حرب الانتقام المسعورة: 70 دراسة حول غزة
يقول وزير الدفاع الصهيوني موشيه ديان الأسبق عام 1967 : بعد النكسة " إذا استطعنا إجلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى، يمكننا ضم غزة من دون مشكلة.
-
كتاب "غزة: حرب الانتقام المسعورة" لمجموعة من المؤلفين
صدر حديثاً عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" كتاب "غزة : حرب الانتقام المسعورة: مجموعة أوراق سياسات " (شباط/ فبراير2025) وهو مجلد ضخم (819 صفحة) يختصر الهمجية الإسرائيلية في حروبها التدميرية على الشعب الفلسطيني وتاريخ التهجير ماضياً وحاضراً، وربما أهم الأهداف غير معلنة ومفهوم النظرية الامنية الصهيونية، وادعاء أخلاقية الجيش في حروبه والأساليب الدعائية لتبرير الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
كتاب غزة حرب الانتقام المسعورة مجموعة أوراق سياسات،، من تأليف عدة باحثين وباحثات وتحرير كل من أحمد سامح الخالدي ، وماهر الشريف ، ورامي الريس ، ومجدي المالكي ، وتقديم خالد فراج ، وتنسيق أحمد عز الدين أسعد وهبة أبو غيدا .
الكتاب جزء من مشروع توثيقي اعتمدته المؤسسة منذ اليوم الثاني للحرب على غزة ، الذي صادف الأحد 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ، إذ اتخذت مؤسسات الدراسات الفلسطينية قراراً بالعمل على مدار الأيام والساعات من أجل توثيق حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتوثيق تداعياتها على القضية الفلسطينية بصورة خاصة، وعلى الصراع العربي – الإسرائيلي بصورة عامة . وخلال الشهر الأول من الحرب ، نشرت المؤسسة سلسلة أوراق سياسات متخصصة في مجالات التاريخ، والسياسة، والقضايا الإستراتيجية، والقانون الدولي، والاقتصاد، والاجتماع، وإعادة الإعمار، والمواقف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية، وغيرها. ونظراً إلى أهمية هذه الأبحاث، سواء من الناحية البحثية أم التوثيقية أم من ناحية إحاطتها بمختلف جوانب هذه الحرب على قطاع غزة، وجدت المؤسسة أهمية في إصدارها في كتاب ، لما يمكن أن يشكله من مرجع مهم وأساسي وضروري للباحثين والمهنيين بهذا الشأن .
المحاور الرئيسية المتعددة
وقُسم الكتاب إلى 7 محاور رئيسية تحت العناوين التالية: المحور الأول: "تداعيات الحرب على مرافق الحياة في قطاع غزة"، وتناول القطاع الصحي والتعليم والثقافة والإعلام، والمياه والكهرباء، فجاء تحت عنوان :"المخططات الإسرائيلية إلى الواجهة ومآلات المشروع الصهيوني"، وتناول موضوعات التهجير والاستيطان، والمشروع الصهيوني. أما المحور الثالث "تداعيات الحرب على غزة والضفة الغربية" فقد تناول قضية الأسرى، وسياسات الهيمنة والسيطرة، والرقابة، وتناول المحور الرابع "التطهير الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الفلسطيني" موضوعات عديدة، منها أثر العدوان الإسرائيلي في الديموغرافيا والاقتصاد، والسيادة الغذائية، والنساء، والعمالة، وتناول المحور الخامس "مواقف الدول وسياساتها إزاء حرب غزة" والمواقف العربية والإقليمية والدولية، وجاء المحور السادس بشأن "تأثير الحرب في موازين القوى وعمل المنظمات الإنسانية"، وتداول المحور السابع "ما بعد الحرب " الآليات القانونية لمحاكمة إسرائيل والأثمان المستقبلية.
مرّ نحو تسعة أشهر منذ أن صدر كتاب غزة حرب الانتقام المسعورة، الذي تألّف من نحو 70 ورقة سياسات أعدّها خبراء ومحللون حول مختلف القضايا المتعلقة بهذه الحرب، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا تغير منذ إصدار الكتاب وكيف تطورت الأوضاع ؟ وما هي مآلات القطاعات التي دُمرت؟
ماذا تغير خلال الأشهر الماضية من حرب الإبادة التي شنتها حكومة دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، والتي استهدفت مرافق الحياة الأساسية كافة بشكل ممنهج.
عقلية التهجير في الجيل المؤسس
يظهر الكتاب بوضوح طريقة تفكير الجيل المؤسس لـ"إسرائيل" بشأن عمليات الطرد والتهجير . فعلى سبيل المثال، قال وزيرالدفاع موشيه ديان في 25 حزيران/ يونيو 1967 : بعد النكسة " إذا استطعنا إجلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى، يمكننا ضم غزة من دون مشكلة.
بالعودة إلى السؤال : ما الذي تغير منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ، بعد عملية طوفان الأقصى، وحين بدأت "إسرائيل" عدواناً غير مسبوق على قطاع غزة؟.
يشير الكتاب إلى أن الجيش الإسرائيلي ذهب إلى تحقيق الأهداف التي حدّدها له المستوى السياسي، والتي تضمنت تدمير القدرات العسكرية لحركة "حماس" ، ومنع عودتها إلى حكم غزة، واستعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها. وقد مُنح الجيش مستوى غير مسبوق من الصلاحيات في استخدام الأسلحة الفتاكة، ما أتاح للضباط بمختلف رتبهم، اتخاذ قرارات تشمل القصف غير المسبوق، والقتل، وتدمير الأحياء، وحتى اختيار أنواع الأسلحة المستخدمة. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 26 كانون الأول/ ديسمبر2024، يمثل هذا تغييراً جذرياً في قواعد الاشتباك. ويبدو أن هذا النهج يفسّر العدد الكبير للضحايا المدنيين في قطاع غزة.
ويلحظ كتاب غزة حرب الانتقام المسعورة، أن المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مناطق النزوح التي صنّفها على أنها آمنة، وتدميره الممنهج لبنى القطاع التحتية، فضحا من جديد مقولة "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، وهو ما أكده رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق ووزير الحرب السابق (2013-2015) موشيه يعلون ، الذي وصف الأعمال التي نفذها الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة بأنها ترتقي إلى مستوى جرائم تطهير عرقي . كما أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يعد " الأكثر أخلاقية" كما تدّعي "إسرائيل".
الخيارات الثلاثة للتعامل مع القطاع
في وثيقة أصدرتها وزارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، كان ضمن الخيارات الثلاثة التي طرحها الجيش للتعامل مع سكان القطاع ، خيار إجلائهم إلى صحراء سيناء. وفي 28 كانون الثاني/ يناير 2024، التأم في قاعة المؤتمرات الدولية في مدينة القدس، مؤتمر :"الاستيطان يحقق الأمن والنصر" . الذي ضم نحو خمسة آلاف إسرائيلي وإسرائيلية ، وشارك فيه أحد عشر وزيراً من حكومة بنيامين نتياهو، يمثلون أربعة أحزاب هي : حزب الصهيونية الدينية، وحزب قوة يهودية، وحزب الليكود، وحزب يهودات هاتوراء، فضلاً عن 15 نائباً في الكنيست، وعدد من الحاخامات من مؤيدي الاستيطان. وقد أكدت الكلمات التي أُلقيت في ذلك المؤتمر أن الترانسفير هو الذي يجلب "السلام" لـ"إسرائيل"، وأن إعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، والتي جرى تفكيكها سنة 2005 ، هي التي ستضمن "أمنها" .
لكن الحرب على قطاع غزة وضعت "إسرائيل" أمام مأزق كبير ، ذلك بأن الجيش الإسرائيلي لم يحقق ، بعد عدّة أشهر "النصر الكامل" الذي وعد به بنيامين نتنياهو، وهو غير قادر على إجبار الفلسطينيين على تسليم أسلحتهم او تهجيرهم أو التخلي عن طموحهم في إقامة دولة عن طريق قصفهم وإخضاعهم ؟ "وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من الناشطين الفلسطينيين الأكثر تمرداً ".
ومن المبررات، توفرت لـ"إسرائيل"، وبذريعة عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فرصة إعادة إحياء مشروعها وخططها في السيطرة الكاملة على قطاع غزة وطرد سكانه منه باستخدام أدوات التهجير القسري والطوعي معاً، لكن مع إخفاقها في تنفيذ هذا المخطط ، وعدم تمكنها من تهجير فلسطينيي القطاع باتجاه سيناء المصرية. مع العلم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بذلت جهوداً إضافية لتهجير سكان القطاع إلى دول أميركا الجنوبية بالاتفاق مع أكثر من دولة هناك لقبول هجرة السكان منذ كانون الثاني/ يناير 2024 ، قامت الحكومة الإسرائيلية بإجراء مفاوضات مع ثلاث دول أفريقية، هي الكونغو الديمقراطية ورواندا وتشاد ، لإقناعها باستقبال عشرات آلاف الفلسطينيين ، ووعدتها بمساعدات مالية وعسكرية مقابل الترحيب بالفلسطينيين في أراضيها .
وبعد حرب نكسة حزيران 1967، وتحديداً في أيار/ مايو 1969 ، من القرن الماضي، اتفق جهاز الموساد مع حكومة البارغواي على أن تقبل هجرة 60 ألف فلسطيني من قطاع غزة إليها خلال أربع سنوات، وأن تمنحهم تأشيرة دخول للعمل فيها، ما يمكّنهم من الحصول على المواطنة فيها خلال خمس سنوات وقد تمكنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالترهيب والترغيب، من إرغام عدّة مئات من سكان القطاع على الهجرة إلى البارغواي، وقدّمت لكل عائلة تذاكر سفر في اتجاه واحد ومبلغاً مالياً ووعوداً كثيرة. ومن خطط التهجير الإسرائيلية ما طرحه الجنرال غيورا آيلاند، من مشروع لتوطين أكثر من مليون فلسطيني من قطاع غزة في سيناء في إطار اتفاق تبادل أراضٍ بين مصر وإسرائيل وفلسطين. وهذه فقط طائفة من التصورات الإسرائيلية التي لا تتوقف لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة .
من أهداف الحرب غير المعلنة
بعد سنوات من تهميش القضية الفلسطينية، وتركيز الاهتمام على تطبيع العلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل"، وهو ما ترافق مع مشاريع دمج "إسرائيل" في الإقليم وتعزيز التكامل، المتعدد الأبعاد بين دوله، وخصوصاً مشروع ربط الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط والهند بشبكة من السكك الحديد والطرق البحرية، الذي تم إقراره، بصورة مبدئية، في قمة "دول العشرين"، والحرب الإسرائيلية التي استتبعتها، في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي، ومثّلت فلسطين "خط الصدع" بين الغرب عموماً وقسم كبير من الجنوب العالمي الذي ينتقد بشدة سياسة "المعايير المزدوجة" التي تنتهجها الدول الغربية .
واخيراً منذ إصدار الجزء الأول من كتاب "غزة: حرب الانتقام المسعورة – مجموعة أوراق سياسات "، استمرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في العمل لتوثيق وتحليل تداعيات الحرب على غزة وتبعاتها على مختلف جوانب القضية الفلسطينية ، كذلك قامت بإعادة الجزء الثاني من "أوراق السياسات "، الذي يضم مجموعة جديدة من الدراسات المتخصصة والمتنوعة ، موزعة على عشرة محاور رئيسية ، يتضمن هذا الجزء 56 ورقة بحثية ، إضافة إلى مقدمة عامة تتضمن مواكبة للأحداث الجارية ورصد تأثيراتها المتعددة. وحرصت المؤسسة على متابعة تطورات الأوضاع وتقديم رؤية تحليلية معمّقة تستند إلى خبرات متراكمة في مجال البحث والتوثيق، انطلاقاً من التزامها بتوفير مرجع أساسي وضروري للباحثين والمهتمّين ، لذا كان هذا العمل التوثيقي الضحم "غزة حرب الانتقام المسعورة مجموعة أوراق سياسات".