سمن وزيت وملابس داخلية.. لماذا يظهر النجوم في إعلانات رمضان؟

صدم الجمهور المصري بمحمد منير يغني للسمن النباتي وحسين فهمي يروّج للملابس الداخلية. ما سرّ ظهور نجوم مصر في إعلانات رمضان؟

كانت صدمة لجمهور "الكينغ" محمد منير أن يجدوا فنانهم المفضل يغني على خلفية لإعلان للسمن النباتي وزيت الطعام في رمضان الحالي، ليس ذلك فحسب، بل أيضاً بعد فاصل قصير من الدراما يطل علينا الفنان حسين فهمي - الواد التقيل كما غنت له "السندريلا" سعاد حسني- ليعلن ماركة محلية عن الملابس الداخلية القطنية، ليستحق وقتها السخرية الأكثر انتشاراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي "إيه اللي سموك عامله في نفسك ده"؛ الجملة التي قيلت لأحمد مظهر في فيلم "الأيدي الناعمة"؛ الباشا الذي كان يحمل أوزة وخضروات من السوق وقتها بصحبة الفنانة صباح.

رمضان منذ 30 عاماً

  • لقطة من إعلان
    لقطة من إعلان "شوكولاتة جيرسي واكلة الجو"

قبل 30 عاماً، شكّل شهر رمضان أجمل ذكريات طفولتنا في الثمانينيات والتسعينيات. كنا نستمتع بمشاهدة نجومنا عبر الشاشة الصغيرة – حرفياً - في فواصل إعلانية ليست طويلة كالتي نشهدها حالياً، تُظهر إعلانات مرحة وطريفة وخفيفة على قلب المشاهد المتعب والمنهك من الصيام، أو المتخم بحشو مئات الغرامات من أنواع متعددة من الطعام.

"محمود إيه ده يا محمود" و"بستك ناو بستك ناو شوكولاتة جيرسي واكلة الجو" و"رايب يا حليب جهينة"، وغيرها من الإعلانات التي لم تكن تحظَ لا بنجوم ولا بإنتاجية ضخمة من أجل إبراز السلعة.

كنا نشاهد نجوماً في بداية مسيرتهم، مثل ياسمين عبد العزيز وشيريهان وشيرين رضا، وحتى الفنانة نعيمة الصغيرة، التي كانت سبباً في رعبنا في أحد الأيام بسبب فيلمها "العفاريت"، الذي ظهر فيه عمرو دياب، فظهرت نعيمة بصوتها الأجش تعلن بسكويتاً هشاً وناعماً يتفتت قبل أن نفتحه، لا يتلاءم مع صوتها الغليظ، فيشكل مفارقة مضحكة للمشاهدين.

على مدى أكثر من ربع قرن مضى، دخلت شركات مثل طارق نور لتحتل مساحة كبيرة من الإعلانات في مصر، وخصوصاً بعد أن ظهرت القنوات الفضائية الخاصة، لتبدأ وقتها مسيرة الإعلانات في التغير، ويصبح الربح هو الغالب الأكبر عليها، وعليها أن تصبح جذابة، لذلك ظهرت إعلانات تحمل نجوماً من الصف الأول، يقدّمون مشهداً تمثيلياً قصصياً، ميلودرامياً أحياناً، وساخراً أحياناً كثيرة، مثل أحد إعلانات شركات الاتصالات في بداية أوجها، والذي قدمته مجموعة من النجوم الشبان – وقتها - الذين ظهروا في الساحة، مثل أحمد عز وزينة ونور وكريم عبد العزيز وأحمد السقا وغيرهم.

رمضان بعد الألفية

  • أستاذة الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة تارا القاضي
    أستاذة الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة تارا القاضي

بعد الألفية ظهرت الجمعيات الخيرية وقدرتها على احتلال مساحة من "التورتة" الرمضانية، لتطلب تبرعات لها من الجمهور، ونافستها المستشفيات الوطنية، ومستشفيات أخرى مشيَّدة بجهود الأهالي، مثل مستشفى سرطان الأطفال 57357. وبعد ثورتي يناير ويونيو كانت المنافسة شديدة على تبرعات المصريين، وتم انتقاد هذه الإعلانات، وخصوصاً أن من يقوم بها نجوم كبار ممن يتقاضون ملايين الجنيهات، وتكلفة إنتاج هذه الإعلانات تكون ضخمة، ومن الأَولى أن توجَّه هذه الميزانية إلى المستشفى وتُستخدم في العلاج بدلاً من الترويج والدعاية للمستشفى، وهو الانتقاد الذي لا يزال سارياً حتى اليوم.

إعلانات الكومباوندات والمشاريع العقارية الكبرى، والتي تتجاوز أسعار الوحدات السكنية فيها أضعاف ما يمكن أن يدفعه المواطن العادي، باتت تسيطر هي الأخرى على سوق الإعلانات، والغرض من بعضها ليس الترويج، وإنما أن يظهر للناس أن من يختار هذه الحياة سينعم بتسهيلات رائعة، وربما عندما تتغير الظروف لدى أحد أبناء الطبقة المتوسطة سيفكر في هذه الصورة ويتمناها.

تارا القاضي، أستاذة الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، ترى أن استحواذ شركات الصف الأول على إعلانات رمضان 2023 أمر طبيعي، لأن هذه الشركات هي التي ستنفق، ولديها القابلية لدفع ثمن الإعلانات، التي يظهر فيها نجوم الصف الأول، مثل منير وحسين فهمي.

لكن القاضي لا تتفق في أن نسبة من جيل الألفية لا ترتبط بهذه الإعلانات بشيء، بدليل أن أحد إعلانات العقارات العام الماضي، وكان بطله الفنان أحمد مالك - من جيل الألفية - وكانت القصة داخل الإعلان مغايرة وجذابة وخارج الصندوق ومتباينة عن الإعلانات التقليدية في رمضان، وكان ناجحاً مع الأجيال الجديدة.

وتشير القاضي إلى أن علينا أن نتساءل عمن يخاطبه الإعلان، وليس فقط الفئة العمرية، بل أيضاً الشريحة المستهدَفة وتفكيرها ونمط حياتها وثقافتها وميولها، والإعلانات في هذه الآونة ناجحة في ذلك.

لم تتعجّب أستاذة الإعلام في الجامعة الأميركية من وجود فنانين كبار في إعلانات رمضان لهذا العام، حتى إن لم تكن ملائمة لهم، فهذا أمر معروف وموجود خارج مصر. وإذا كان الجمهور يحب هذا الفنان فسيتجاوب معه ويحب الإعلان، مضيفة أنه "لو الإعلان دمه تقيل أو الفنان مش محبوب أو الفنان دمه تقيل أو معمول بصورة بايخة مش ممتعة، وقتها الناس ستنفر منه".

التباين أو التطور الذي تراه القاضي هو أنه أصبح لدى الناس خيار ألّا يشاهدوا ما لا يحبونه، مشيرة إلى أنه قديماً، حينما كنا نحب مسلسلاً، كنا نضطر إلى مشاهدة الإعلانات المزعجة في الفواصل. أما الآن فيمكن مشاهدته من دونها في عدة منصات، وأن يختار المشاهد ما يعجبه فقط لمشاهدته، وليس تضييعاً لوقته.

وفي ما خصّ استخدام رسائل الـ CSR أو التطوير والتنمية الذاتية من وراء الإعلان، وهي التيمة التي باتت مستخدمة كثيراً في إعلانات الأعوام الأخيرة، فتقول إن زيادة هذا الأمر في الأعوام الأخيرة هي نوع من التطوير وتغيير الأفكار، التي أصبحت متكررة في سوق الإعلان، وحتى يكون لدى المعلن رسالة وسط المنافسة العالية، مشيرة إلى أن "المجتمع بات يواجه تحديات متعددة، فأرادت مجموعة من الشركات أن تلمس معاناة الناس، وتوجّه إليهم رسالة، مفادها أنها معهم وتسمعهم وتشعر بمعاناتهم".

"تراجع" قيمة النجوم

  •  الخبير في الإعلام الرقمي فادي رمزي
    الخبير في الإعلام الرقمي فادي رمزي

من جهته، يرى فادي رمزي، الخبير في الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة، أن الإعلانات تطورت وتغيرت خلال الأعوام الثلاثين الماضية، لكن الصادم في رمضان 2023 أن هناك نجوماً كباراً شاركوا في إعلانات متواضعة لا تليق بمستواهم، مثل محمد منير وحسين فهمي، وهو أمر لم يلقَ ترحيباً به وغير محبوب، مضيفاً أن "هذه الظاهرة تعكس الهبوط الشديد في الذوق العام من أسماء مرموقة لها شعبية كبيرة لدى قطاع عريض من المحبين، لكنهم يعلنون منتوجات لا تليق بهم، ولا تتواكب مع تاريخهم".

وقال إنه لا يمانع وجود مثل هذه الإعلانات - إعلان الملابس الداخلية والسمن والزيت - لكن لا يصح أن يكون هؤلاء الفنانون مع هذه المنتوجات من دون مراعاة لقيمتهم، الأمر الذي يؤكد تراجعها.

أمّا الجانب الإيجابي الذي يراه، فهو تطور تيمة الإعلان من مجرد التسويق للمنتج وشكله وخصائصه إلى تسويق الاحتياج إلى القيمة التي ستعود على المشتري من وراء شرائه، قائلاً: "لن أسميها إعلانات التنمية البشرية، لكن الأمر مرتبط بالقيمة، وأشهر قطاع في الإعلانات هو قطاع العقارات، فلا يتحدث عن الشقق والفيلات والمساحات والتقسيمات، وإنما يتحدث عن أسلوب حياة واختلاف جودتها ونوعيتها، وكذلك إعلانات الأجهزة الكهربائية لا تعلن خصائصها، وإنما تعلن الراحة والتوفير اللذين ستشعر بهما ربة المنزل".

وأضاف أن ذلك "ظاهرة إيجابية لأنها تتواكب مع التطور العام في العالم، من حيث إبراز تلبية احتياجات الجمهور المستهدف من وراء هذه السلعة، وهذه هي الطريقة الأقوى حالياً".

أما الشيء الإيجابي الآخر، بحسب رمزي، فهو أن إعلانات التلفزيون أصبحت أكثر تفاعلية وديناميكية وجذباً، وخصوصاً لجيل الألفية أو جيل Z، لسببين، هما الاعتماد على الأغنية أو الموسيقى، وهذا هو أكثر عامل يحرك المشاعر لهذا الجيل، وخصوصاً إذا كانت أغنية خفيفة وطريفة. والسبب الآخر هو الاختصار، فهناك دوماً صيغة الـ Short Form من الإعلان، وهو يكون الإعلان المختصر الذي يتم عرضه في أثناء الفواصل الإعلانية للمسلسل بدلاً من الإعلان المطول.

ودلَّل على نجاح تلك العوامل إعلان ياسمين عبد العزيز لإحدى شركات الاتصالات في رمضان الماضي، وكان – بحسب رمزي - من أكثر 10 فيديوهات تجارية تمت مشاهدتها على يوتيوب على مستوى العالم عام 2022، وفقاً لتقرير، وتتوافر فيه كل العناصر، من وجود نجمة محبوبة مثل عبد العزيز، وفيه روح دعابة، وخفيف ويتلاءم مع طبيعة الجمهور المصري المحب للكوميديا والنوستالجيا، وفيه ديناميكية وأغنية.

وهناك ظاهرة أخرى يلفت رمزي النظر إليها، هي استخدام أكثر من نسخة إعلان للمنتج نفسه أو الشركة ذاتها، مثل إعلانات إحدى شركات العقارات التي لديها نسخة لعمرو دياب ونسخة لكريم عبد العزيز، وهذه فطرة غريبة - بحسب رمزي - تعتمد على من ينفق أكثر، وكل شركة تتباهى بما تنفقه، وهي ظاهرة سلبية وليست معياراً للنجاح، لكنها باتت منتشرة.