تتكرر وجوه العديد من الأفراد في الحفلات الموسيقية الكلاسيكية التي تكثف حضورها إدارة الكونسرفاتوار الوطني اللبناني برئاسة الدكتورة هبة القواس، وهو جمهور وفي يثق بالخيارات التي تقدم له، وبالمستوى النموذجي الذي يميزها من نتاج عباقرة من العالم ما تزال إبداعاتهم مضيئة مع تقادم الزمن.

وفي الحفل الأخير الذي شهدته الكنيسة الأرمنية استأنف المايسترو لبنان بعلبكي برهافته وديناميكيته وتميزه، قيادة الأوركسترا الفيلهارموني، مع باقة من المختارات الدالة على خصوصية إثنين من كبار مبدعي الأنغام في العالم، لتكون البداية مع مقطوعة ألفها موزارت لآلة البيانو: كونشيرتو 21 وكان اختيار العازف الأردني كريم سعيد للقيام بالمهمة وما كان أروعه في التعاطي مع هذا الكونشيرتو بروحه الشخصية الخالصة فإستحق من الحضور ما يستحقه من تصفيق ومباركة.

كان سعيد نجماً حقيقياً لا ينازعه على الصدارة أحد، وهو صاحب كاريسما ساحقة من ملامجها الثقة المطلقة بالنفس، والتناغم مع حيثيات العمل بكل إنسجام وإندفاع وكانت له وقفات شكر للجمهور الرائع الذي أطلق أعلى التصفيق والأكثر حرارة تهنئة منه له على هذه المواد النغمية المشعة بالعمق والصور المفرحة التي طبعت اللوحات المعتمدة ودائما بأسلوب سعيد الخاص والذي كنا خبرناه في حفل المتحف الوطني قبل أسابيع فقط، لذا لم نفاجأ بما سمعناه لآننا عرفنا نبذة مضيئة عنه يومها.

وفي الجزء الثاني كانت الأجواء أسخن وأقوى وأدق وفيه برع المايسترو بعلبكي في دقة المواكبة وعمق التفاعل خصوصاً عندما لا يخطئ في إعطاء إشارة الدخول لهذا العازف أو ذاك، في إشارات متلاحقة لتعدد الآلات التي تتطلب المعزوفات مشاركتها في العزف، وهنا تكمن روح الموسيقى الحقيقية ومستوى تفاعل القائد مع تفاصيلها بحيث يُعطي لكل جملة لحنية ما تتطلبه من إيغال في التعبير عنها وإخراجها إلى السميعة حيث باتوا كثراً، ولهم آراؤهم الصائبة في كل ما يسمعون.

الموسيقى النخبوية باتت تجد زمانها ومكانها على خشبات وفي قاعات وصروح عديدة في بيروت، والموعد الجديد مع المايسترو بعلبكي وشقيقته المطربة سمية في الأول من حزيران/ يونيو المقبل في مربع o الذي كان بإدارة الفنان ميشال فاضل، والمناسبة الإحتفال بمئوية ولادة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم.