عن التعليم من بعد والتعليم المدمج

واقع البنى التحتية من كهرباء وانترنت وامكانية تملك الأجهزة المناسبة في البيت والمدرسة تعد من أهم التحديات التي تواجه التعلّم من بعد.

  • عن التعليم من بعد والتعليم المدمج
    عن التعليم من بعد والتعليم المدمج

"مناهج، تعليم من بعد، وتعليم مدمج"، هو كتاب للدكتور نمر فريحة. الكتاب من طباعة ونشر (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر)، صدر عام 2022. يأتي إصدار الكتاب بعد التجربة القاسية التي مر بها العالم مع انتشار جائحة كورونا في نهاية العام 2019 مما اضطر العالم إلى إغلاق المدارس والجامعات والتوجه للتعليم من بعد. جاء الكتاب بعد آخر نتاجات الكاتب: تعليم فاشل، تربية فاشلة، التي يلفت إليها الكاتب من دون سبب واضح، أو لربما بسبب الفقرات المتعلقة بدور أولياء أمور التلاميذ خلال بعض الفصول وخاصة بما يتعلق بالمناهج التعليمية. 

غير أن الكتاب يتضمن، بحسب مقدمة الكتاب، موضوعين أساسيين وهما "مسيرة المناهج خلال قرن تقريباً، وأهم المناهج التي تم تبنيها في العالم العربي والعالم وصولاً إلى الأحدث منها"، وثانياً، التعليم الذي طرأ بسبب الجائحة عن بعد، وخاصة أن "مجتمعاتنا" لم تكن مجهزة بالوسائل والمهارات.

يتألف الكتاب من تقديم وخلاصة إضافة إلى ستة فصول ضُمِنًت خلال 200 صفحة تقريباً. 

التربية والمنهاج

يبدأ الفصل الأول بمراجعة تاريخية لتطور التعليم منذ العهد السومري وحتى الزمن المعاصر، ويقدم لدور التربية والمتعلمين في تطوير التعليم في المدارس، وفي تقريب وجهات النظر ليس ما بين أبناء الوطن الواحد بل ما بين أبناء البلاد المختلفة. ويستند الكاتب في توضيح ذلك بانتقاء أمثلة من بناء العلاقات الإنسانية في أوروبا. ومن ثم يستعرض نظريات المنهاج التدريسي المختلفة التي نشأت في أوروبا والولايات المتحدة، ونظريات المدارس التربوية المختلفة. 

وينوّه فريحة في نهاية الفصل الأول بعد أن أتم مناقشة الفصل الأول، بأنه سينتقل لمناقشة المناهج بعناصرها كافة مستنداً في كتاباته إلى المعايير والأفكار التي أطلقها الأميركيون في نهاية ثمانينات القرن العشرين بهدف تحسين واقعهم التربوي وخاصة على مستوى تدريب المعلمين، ويرى أن المجتمعات الأخرى قد اقتبست هذه النظريات. ولا ننسى أن تدريب المعلمين وتأهيلهم، هو اختصاص فريحة الأساسي، الذي نال بناء عليه شهادة الدكتوراة.

المنهاج المدرسي

ويبدأ هنا بتعريف المنهاج، وما يعنيه باللغة الإنكليزية بالذات كمصطلح قائم وأنه يرتكز على وجود "غاية أو غايات لتعليم مجموعة من الناس". ومن ثم يبدأ بوضع المنهاج وتقديم مبرارات هذا الوضع وخاصة وأنه جزء من الإهتمام العام في الكتاب. 

وخلال بسط المعلومات يبدأ بانتقاد المنهاج اللبناني تحديداً من خلال مقارنته بمنهاج أميركا وشرق آسيا، وخلال جمل بسيطة. بغض النظر عما إذا كان يجب إخضاع المنهاج اللبناني لانتقاد أو نقد أم لا، فإن ذلك يجب أن يتم من خلال كتاب علمي مستقل بالاستناد إلى معطيات، وهذا ما لم يتوفر خلال صفحات الكتاب. فبدا نقده للمنهاج اللبناني غير المدعم بالأمثلة، وكأنه كلام قيل عن قال. لكن من النقاط المهمة التي يطرحها الكتاب في هذا الفصل، هو ما له علاقة بأهداف المنهاج التعليمي، وهي مبناة على أسس تربوية واجتماعية وسياسية ودينية ومواطنية واقتصادية وعلمية وتكنولوجية وخارجية. 

وأما البند الأخير المتعلق بالعوامل الخارجية فهو يستحق أن يعطى مساحة أكبر في التفصيل وأن يخضع لنقاش أكبر، لأنه يتعلق بعامل المواطنية وعامل سياسة الدولة بشكل أساسي. 

ومن ثم يبدأ الكاتب نقاش عناصر المنهاج ومحتوياته ومن ثم تقييمه من حيث المحتوى والأهداف والتحصيل والإختبارات، وما إلى ذلك من العناصر المتعلقة بالعمليتين التعليمية والتعلمية. 

 أنواع المناهج

يتناول هذا الفصل أنواع المناهج التي تأثرت كثيراً بالفلسفات التربوية الموضوعة، والتي تحدث عنها الفصل الأول. وأول من وضع كتاب "المنهاج" كان بوبيت في العام 1918. ويشرح الكاتب هنا 11 نوعاً من المناهج. ومن ثم يدخل وبإيجاز إلى العناصر الأخرى المرتبطة بالمنهاج وهي: إطار المنهاج، المنهاج والكفايات ضمن العملية التربوية، نماذج التصميم، مهارات وضع المنهاج، ومواصفات المنهاج الجيد. النقطة الأخيرة تتعلق بشكل عام بربط المنهاج بالحياة العملية وتطويره بحيث يواكب التطورات الحديثة في العالم.

التعليم من بعد والتعليم المدمج والمناهج

يبدأ الحديث هنا عن سمات الجيل الرقمي، أو الجيل الجديد، الذي باتت هناك فجوة كبيرة بينه وبين الجيل القديم بسبب تعلقه بالتواصل التكنولوجي، فبات متعدد المهام بمعنى أنه يستطيع إنجاز أكثر من مهمة في آن واحد. ويستشهد في بداية الفصل بقول أينشتاين قبل الثورة التكنولوجية: "أخشى اليوم الذي تتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا الإنساني، عندها سيكون للعالم جيل من الأغبياء". ويرى فريحة أن تحذير المبدع كان في محله. ولكن في الحقيقة يعود فريحة ليناقض نفسه حين يوصف الجيل الرقمي بأنه متعدد المهام. 

وبعد الحديث عن أهمية امتلاك التقنيات التكنولوجية بالنسبة للمتعلمين والمعلمين على حد سواء، يدخل فريحة في هذا الفصل إلى أنواع التعلّم عن بعد خلال مراحل تطور التعليم والتعلّم من بعد. ابتدأ الأمر بالمراسلة، من خلال المراسلة الورقية، ثم التسجيلات الصوتية ومن ثم التعلّم بوسائط تكنولوجية مثل السينما والراديو والتلفاز والفيديو. وفي الحقيقة أنها لا تزال تستخدم حتى اليوم في تقديم الدروس الإضافية لطلاب المدارس. 

ومن ثم ابتدأت مرحلة جديدة مع التكنولوجيا الحديثة والتعليم الإلكتروني بعد ادخال الحاسوب ضمن العملية التعليمية وصولاً إلى مرحلة الانترنت وسهولة الوصول إلى المعلومات. وثم جاءت مرحلة الوباء في نهاية عام 2019 ودخول نظام التعليم من بعد. وواجه أسلوب التعليم من بعد تحديات كبيرة وأهمها قلة التفاعل ما بين المعلم وطلابه أو تلامذته، والتحدي الثاني هو ضعف أداء المعلمين بسبب عدم تدريبهم الكافي على التدريس أونلاين والذي طرأ بشكل مفاجئ. والتحدي الثالث، هو ضعف القدرات المادية للأسر المحدودة الدخل وعدم قدرتها على شراء حواسيب متعددة لجميع أبنائها أو ضعف أداء الشبكة بسبب بطء الانترنت في الدول المتقدمة وغير المتقدمة على حد سواء. 

وأخيراً وبسبب عدم وجود مناهج خاصة بالتعليم من بعد، تم اللجوء إلى العالم الافتراضي، أي أن يقف الأستاذ في الصف وتقوم المدرسة ببث حي للساعة التعليمية.  

  • تجربة التعليم عن بعد لم تنجح في لبنان بسبب ضعف الانترنت وانقطاع الكهرباء.
    تجربة التعليم عن بعد لم تنجح في لبنان بسبب ضعف الانترنت وانقطاع الكهرباء.

واقع التعليم من بعد والتعليم المدمج، وإمكانية نجاحه

واقع البنى التحتية من كهرباء وانترنت وامكانية تملك الأجهزة المناسبة في البيت والمدرسة تعد من أهم التحديات التي تواجه التعلّم من بعد. ويعد هذا الفصل وكأنه امتزاج ما بين الفصول الثلاث الأولى وبخاصة الأول والثاني مع الفصل الرابع من أجل مراجعة النظريات المتعلقة بالتعليم ومحاولة تطبيقها عبر عملية التعلم من بعد. وبالتأكيد فهي بحاجة إلى تأهيل الأطر التعليمية والبنى التحتية والمدرسين من أجل الأداء الأفضل.

متطلبات التعليم من بعد والتعليم المدمج

يبدأ الكاتب بتعديد موارد التعليم من بعد وهي المدونة، ونظم إدارة التعلّم والتي تتعلق بإدارة المحتوى التعليمي، والأنشطة التعليمية، والاتصال والتفاعل، والتقييم والعلامات، وأخيراً إدارة المتعلمين. ثم يتحدث عن الأنشطة التي تُدار عبر الوسائط الإلكترونية وهي متعددة، وأهمها الواجب الدراسي، إذ يمكن للمعلم إدارة جميع الملفات المتعلقة بالعملية التعليمية بوساطة تحميلها عبر الانترنت. كما أن هناك غرف المحادثة، وإقامة المنتديات، وورشات العمل، والقيام بجميع العمليات التعليمية وإدارتها وإخضاع الطلاب للمسابقات الآنية وما غير ذلك. كما يمكن تأمين جميع الموارد الرقمية التعليمية عبر الانترنت، وعبر صفحات المدارس الخاصة أو الجامعات بالتحديد، حيث يمكن توفير الموارد التعليمية كافة.

أهم الموارد في عملية التعليم من بعد أو المدمج كما في التعليم التقليدي هم الأساتذة والإدارة وأولياء أمور التلاميذ، حيث يمكن إدارة العملية التعليمية وتنسيقها عبر الشكل الأفضل من خلال التعاون ما بين الأطراف الثلاثة، وإخضاعها لدورات تدريبية من أجل حرفية العمل، وبخاصة للمدرسين. وبعد ذلك يشرح الكاتب في هذا الفصل الشروط المختلفة من أجل إنجاح العملية التعليمية من بعد. 

في نهاية الكتاب يدعو الكاتب إلى العودة إلى تعليم الصفوف الأساسية الثلاث الأولى في المنزل. ويحدد أن تعليم هذه المرحلة في المنزل لا يعد عائقاً بالنسبة للعملية التعليمية بشكل عام. ولكنه في الوقت نفسه يلفت إلى وجوب التنسيق ما بين المدرسة والأهل، وما يدفعه إلى هذا القول إن النجاح في هذه الصفوف الأولى هي عملية آلية، قد يفقد التلميذ خلالها بعض المهارات من دون الإنتباه إليه، بينما يكون الأهل قادرين من خلال التواصل المباشر مع العملية التعليمية لأبنائهم اكتشاف الثغرات التعليمية التي يعانون منها. وبالتالي ومع هذا الكلام الأخير، يبدو أن خاتمة الكتاب لا تلخّص أهم الإستنتاجات حول عنوان الكتاب، بل تخرج باستنتاج جديد وكأن الكاتب يريد أن يهيئ القارئ لعنوان كتابه الجديد!

من المفترض أن يتحدث الكتاب عن مسيرة المناهج خلال قرن وعن المناهج التي تم تبنّيها في الوطن العربي، ومن ثم الحديث عن التعليم المدمج وجاهزية "مدارسنا". وما هيأنا له من خلال المقدمة أنه يحاول أن يقدم صورة شاملة عن التعليم في البلاد العربية. في الجزء الأول من التبويب الأولي للكتاب لم يتحدث الفصل الأول سوى عن تطور العملية التعليمية في أوروبا وأميركا، منذ القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا. كما قدم فكرة عن نظريات المدارس التربوية ونظريات المناهج التعليمية، ولكن جميع ذلك ارتبط بالنظريات الغربية المعروفة والتي كررت في معظم الكتب التربوية بلغات العالم كافة. وحين تطرق فريحة للمقارنة الخجولة حول تطور العملية التعليمية في الدول العربية مقارنة بالغرب، لم يتحدث سوى عن لبنان خلال الفصول المتلاحقة. وفي الحقيقة أن تجربة لبنان الذي يعاني من شح الكهرباء وقدرة ذوي الدخل المحدود على توفير أساسيات التعلّم من بعد لا يمكن تطبيقها على باقي الدول العربية والتي لم يأتِ على ذكرها، أو على الاستشهاد بمراجع منها، على الرغم وفرتها. 

تفاجئنا المراجع التي استند إليها الكاتب من أجل إعطاء المبررات العلمية لإعتماد كتابه، على أنها لم تكن سوى 6 منها مراجع عربية، منها ثلاثة من تأليفه، واثنان لمؤلفين لبنانيين، وواحد لكاتب أردني، حول المناهج. وهناك 48 مرجعاً لكتب ومقالات أجنبية. جميعها أنجزت ما قبل الجائجة، ومعظمها يعود لنهاية القرن العشرين وما قبل. والأهم من هذا وذاك أنه لا يستند إلى أي مقال علمي كتب ما بعد الجائحة، والتي تسببت بدخول التعليم المدمج إلى العالم كما عرفناه في السنوات الأخيرة، وهذا دليل ضعف المرجعية العلمية في الكتاب. مع العلم أنه في 23/12، وخلال بحث على غوغل العلمي حول المقالات العلمية العربية التي كتبت باللغة العربية ما بعد الجائحة كان هناك 17 مقالاً علمياً. وأما باللغة الإنكليزية على غوغل scholar، ظهر أن هناك أكثر من 396000 مقال حول التعليم ما بعد كورونا وأكثر من 7,5 مليون عن التعليم المدمج، و300000 مقال حول التعليم ما بعد كورونا في الدول العربية.

إذن هناك فقر في المراجع الحديثة التي استخدمت في الكتاب، الذي يتحدث عن ظاهرة نشأت معوقات التأسيس لها ما بعد عام 2019، هذا ناهيك عن عدد الكتب التي صدرت والتي ناقشت التعليم المزدوج والتعليم من بعد بشكل أساسي. وحتى في الفصل الأخير الذي ناقش موارد التعليم عن بعد وأنواع الإتصال أسواء كان متزامناً أم غير متزامن، هناك نقص في تقديم مادة حقيقية يلجأ إليها القارئ المختص. فما بين يدينا يشبه في حجمه ومضمونه رسالة ماجستير متواضعة مع نقص حاد في المراجع والفهارس. ما بين أيدينا كتاب بسيط يشرح الأمور ومن دون تعقيد للقارئ العادي الذي يريد الإطلاع على ألف باء العملية التعليمية من حيث وضع اللبنات الأساسية في أي بناء تعليمي في أي مكان من العالم لجهة المناهج وطرق التدريس وتدريب المعلمين وتقييم المتعلمين.