء مجتمع مترابط يعيش فيه جميع الأفراد بسلام وتفاهم من خلال تفعيل القيم التي تشمل العدالة والمساواة والتعايش السلمي بين مختلف أطياف المجتمع السياسية والدينية، كما تشكّل دولة المواطنة الأساس المتين لتقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز التماسك الوطني في المجتمعات المعاصرة. تعتبر دولة المواطنة بحسب رؤية الشيخ علي الخطيب ركناً متقدّماً ومتكاملاً يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وحماية حقوق الإنسان وتوفير الفرص الاقتصادية لجميع المواطنين، وبناءً على ما تمّ عرضه من المفاهيم الأساسية لدولة المواطنة التي تقوم عليها مثل سيادة القانون والعدالة الاجتماعية واحترام التنوّع الديني والسياسي واستعراض المزايا المتعدّدة لهذه الدولة التي تساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتعزّز الوحدة الوطنية وتدعم المشاركة الفاعلة لجميع أفراد المجتمع في شؤون الدولة. إلا أنّ دولة المواطنة رغم مزاياها الكثيرة تواجه تحدّيات غير عادية تتطلّب استجابة حكومية فعّالة؛ مثل إدارة التعدّدية السياسية والدينية والثقافية، تحقيق العدالة الاجتماعية في ظلّ التفاوتات الاقتصادية، وضمان الأمن في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
لذا نجد أنّ رؤية العلّامة الشيخ علي الخطيب في كتابه "دولة المواطنة في لبنان"، لا تقتصر فقط على بناء مؤسسات الدولة وضمان حقوق الأفراد بل تتسع لتشمل تصوّراً شاملاً يقوم على تحقيق العدالة والمساواة بين جميع أبناء الوطن من خلال خصائص دولة المواطنة التي طرحها سماحة الشيخ، الذي يستطيع أن يحقّق ذلك مع التأكيد والإصرار على ضرورة إشراك جميع المواطنين في صنع القرار، وتوفير فرص متساوية للجميع في المجالات الاجتماعية والاقتصادية كافة، كما يبرز في رؤيته أهمية دور الدولة في ضمان الأمن الاجتماعي والسياسي إضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الدولة؟.
دولة المواطنة في رؤية الإمام الصدر
لقد أشار العلّامة الشيخ علي الخطيب في كتابه، إلى أنّ دولة المواطنة ليست مجرّد إطار قانوني للدولة بل هي طريقة حياة تُبنى على أسس من التسامح وقبول الاختلاف والنهوض بالمجتمع بمختلف مكوّناته، ويطرح سماحة الشيخ هذه الرؤية في كتابه من جهة إصلاح النظام كأساس لقوة لبنان، فلا بدّ منه لتحقيق الاستقرار والتقدّم في البلاد. وهو ما أكّده سماحة الإمام المغيّب القائد السيد موسى الصدر، الذي يرى أي (الإمام الصدر) أنّ إصلاح النظام القائم في لبنان على أساس المواطنة الحقيقية يعزّز من وحدة لبنان ويجنّب البلاد الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة التي عانت منها في تاريخه، هذا الإصلاح يعيد بناء الثقة بين المواطنين ويوفّر بيئة قانونية عادلة تمنح الجميع حقوقهم وتحفظ سيادة الدولة.
تاريخ لبنان الحديث
يتعرّض سماحة الشيخ الخطيب في كتابه "دولة المواطنة في لبنان" إلى تاريخ لبنان الحديث ويعتبر أنه منذ تأسيس الكيان اللبناني يشهد على أنّ الصيغ التي حكمته لم تتمكّن من حماية الوطن من الأزمات الداخلية والخارجية، سواء كانت حروباً أهليّة أو احتلالاً أو أزمات اقتصادية، لذا حان الوقت للانتقال من صيغة دول الطوائف إلى دولة المواطنة التي تصنع الانتماء الوطني وتؤدّي إلى اندماج جميع المكوّنات اللبنانية، دولة المواطنة تبني الثقة بين أبناء الطوائف وتصبح رسالة للسلام والمحبة بين المسلمين والمسيحيين.
إنّ الجديد في هذا المؤلَّف "دولة المواطنة في لبنان" كما يشير الدكتور غازي منير قانصو، هو أنه لا يقتصر فقط على إظهار أهمية دولة المواطنة باعتبارها أساساً لبناء وطن متماسك بحسب رؤية العلّامة الشيخ علي الخطيب، بل يُقدّم رؤية شاملة تتجاوز العوامل السياسية والاجتماعية المعتادة ليؤكّد أهمية بناء هوية وطنية متكاملة تُراعي التنوّع الطائفي والديني والثقافي في لبنان، ويقدّم رؤيته ليس فقط من منطلق الفكر السياسي التقليدي بل من خلال التأصيل الثقافي والإنساني لمفهوم المواطنة بحيث تصبح الدولة مكاناً يعكس القيم العليا التي تُؤمن بسيادة الحقّ وبمسؤولية الواجب وبالعدالة والمساواة والحرية للأفراد والجماعات ضمن حدود القانون والمصالح الوطنية للجميع.
يهدف كتاب "دولة المواطنة في لبنان" لسماحة الشيخ علي الخطيب، إلى تحليل العلاقة بين مفهوم المواطنة والدولة مع تسليط الضوء على دور الدولة في تعزيز أو تقويض هذا المفهوم في سياقات مجتمعية مختلفة، كما يسعى إلى استكشاف السبل المثلى لبناء دولة تعتمد على المواطنة الفعّالة حيث تكون الحقوق والواجبات متساوية بين جميع أفراد المجتمع. كما يتضمّن الكتاب رؤى متعددة، من بينها الطرح الرؤيوي لسماحة العلّامة الشيخ علي الخطيب الذي يدعو إلى بناء دولة ترتكز على أسس العدالة والمساواة واحترام التعددية الدينية والثقافية والسياسية من خلال هذه الرؤية، ويهدف الكتاب أيضاً إلى تقديم إطار عملي وإرشادي لتحقيق دولة المواطنة في لبنان كحلّ للتحدّيات الطائفية والسياسية القائمة حالياً.