رحيل جاك شوفرييّه: الأدب الأفريقي يفقد مدافعاً عنه

رحل أستاذ الأدب الأفريقي والناقد الأدبي الفرنسي جاك شوفرييّه، الذي كان من أبرز المتخصصين في المجال الأدبي الأفريقي ومدافعاً عن الأدب الأفريقي الناطق بالفرنسية.

  • جان مارك زورسكي (Getty Images)
    جان مارك زورسكي (Getty Images)

عن عمر ناهز 89 عاماً، رحل أستاذ الأدب الأفريقي والناقد الأدبي جاك شوفرييّه (1934 - 2023)، الذي سيفتقده الكثير من الناس، وخاصة طلابه الذين عرف كيف ينقل إليهم سحر الكلمات وشغف الأدب. وجاء الإعلان عن اختفاء الأستاذ الكبير الأسبوع الماضي وتمّ دفنه يوم الاثنين 5 أيلول/سبتمبر الجاري في قبو العائلة في بريتاني.

والراحل أستاذ فخري في جامعة باريس الرابعة – السوربون، حيث كان يعمل بين عامي 1997 و 2003، وصاحب كرسي الدراسات الناطقة بالفرنسية، وكان الرجل شخصية كبيرة في الجامعات الفرنسية.

وكان شوفرييّه من أبرز المتخصصين في المجال الأدبي الأفريقي، الذي جعله معروفاً ونشره وجعله موضوعاً للدراسة من خلال تعاليمه ومنشوراته. لقد كان أكاديمياً لا مثيل له لأنه كان أيضاً ناشراً ممتازاً، حيث كتب، إلى جانب تدريسه، في وسائل الإعلام، ولا سيما في صحيفة "لوموند" و"جون أفريك"، مما جعل أعمال المؤلفين الأفارقة الصاعدين معروفين لعامة الناس.

ولد جاك شوفرييّه في باريس، وكان طالباً سابقاً في المدرسة العليا للأساتذة في سان كلو، وأستاذاً مشاركاً في الأدب الحديث. ركّزت رسالة الدكتوراه التي كتبها على أعمال المؤلف الموريتاني وليم ساسين الذي التقى به أثناء تجواله في أفريقيا، وعنوانها: "وليام ساسين، كاتب الهامشية".

أصبح الأكاديمي شغوفاً بأفريقيا التي اكتشفها خلال الحروب الاستعمارية. كان حازماً في مناهضة الاستعمار، ومناضلاً ضد حرب الجزائر، وكان حريصاً على إسماع أصوات ومطالب المستعمَرين. وفي أفريقيا، وربما أكثر من أي مكان آخر، سُمعت هذه الأصوات من خلال الأدب، كما يتضح من حركة "الزنوجة" الشهيرة التي جسّدها ايوبول سنغور في أفريقيا وإيمي سيزير في جزر الهند الغربية الفرنسية.

دخل جاك شوفرييّه التدريس في ستينيات القرن الماضي، وكان جزءاً من الجيل الأول من معلمي الأدب الأفريقي، مع ليليان كيستيلوت وآلان ريكارد وبرنارد موراليس ودانيال ديلاس وعدد قليل من الآخرين، الذين عملوا على جعل مجال تخصصهم هدفاً للجامعة. وكان ضمن فريق "السلائف"، على حد تعبير الناقد الأدبي بونيفاس مونغو مبوسا. ومثل أي رائد، أمضى شيفرير جزءاً كبيراً من حياته الجامعية في "تطهير" الأرض.

في مقابلة أجراها قبل بضع سنوات، روى شوفرييّه الإحجام الفكري  والعقبات البيروقراطية التي كان عليه تجاوزها في محاولته إنشاء قسم لتدريس الأدب الأفريقي في جامعة روان، في أعقاب أحداث أيار/مايو 1968، وأوضح قائلاً: "لقد استفدت من مناخ الثورة الثقافية هذا لتغيير عادات الجامعة وإنشاء القسم وتقديم مقدّمة للطلاب إلى الأدب الناطق بالفرنسية". كانت معركته في ذلك الوقت، كما كان يحب أن يقول، تتمثّل في الاعتراف بالبعد الأدبي للأعمال التي أنتجها الأفارقة، "المشابهة للأنثروبولوجيا أو علم الاجتماع".

قاد شوفرييّه هذه المعركة في الجامعة، ولكن أيضاً من خلال سلسلة من الأعمال، وأشهرها بلا شك الأدب الأسود، الذي نُشر عام 1974. وهو مقال تاريخي عن ظروف ظهور الأدب الأفريقي والخصوبة الإبداعية، وقد أثبت العمل نفسه باعتباره نوعاً من "لاغارد وميتشارد" للفرانكوفونية الأفريقية، وقد حقّق نجاحاً مستمراً مع القرّاء الأفارقة والأوروبيين منذ نشره لأول مرة.  أعيد نشر الأدب الزنجي عدة مرات وتم توسيعه، وكان بمثابة مرجع لعدة أجيال من الطلاب.

لن نكون قد قلنا كل شيء عن العمل المتقلّب لجاك شيفرير لصالح الترويج لأفريقيا الأدبية من دون كتابة بضع كلمات عن مشاركته في الاستقبال المؤسسي للأعمال الأدبية والمؤلفين الأفارقة. شوفرييّه، أو "رجل الشبكات"، كما يقول عنه بونيفاس مونغو مبوسا، تمكّن من تعبئة واستخدام مؤسسات الجمهورية، بما في ذلك على وجه الخصوص الإليزيه، في خدمة تأثير الأدب الناطق بالفرنسية من أفريقيا. وفقاً لما يقال، فإن الرئيس فرانسوا ميتران نفسه، بناءً على طلب من سكرتيرته بوليت ديكرين، هو الذي أعطى الضوء الأخضر لمجلة L'Afrique littéraire et Artiste، التي أطلقها وأخرجها جاك شيفرير، وتموّلها مؤسسة التعاون.

كان جاك شوفرييّه أيضاً سبباً وراء الجائزة الأدبية الكبرى المرموقة لأفريقيا السوداء، والمعروفة بـ "الغونكور الأفريقي"، والتي تُمنح منذ عام 1961، وجائزة أحمدو كوروما، التي تم إطلاقها عام 2004، وتُمنح سنوياً كجزء من صالون دو الدولي للكتاب والأدب.

إن هذه الجوائز التي تمنح الضوء للكتاب، مثل الأعمال والمقالات التي تحمل توقيع الأستاذ الراحل، وكذلك دورات الأدب الأفريقي التي قام بتدريسها في جامعات فرنسا ونافار لعقود من الزمن، تشهد على القناعة التي أكدها شوفرييّه مراراً وتكراراً بقوله: "أليس التبادل الأدبي هو الشكل المميّز للحوار بين الثقافات؟".

ترجمة: حسن عبد الله