"خيال صحرا": قناصان في جلسة مصارحة بين أنقاض الحرب

إنه الـ "ديو" المفاجأة بين الفنانين جورج خباز وعادل كرم، في المسرحية الجديدة "خيال صحرا"، التي تعرض طوال شهر آب/ أغسطس الجاري على خشبة كازينو لبنان، على أن تنتقل بعدها إلى المغتربات في جولة تشمل 17 بلداً على مدى ما تبقى من العام الجاري 2024.

  • بطلا العمل: جورج خباز وعادل كرم بثياب الميدان
    بطلا العمل: جورج خباز وعادل كرم بثياب الميدان

العمل الجديد إنتاج طارق كرم، كتابة وإخراج الفنان جورج خباز، والبطولة يتقاسمها مع الفنان عادل كرم الذي أثبت أنه صاحب موهبة درامية أقوى بكثير من صورته الكوميدية الجماهيرية. ونجح الرهان المعقود على هذا الثنائي بدرجة عالية من التناغم مع كيمياء واضحة المعالم أمّنت لأحداث المسرحية أرضية صلبة تمّ البناء عليها بدقة وشفافية أعطت لكل منهما مساحة متساوية في الحضور، وأثمرت دمجاً نموذجياً لموهبتين كبيرتين تمازجتا فأحدثتا صدمة إيجابية عند جمهور متنوع كثيف متلهف طال أطيافه لسعات من الحوارات المتبادلة بين القناصيْن اللذين يرصد كل منهما ضحايا أبرياء من طرفي الحرب اللبنانية التي اندلعت عام 1975 وأعلنت نهايتها.

  • جورج خباز : نص إخراج وبطولة
    "خيال صحرا" نص إخراج وبطولة جورج خباز 

نعم نصّ الفنان خباز شمولي على عادته في كل أعماله المسرحية التي قدمها على خشبته العائدة قريباً "شاتو تريانو". ووجدت مادة الحوار ضحكات ومباركات وتصفيقاً شمل عموم الرواد الذين وفدوا من جهات لبنان كله، فالمسرحية باعت بطاقات الشهر كله منذ الآن، وتكفي إحاطة سريعة بالحضور في ليلة الإفتتاح حتى نتأكد من تنوّع معتاد في الحفلات الجماهيرية، وبالتالي فالشريحة التي يتناولها بعض الحوار كانت تصفق لما تسمعه بما يعني أنّ ميزان النص أشبه بميزان الجوهرجية دقيق، صريح، وغير جارح.

  • عادل كرم حضور درامي أقوى من جماهيريته الكوميدية
    عادل كرم حضور درامي أقوى من جماهيريته الكوميدية

إتفاق وقف إطلاق النار في إحدى جولات الحرب اللبنانية المنصرمة، سمح لقناصيْن في مبنيين متقابليْن بوسط العاصمة، أخذ إستراحة من إصطياد العابرين في مناطق طرفي القتال، والجلوس معاً في منطقة وسيطة بين موقعيهما وشرب الشاي من حواضر ما يتوفر لهما من مستلزماته، وتكون فرصة سانحة لكل منهما كي يهاجم الفريق الآخر واعداً نفسه بربح الحرب في نهاية المطاف، لكنهما سرعان ما يتبادلان الحديث كشابين يمتلكان أحلاماً وردية عن المستقبل الزاهر بعد إنتهاء الحرب، وهنا يكون العامل الانساني حاضراً ينجم عنه الكثير من المواقف الحقيقية والتي أجاد الفنان خباز في صياغتها وإعطائها الطابع الوطني العاطفي.

ولا يتأخر النص عن إنتقاد الأطراف السياسيين والطوائف، ولكن دائماً تحت سقف الاحترام والمفاتحة بنية إيجابية لا تدع مجالاً لمحاولي الاصطياد السلبي أن يحققوا مبتغاهم في توليف أي تهمة لأنّ الحكم الأول والأخير هنا هو الجمهور الذي يعتبر أي ملاحظة أو عبارة تطال شريحته هي من باب المفاتحة والملاطفة ولا تصل أبداً حدود الكرامات، في عمل لم يترك قضية أو موقفاً أو واقعة إلا وقال فيها رأياً، لتكون النهاية محاورة أكثر من صريحة بين القناصين العجوزين إنهما بدون سند، أو إهتمام من الجهة التي عملوا لها، إنها فترة النتائج الفارغة، من دون أي فائدة لهما أو للوطن.

عمل مؤثر وعميق، يحكي أوجاع الوطن لأهل الوطن وكأنها حديث نوستالجيا بين الأهل، بطلها الانسان الذي لم يزل يثق بأنّ الوطن موجود وقوي طالما أنّ هناك من يحبه ويريده.