رغم صعودها.. ما المعوقات أمام السينما المستقلة في الأردن؟

تمكّنت "السينما المستقلة" من حجز مكانة لها في الأردن وعربياً ودولياً أيضاً. لكن، ترى، ما المعوّقات التي تقف أمام تطوّرها؟

مخترقة كلّ الأشكال والأنماط السينمائية التقليدية، ومتجاوزة تلك التعقيدات الإنتاجية المادية واللوجستية، تمكّنت "السينما المستقلة" من تقديم نفسها كحالة فنية إبداعية، حاجزة مكانة ملفتة من الاهتمام النقدي والجماهيري لها ولصنّاعها، محلياً في الأردن، وعربياً ودولياً كذلك.

طوال العقدين الأخيرين، لم يعد مستغرباً أن تشاهد مجموعة من الشباب يقومون بتأدية مشاهد تمثيلية وسط الشوارع في الأردن، باستخدام معدّات تصوير متواضعة أو حتى بكاميرات هواتفهم، من دون الحاجة لبناء ديكور أو هياكل وهمية، أو وضع تجهيزات للصوت والإضاءة، ومن دون تعطيل سير الحركة الطبيعية في تلك الشوارع والأحياء.

وغياب الاستغراب يكمن في أن تلك الأعمال، رغم تواضع إنتاجها، تمكّنت من المنافسة على أرفع الجوائز الفنية، ومثالاً لا حصراً، فيلم "ذيب" الذي ترشّح للأوسكار عام 2016 عن فئة أفضل فيلم أجنبي، وكذلك فيلم "الحارة" الذي نال جوائز في "مهرجان لوكارنو" و"مهرجان مالمو"، وأيضاً فيلم "سلام" للمخرجة زين دريعي وحاز على جائزة لجنة التحكيم في "مهرجان كان" عن فئة الفيلم القصير عام 2021، وكذلك ترشّح للأوسكار عام 2022 عن الفئة ذاتها.

كلمة السر وغياب الجذور

  • ترشح فيلم
    ترشّح فيلم "ذيب" للأوسكار عام 2016 عن فئة أفضل فيلم أجنبي

رغبة قوية، وكثير من الجرأة، وامتلاك الفكرة ومعايشتها، وصفة بسيطة ترى المخرجة الأردنية، زين الدريعي، أنها كافية لإنتاج فيلم سينمائي مستقل متكامل، إلا أن كلمة السرّ في نجاحه من عدمه تأتي من مدى ملامسة فكرة الفيلم لنبض الشارع وهمومه، وتقديمها بطريقة تضع اليد على الجرح، كما تصف.

فمن وجهة نظر الدريعي، جاء نجاح الأفلام المستقلة نتيجة طرحها لأفكار غير معهودة في السينما التقليدية، ولكونها أوجدت مساحة حرية أوسع للصنّاع في تناول قصص المجتمع، بكلّ ما فيها من إيجابيات وسلبيات، وكلّ شخصياته السيئة والجيدة، وحتى المهمّشين داخل تلك المجتمعات، والذين كانوا مغيّبين إلى حد كبير في السينما التقليدية.

وأضافت الدريعي في حديث مع "الميادين الثقافية" أنه إلى جانب الإقبال الجماهيري على السينما المستقلة، باتت كذلك ملاذاً لصنّاع الأفلام، والشغوفين بالفن، وخاصة من فئة الشباب، للتعبير عن أنفسهم ومشكلاتهم وقضاياهم، التي غيّبتها التداعيات الإنتاجية، ومعادلات الربح والخسارة المادية في الأعمال السينمائية التقليدية.

بدأت الدريعي رحلتها الإخراجية برفض تمويل خارجي لأعمالها، خوفاً من التأثير على أفكارها ورسائلها، أو توجيه الأعمال إلى اتجاهات مختلفة عن الفكرة الأصلية. 

وترى أنّ التكاليف المالية هي أكثر التحدّيات التي تواجه صنّاع الأفلام المستقلة، لكنها في الوقت نفسه تشدّد على أنّ التغلّب على تلك التحدّيات الإنتاجية، ستحوّل العمل الفني في النهاية ليس إلى مجرد منتج للعرض، بل "لمساحة من الحوار والتفكير الذي يحاكي الناس ويلامس تفاصيلهم اليومية، وسيوصل الفكرة كما هي، لا كما يريدها الآخرون أن تروى أو تسرد".

ورغم أنّ التكاليف الإنتاجية تعدّ تحدّياً لصنّاع هذا النوع من السينما، إلا أنّ المخرج، محمد الحشكي، يعتبر أنّ المشكلة الجوهرية تكمن في عدم وجود جذور للعمل السينمائي في الأردن طوال العقود الماضية، وهو ما صعّب من الخطوات الأولى في هذا المجال، من البدء بكتابة السيناريو، وصولاً إلى تكوين فريق عمل يمتلك الخبرات اللازمة لإنتاج عمل سينمائي.

الحشكي الذي برز اسمه بعد إخراجه ليفلم "مدن ترانزيت" عام 2010، وكان من بطولة صبا مبارك، أضاف أنّ العديد من التجارب له ولمخرجين آخرين فشلت، لأنها لم تكن مبنية على خبرات سابقة، أو استفادت من أعمال سينمائية أردنية "لأن الأردن ما كان فيها سينما أصلاً".

ويوضح الحشكي في حديث مع "الميادين الثقافية" أنه كان يطلع دائماً على التجارب الغربية والعربية في إخراج الأعمال السينمائية التقليدية والمستقلة، وإعادة قولبتها للتوافق مع فكر المجتمع الأردني، أو الجمهور المستهدف، مشيراً إلى أن الأمر في النهاية نجح إلى حد كبير، خاصة وأن السينما المستقلة تملك مساحة حرة أوسع للمخرجين، على عكس التقليدية التي تحكمها معادلة الربح والخسارة، كما يقول.

بين التمويل الأجنبي و"التابوهات" الشرقية

  • نجح التمويل الأجنبي بفرض نفسه على عدد من من المخرجين
    نجح التمويل الأجنبي بفرض نفسه على عدد من من المخرجين كما في "مدرسة الروابي"

أمام قلّة الإمكانيات الإنتاجية للمخرجين وصنّاع السينما المستقلة، وعدم وجود شركات إنتاج أردنية مقتدرة، وأمام ضعف القدرات التسويقية، نجح التمويل الأجنبي بفرض نفسه على عدد من من المخرجين، عبر الإغراء المالي والتسويقي، وهو ما يجده مختصون أداة لتوجيه الأعمال السينمائية بمسارات أخطر من مسارات مقص الرقابة التقليدية.

ومع رفض عدد من المخرجين الذين نفّذوا أعمالاً مموّلة أجنبياً الحديث عن هذه الزاوية، ومن ضمنهم الممثلة والمخرجة، تيما الشوملي، التي أخرجت واحداً من المسلسلات المثيرة للجدل ونقصد "مدرسة الروابي"، لجأنا إلى الناقد السينمائي، رسمي محاسنة، الذي وصف التمويل الأجنبي بأنه "سلاح ذو حدين". 

ففي الوقت الذي مكّن هذا التمويل من ظهور أعمال سينمائية ما كانت لتكتمل لولا الدعم المالي، إلا أنه، أي التمويل، كان في غالب الأحيان مشروطاً.

ويقول محاسنة في مقابلة مع "الميادين الثقافية" إن فريق العمل وفي مقدمتهم الكاتب والمخرج، يصبحان "أسيرين" للتمويل، ويخرج الأعمال أو القصص ذات الطابع المحلي عن سياقاتها، ويوجّهها بناء على متطلّبات لخدمة مصالح إنتاجية.

ويضيف "من متابعتي لعدد من الأعمال السينمائية المموّلة، كان واضحاً مدى تركيزها على قضايا مثل المرأة، والحريات، والصراعات، وهي مواضيع جيدة إذا ما طغت عليها صبغة المجتمع الأردني، لكنّ الواقع كان أنها تبثّ رسائل باتجاهات مختلفة تماماً عن الواقع في كثير من الأحيان، تتنافى مع العادات والتقاليد المجتمعية".

ولإثبات وجهة نظره، بيّن الناقد المحاسنة أن غالبية الأفلام المستقلة المموّلة، لم تلقَ رواجاً جماهيراً في الأردن، رغم أنها حصدت جوائز فنية كثيرة عربياً وعالمياً، إلا أنها لم تكن مفهومة أو مقبولة محلياً.

ومع هذا الانتقاد لصنّاع الأفلام المموّلة، استدرك المحاسنة، وأزال بعض اللوم عن عاتق الصنّاع، وألقاه على الجهات الرسمية وغير الرسمية في الأردن، وذلك بسبب غياب جهات مستقلة توفّر تمويلاً محلياً بديلاً، "لماذا لا توجد شركات إنتاج في القطاع الخاص؟ الهيئة الملكية للأفلام تقدّم دعماً للشباب، إلا أنه يبقى محدوداً ولا يغطي النفقات غالباً"، و"يجب أن تتمّ مساعدة جيل فني أوجد صناعة سينمائية لأول مرة في الأردن بإمكانيات بسيطة، وأن نقدّم لهم تمويلاً يحرّرهم لا يكبّلهم".

تمويل محلي ينقصه الدعم

  • فريق عمل فيلم
    فريق عمل فيلم "الحارة" في "مهرجان لوكارنو الدولي"

عام 2003 انطلقت "الهيئة الملكية الأردنية للأفلام" حاملة شعار تطوير صناعة السينما في الأردن، وتشجيع الإنتاج المحلي، وظل عملها محصوراً خلال السنوات الأولى بتأمين مواقع تصوير مناسبة للأفلام العالمية، حتى عام 2011، الذي شهد تأسيس صندوق مخصص لدعم وتمويل الأفلام، وشمل الدعم ما يقرب من 150 عملاً، تنوّعت بين أفلام مستقلة، وأفلام قصيرة، ورسوم متحركة، ووثائقية.

ووفق مصدر في الهيئة فقد سعت الأخيرة إلى توفير بيئة حاضنة ومحفّزة لصنّاع الأفلام الشباب، شملت دعماً لوجستياً، وتطوّر إلى دعم مالي، إضافة إلى عقد دورات تدريبة في صناعة السينما في مختلف مناطق الأردن.

وأضاف المصدر لــ "الميادين الثقافية" أنّ الهيئة تعقد سنوياً كذلك، عدداً من المهرجانات المتخصصة، مثل "مهرجان كرامة"، و"أيام عمان السينمائية"، حيث إنّ "هذه المهرجانات تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى منصة تمكّن الشباب من عرض أعمالهم، وكثير منها يتمّ عرضها لأول مرة أمام جمهور فعلي".

لكنّ المصدر نفسه لم يخفِ أنّ التمويل لا يزال هو أكبر العقبات التي تواجه هذه الصناعة الفنية، خاصة مع غياب شبه تام للقطاع الخاص، الذي يتخوّف من الدخول إلى مجال الإنتاج السينمائي، في ظل ضعف جماهيري، وقلة دور العرض التي تحتضن الأعمال المحلية.

ويعود تاريخ السينما المستقلة التي ظهرت للمرة الأولى في الولايات المتحدة، إلى خمسينيات القرن الماضي، إلا أنها دخلت الأردن مع مطلع الألفية الحالية، وكانت على شكل تجارب شبابية متواضعة، كثير منها لم يعرض أو يكتمل. 

لكن في العام 2003، شهد الأردن إنتاج أول فيلم في إطار السينما المستقلة، يحمل اسم "هذا العالم ليس لي"، تبعه فيلم "كابتن أبو رائد" (2007)، وهما من إخراج أمين مطالقة، لتكون هذه التجربة بمثابة بوابة لعبور لجيل كامل من صنّاع هذا النوع من الأفلام.

اخترنا لك