هل الليث يبتسم؟

فريق بحثي يدرس استجابات ملامح وجوه القطط لدرجات الألم المتعددة. ما النتائج التي توصّل إليها؟

  • تتشابه استجابات الحيوانات في تعبيرها عن الألم
    تتشابه استجابات الحيوانات في تعبيرها عن الألم

"إن العالَم يمضي منذ آلاف الأعوام، أليس كذلك؟ والشيء الوحيد الذي استطاع البشر أن يتعلَّموا فهمَه، من لغات الحيوانات، هو أن الكلب حين يهزّ ذيله فهو يعني أنه سعيد! أليس هذا عجيباً؟"، هيو لوفتِنغ، قصة "الدكتور دوليتل".

لم يكن المهندس الإنكليزي هيو لوفتِنغ يريد أن يحكي لأبنائه في خطاباته عن حقيقة أهوال الحرب العالمية الأولى، التي كان يخوضها حينذاك، فاختَلق لهم مغامرات خيالية حاول فيها الهروب بصحبتهم من واقع البشرية المرعب إلى واحات عالم الحيوان. هكذا، وُلد بطل الروايات والأفلام الدكتور دوليتل، الذي هَجَرَ مرضاه من البشر ليتعلم لغات الحيوانات من ببغائه بولينيزيا، وليتعلم من الحيوانات كثيراً عن طبيعة هذا العالم وتاريخه الحقيقي.

ما تقوله التكشيرة

  • هيو لوفتينغ والدكتور دوليتل
    هيو لوفتنغ والدكتور دوليتل

على ما يبدو، فإنَّ بعض محبّي الدكتور دوليتل وهب جهوده لمسعى البشرية القديم في فهم لغة الحيوان، مثل أعضاء الفريق البحثي، الذي نشر مؤخراً دراسةً [1] حاولوا فيها فهم المزيد عن لغة القطط، عن طريق ملاحظة استجابات ملامحها لدرجات الألم المتعددة، باستخدام ما يُعرَف باسم "مقياس التكشير"[2]؛ وهو سلسلةٌ من الصور المتتالية، توضِّح كيف تبدو ملامح حيوانٍ ما عند اختبار مشاعر الألم، في كل درجاتها.

وبدأ تصميم هذا المقياس بالفئران [3] أولاً، لكن سرعان ما أصبح لدى العلماء مقاييس مماثلة لحيوانات أخرى، منها الأرانب [4] والخنازير [5] والخيول [6] وغيرها. وكان من اللافت للانتباه أنَّ تشنّجات الألم تشابهت كثيراً على الرغم من تبايُن الكائنات، فكانت الأعين تضيق والأفواه تتقلص والآذان تتوتر وتلتوي إلى الخلف.

استخدم الباحثون سلسلةً من الصور المتتالية، توضِّح كيف تبدو ملامح حيوانٍ ما عند اختبار مشاعر الألم، في كل درجاتها.

تقول الباحثة في جامعة نوتنغهام ترينت، لورين فينكا، المتخصصة بسلوك الحيوان والمشارِكة في الدراسة، إنَّ "إحدى المشكلات، التي تواجهنا، هي ميلنا إلى رؤية وجوه الحيوانات وتفسير خلجاتها بعيوننا، والتي تتعلق خبراتُها بقراءة قَسَمات الوجوه البشرية، غير منتبهين للفوارق الكبيرة بين عضلات وجوه البشر ومثيلاتها عند الحيوان".

لغة خافتة

  • تكشيرة القط التي تكشف عن أنيابه لا تعني دوماً العدائية
    تكشيرة القط التي تكشف عن أنيابه لا تحمل العدائية دوماً

غير أنَّ حيوانات عدة تشكِّل تحدياً أكبر أمام الإنسان في إدراك ما تقوله تعبيرات وجوهها، كالقطط، على سبيل المثال.

إذ تحتفظ القطط بأسرارها، وقد تميل عند اختبار مشاعر الألم إلى الانسحاب بهدوءٍ، من دون إبداء تعبيرات صاخبة. ولهذا، صار من المعروف في الأوساط البحثية أنَّ محاولة قياس التغيُّرات الخافتة للغاية في ملامح القطط عند الألم هي مهمةٌ مؤلمةٌ في حدِّ ذاتها. ولعلَّ ذلك كان من الأسباب التي دفعت الباحثين إلى اللجوء إلى الذكاء الصناعي وتقنيات التعلُّم الآلي، كما فعل الفريق البحثي في الدراسة المذكورة أعلاه، والتي تناولت نحو ألف صورة لوجوه القطط، وللتغيُّرات التي تعتريها حين تنقبض عضلاتها أو تنبسط بفعل الألم، الناتج من الخضوع لعملياتٍ جراحيةٍ متعددة. ولوحظ أنَّ الشعور بالألم يرتبط بظهور ما يلي:

- تضييق العينين.

- تهدُّل الأنف إلى الأسفل قليلاً في اتجاه الفم، مع ملاحظة ميله البسيط إلى جهة اليسار.

- قبض الأذنين ومباعدة ما بينهما، مع ملاحظة أنَّ انقباض الأذن اليمنى أشد، وأنها تتدلى أكثر إلى جانب الوجه.

- يبدو الفم والخَدَّان أصغرَ قليلاً من المعتاد، وأكثرَ قرباً إلى الأنف وانسحاباً إلى ناحية العينين.

بعض الحيوانات تشكِّل تحدياً أمام الإنسان أكثر من حيوانات أخرى في إدراك ما تقوله تعبيرات وجوهها، كالقطط، على سبيل المثال، لأنها تحتفظ بأسرارها.

ولا يزال ظهور الدكتور دوليتل في عالمنا أقرب كثيراً إلى الخيال بالطبع، لكنَّ هذه الدراسة - وما سيأتي بعدها - تحمل وعداً بأن يكون لدينا يوماً ما تطبيق على الهاتف - ربما يحمل اسم دوليتل - يمسح صورةَ وجهِ قطّك ليخبركَ بحقيقة مشاعره، وربما بما هو أكثر!

وحتى يأتي هذا اليوم، ندعو الجميع إلى التمهل قليلاً قبل رثاء كلِّ تلك القطط الباكية، التي أغرقَت دموعُها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى الاستماع إلى النصيحة القديمة الحكيمة لأبي الطيب المتنبي، إذ يقول: إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً فلا تظنَّنَ أن الليثَ يبتسمُ.

المصادر

[1] https://www.nature.com/articles/s41598-019-46330-5 Geometric morphometrics for the study of facial expressions in non-human animals, using the domestic cat as an exemplar

[2] https://en.wikipedia.org/wiki/Grimace_scale 

[3] https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0136000 The Mouse Grimace Scale: A Clinically Useful Tool?

[4] https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0044437 Evaluation of EMLA Cream for Preventing Pain during Tattooing of Rabbits: Changes in Physiological, Behavioural and Facial Expression Responses

[5] https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fvets.2016.00100/full The Assessment of Facial Expressions in Piglets Undergoing Tail Docking and Castration: Toward the Development of the Piglet Grimace Scale

[6] https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0092281 Development of the Horse Grimace Scale (HGS) as a Pain Assessment Tool in Horses Undergoing Routine Castration