كنعان

اشتقاق اسم كنعان من أصل ساميّ قديم هو "كنع" ومعناه "منخفض". ما يعني أن الكنعانيين هم سكان الأراضي المنخفضة.

جَدّي كِنعانُ بحّارٌ بدويّ
إن وجدتُم سُفناً تائهةً تجوبُ القارّات 
فهيَ مراكبُ جدّي كنعان
أنا مِن سُلالةِ كنعانَ جَدِّ البحار
وأنتَ ابنُ مَنْ؟
أيها القادِمُ مِن غيتوهات العفَنْ؟

الرجل الذي يعلن انتسابه إلى هذا الجد الأعلى كنعان، فلسطيني الجنسية، عربي الانتماء، كنعاني الأرومة أو الأصل، الموغل في التاريخ، والذي كانت بلاد الشام كلها تقريباُ تدعى باسمه، أرض كنعان. إنه الشاعر والكاتب والأكاديمي والمناضل الفلسطيني عز الدين المناصرة  (1946 - 2021). اقترن اسمه بنظرائه ومجايليه من شعراء المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال أمثال توفيق زيّاد وسميح القاسم وعبد الكريم الكرمي ومحمود درويش.

يُعتبر المناصرة من روّاد الحركة الشعرية العربية الحديثة، ويتميّز برؤيته البعيدة إلى عمق الماضي الحضاري لفلسطين باعتبارها الأرض التي استوطنتها القبائل الكنعانية القادمة من سواحل شبه الجزيرة العربية، والتي أسست عاصمتها مدينة يبوس في جزء من القدس الحالية. وأسّس ملكهم الأول ملكي صادق مدينة "أور سالم"، أي "مدينة السلام"، التي حوّرها اليهود إلى "أورشاليم" وهي مدينة القدس اليوم. وانتشرت تلك القبائل في بلاد الشام من لبنان حتى غزة بما فيها فلسطين وسوريا والأردن اليوم.

وقد جعل المناصرة من الكنعانية ملمحاً يتميّز به شعره تعبيراً عن عمق الارتباط بالرموز التاريخية والوجود الحضاري العميق الجذور لفلسطين، وتأكيداً للهوية الفلسطينية التي يحاول اليهود الصهاينة إلغاءها بادعاء حق لهم وأسبقية في فلسطين بتزوير التاريخ ونسجه على منوالهم.

حول هذه المعاني تدور معظم قصائد المناصرة وفي بعضها يقول:

في بلادٍ كنعانية تعشق الأرض والزرع

قال الراوي في تربة كنعانْ

كان البلوط، السريس، الطيّون، وأشجار السنط وحبات الرمانْ

في زمن الأجداد الموغل في الأرحام 
نصبتُ فرحاً في سفح الجبل العالي

ولِدت داليةُ الكرمِل في تُربة كنعان


واشتقاق اسم كنعان من أصل ساميّ قديم هو "كنع" ومعناه "منخفض". ما يعني أن الكنعانيين هم سكان الأراضي المنخفضة. وفي المقابل فإن اسم الاَراميين، وهم ساميون أيضاً، مشتق من "رم" ومعناه "مرتفع"، أي أنهم سكان الأراضي المرتفعة.

ويرجّح بعض اللغويين أن لفظة "كنع" تعني "استقر واستوطن"، وهذا ينطبق على الكنعانيين الذين كانوا أصحاب حضارة متقدمة وبرعوا في الزراعة وبناء البيوت بالحجارة غير المحفورة واستخدام الفخار والنحاس، وشملت تجارتهم جميع مناطق البحر الأبيض المتوسط، وكانوا ملّاحين ماهرين وصلت رحلاتهم البحرية ومغامراتهم حتى مضيق جبل طارق.

أما اليهود فكانوا مجموعات من البدو الرعاة وصلوا إلى أرض كنعان وتمكنوا من السيطرة على جزء من فلسطين، وأطلقوا عليه اسم "أرض إسرائيل".  فهم غزاة محتلون في الأساس ثم اندثرت دولتهم وأُخرجوا من فلسطين قبل قرون عديدة.

وقد جيء بأشتات اليهود الصهاينة إلى فلسطين من أوروبا وغيرها في الظروف التاريخية المعروفة، وأقيم لهم هذا الكيان الذي سمّوه دولة "إسرائيل"، بزعم أنهم يعودون إلى "أرض الميعاد"، حسب اعتقادهم. وما هم إلا دخلاء طارئون قديماً وحديثاُ.

وعلى هذه الخلفية يخاطب عز الدين المناصرة، المولود في بني نعيم بفلسطين، أحد هؤلاء الدخلاء المستوطنين في فلسطين والذين لا يُعرف لهم في الحقيقة أصل ولا فصل فيقول:

أنا ابن نعيمٍ شقيق تميم - وأنت ابن مَن؟

أنا ابن المناصرة العاشقين- وأنت ابن مَن؟

أنا ابن دليلةَ غزّية البرتقال - وأنت ابن مَن؟

وسيديَ كنعانُ يسكن رأس الأعالي- وسيدك مَن؟

أنا مِن سُلالة كنعانَ جَدّ البحار - وأنت ابن مَن؟

أيها القادم مِن غيتوهات العفَن.

ويستعمل الشاعر الفلسطيني أيمن اللبدي المولود في طولكرم (1962) هو أيضاً رمز كنعان في استنهاض همم المقاومين الفلسطينيين لقتال العدوّ الصهيوني المحتل فيقول في بعض قصائده:

يبقى لك الفينيق في كنعان

لا تيأس وذا وقت الزلازلِ

والبراكينِ استطالْ

فانفذْ إلى ساح الوغى واكتبْ

ملاحمك العظيمة في سماء ثرى الأحبّةِ

والفوارس من بني كنعانَ

والتحفِ الجبالْ

قد طال ليلُ الغدر، يا قمر الفداءِ

طمى وطال 

اخترنا لك