"أيام الفن الفلسطيني": تراجيديا الحياة الفلسطينية وجمالها أيضاً!

45 فناناً آثروا التمسّك بأرضهم وتراثهم وحقهم في العودة، من خلال بلاغة تشكيلية تتنوّع ملامحها بين مدارس مختلفة في معرض "أيام الفن الفلسطيني" في دمشق.

  • لوحة لأسامة دياب
    لوحة لأسامة دياب

يعزّز معرض "أيام الفن الفلسطيني"، الذي افتتح أمس الأحد في "صالة الشعب" في دمشق، العلاقة بين التشكيل وقدرته على تصوير عمق المأساة التي ما زال الفلسطينيون يعانون منها، منذ النكبة وحتى يومنا هذا، وذلك عبر تأكيد لغة بصرية مميّزة تدغم القضية بالفن، وتسعى ما استطاعت لتأكيد حيوية الألم وطزاجة التعبير عن التراجيديا المستمرة منذ عقود.

45 فناناً آثروا التمسّك بأرضهم وتراثهم وحقهم في العودة، من خلال بلاغة تشكيلية تتنوّع ملامحها بين مدارس مختلفة من التجريد إلى الرمزية إلى التعبيرية المدغمة بواقعية مميّزة، مُسخِّرين ألوانهم وخطوطهم وتكويناتهم وتقنياتهم وأساليبهم في رسم خصوصية الإنسان الفلسطيني وفرادة بيئته، بكلّ ما يعنيه ذلك من قسوة وألم وجروح وأحزان ما زالت في زمنها الحاضر المستمر. إضافة إلى تصويرهم لمآلات الصمود والتّصدي المستمرين في مواجهة تجبُّر الاحتلال الصهيوني وممارساته الهمجية واللا إنسانية، مع تأكيد فرادة التراث الفلسطيني سواء من ناحية العمارة وديكورات البيوت، أو أزياء الرجال والنساء بجمالياتها الأخّاذة، أو الرموز المتعلقة بالعودة كالمفاتيح، والتي تتصل بالتجذّر بالأرض كأشجار الزيتون، وتلك التي تحيل إلى قيم الشهادة وسخاء البذل في سبيل الوطن.  

لا يقتصر المعرض الذي يستمر حتى 29 أيار/مايو الجاري على التصوير فقط، بل يتعداه إلى النحت والخط العربي، لكن الأعمال جميعها تشترك في التعبير عن نضالات الشعب الفلسطيني وكفاحه الدائم ضد جرائم المُحتل وطغيانه، بحيث أن "أيام الفن الفلسطيني" بات بمثابة ترسيخ فني وتأصيل جمالي للمشاركين به في احتفائهم بــ "يوم الأرض" الذي يوافق 30 آذار/مارس من كل عام. ذاك اليوم الذي انتفض فيه الفلسطينيون ضد الإسرائيليين وممارساتهم التعسفية، وبات هنا مناسبة تشكيلية لتوثيق مآسي الماضي والحاضر وآمال المستقبل بالتحرير والعودة واستعادة الحقوق المسلوبة.  

  • لوحة لحنان محمد
    لوحة لحنان محمد

وإلى جانب تنوّع الأفكار واختلاف آليات تجسيدها فنياً، إلا أنها تشترك في دفاعها عن الوجود الفلسطيني، وقدرتها على تحفيز العلاقة بين أرضية اللوحة أو العمل النحتي وبين الانتماء إلى أرض فلسطين، وأيضاً بتماهٍ واضح بين مواسير الألوان وأطيافها وما تقترحه سماء الأرض السليبة وبياراتها وزيتونها وطين بيوتها، بحيث تستقي الاشتغالات التشكيلية أهميتها من موضوعها أولاً، ومن بنائها الجمالي ثانياً، فضلاً عن أن الحوار الذي يخلقه هذا المعرض بين أجيال من الفنانين، يخلق جواً من التنافس يدفع بدوره إلى الارتقاء بفن التشكيل الفلسطيني عموماً، وهو ما نتلمّسه معرضاً بعد معرض. 

الفنانة التشكيلية، أمل بقاعي، ابنة المناضل الراحل، كمال توفيق البقاعي، قالت في تصريح خاص بـ "الميادين الثقافية" إن: "القضية الفلسطينية خاصة في الزمن الحاضر تتصدر الأخبار جميعها، بمآسيها وآلامها، لكننا كفنانين نعمل من أجل المستقبل، وكي نقول بأننا سنظل موجودين، والقضية الفلسطينية لن تنتهي حتى لو تحرّرنا إن شاء الله، لأن هذا بات جزءاً من حياتنا ومن تراثنا".

وتابعت بقاعي: "لذلك نحاول أن نعطي جمالية لقضيتنا، فهي ليست كلها عبارة عن تراجيديا، بل فيها الكثير من الجمال. حياتنا جميلة وتراثنا أيضاً، ورغم كل المآسي ما يزال هناك أفراح في فلسطين، وحتى في غزة هناك من يفرح، فنحن شعب لا يمكن أن يموت، لأنه يحب الحياة، ومن منظوري الشخصي ينبغي أن أحافظ على الجمالية الخاصة بحياتنا وتراثنا وانتمائنا". 

  • لوحة لسوزان غرير
    لوحة لسوزان غرير

من جهته، أوضح الفنان أسامة دياب أنه منذ عقود لا تمرّ ذكرى "يوم الأرض"، من دون أن يشارك في المعرض المقام بهذه المناسبة، ومنها معرض "أيام الفن الفلسطيني" الذي يعتبر تظاهرة مهمة تصبّ في أن فلسطين باقية في قلوب العالم وضمائر الفنانين التشكيليين السوريين، كما هي باقية في ضمائر الفنانين الفلسطينيين. 

  • ملصق معرض
    ملصق معرض "أيام الفن الفلسطيني" في دمشق

وقال دياب إن: "هذه الأرض لها أولاد وأهل لا بد أن يعودوا إلى حضنها، ولذلك معانٍ كبيرة، أحاول أن أعبّر عنها بعملين فنيين لهما علاقة بمعاني العودة، إلى جانب أقانيم شرقية تمثّل العديد من الأشياء الحياتية الجميلة". 

أما الفنانة التشكيلية، حنان محمد، فقالت في تصريحها لــ "الميادين الثقافية" إن: "إيماننا المطلق في هذا المعرض هو إيصال معاناة أهلنا في غزة عن طريق الفن، وأن نكون صوتهم حين لا يستطيعون الصراخ، وإيصال آهاتهم، فالفن يوصل رسالتنا".

وأضافت "شاركت من خلال لوحة رسمت فيها المرأة الفلسطينية، ليس باعتبارها أماً وأختاً وزوجة بل لكونها حكاية وطن، لذا وضعتها بين البيوت كشجرة صمود تقف بشموخ رغم كل المعاناة والألم التي مرت بها، وهي تمسك بيدها مفتاح العودة بما يرمز إلى الهوية. أما غصن الزيتون الذي يلتف حولها فهو يشير إلى الثبات والتشبّث بالأرض".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك