"عيون إلزا".. ترجمة جديدة لديوان لويس أراغون

الجديد في ديوان أراغون الصورة الشاملة التي تنشأ عن الجهد اللغوي والجهد المعرفي المتمثّل في الشروحات والحواشي التي رافقت القصائد ووضعتها في إطارها التاريخي.

  • ترجمة جديدة لديوان الشاعر الفرنسي المشهور لويس أراغون

كتب في الصحافة العربية الكثير عن دقة الترجمة وجودة اللغة ورشاقة التعامل الأدبي مع الأصل الفرنسي في "عيون إلزا" الصادر عن "دار أطلس" في دمشق (2024)، بريشة المترجم والكاتب المسرحي والإعلامي اللبناني فارس يواكيم.

لكن الجديد ربما يتمثل في تلك الصورة الشاملة التي تنشأ عن الجهد اللغوي المذكور آنفاً والجهد المعرفي الذي تجدر الإشارة إليه هنا والمتمثل في الشروحات والحواشي التي رافقت القصائد ووضعتها في إطارها التاريخي وأعطتها المعاني الأبعد التي تتجاوز مشاعر الحب والعشق والغرام لدى الشاعر الفرنسي أراغون (1897-1982) تجاه زوجته ورفيقة حياته إلزا تربوليه (توفيت عام 1970)، والتي يقول في عينيها في قصيدة الديوان الأولى: "عيناك ما أعمقهما، حين انحنيت لأشرب/رأيت فيهما الشموس جميعاً جاءت تتمرى/وكل اليائسين يرتمون فيهما منتحرين/عيناك ما أعمقهما … فيهما أفقد الذاكرة".

ولا تمر إلا قصيدتان وبضع صفحات حتى يضع الشاعر نقاط المعاني الوطنية على حروف الحب في قصيدة "ليلة دنكيرك" التي يتماهى فيها حب الشاعر مع حب أولئك المقاتلين على الجبهة لحبيباتهم: "مئة ألف حب خافق في قلوب المحاربين البعيدين عن الديار/أتراها تخرس للأبد مئة ألف مرة؟/يا شهداء نخرت أجسادهم سهام الحياة/كم تشبهونني … كم تشبهونني".

لكل مقاتل ومقاوم إذن عينا إلزته الخاصة به، والأهم والمستبطن أن القتال فعل حب حين يكون دفاعاً عن الأرض والعرض. وليس الربط غريباً عن شاعر عشق فرنسا المقاومة لا فرنسا الخانعة، وحارب مع جنودها في الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا، كما قاتل مع مقاوميها عندما سلمها الخانعون من أبنائها للاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية: "ماذا كنت أعرف عن الهزيمة/إذ الوطن حباً محرماً؟/إذ نحتاج إلى صوت مدعي النبوة/لنعي الحياة إلى الأمل المفقود" (قصيدة الدموع تتشابه).

ولا بد من الإشارة إلى أن معادلة الحبيبة الوطن أو الوطن الحبيبة (ودائماً بمعنى الكفاح والمقاومة) تمثل ظاهرةً مشتركةً لدى كبار شعراء اليسار في تلك الفترة من التشيلي بابلو نيرودا (1904 - 1973) إلى التركي ناظم حكمت (1902 - 1963) وصولاً إلى الروسي قسطنطين سيمونوف (1915 - 1979)، وأراغون كان ابن هذه المدرسة وهو المنتمي مذ كان في الثلاثين إلى الحزب الشيوعي الفرنسي.

لكن أراغون ظلم عربياً حين غابت هذه المعادلة حتى صدور الترجمة الأخيرة، حيث كان في التناول العربي أشبه بما يمكن تسميته "مجنون إلزا" مع نفس مقاوم، بينما الحقيقة الجلية في ترجمة فارس يواكيم أن مفردتي "إلزا" يمكن استبدالها بمفردة "المقاومة" أو "الوطن"، من دون أن تنحرف القصيدة عن معناها. فإلزا حاضرةٌ بصيغة "ضمير الغائب" حين يتحدث عن الوطن والمقاومة، والعكس صحيح: "أغنية من الأزمان الماضية/تحكي عن فارس جريح/عن وردة على قارعة الطريق/وصدار (سوتيان) حل رباطه" (قصيدة سيه).

ليس في الأزمان الماضية، بل في كل الأزمان، ليست إلزا أو الحبيبة هي المغتصبة (بحل صدارها) بل هو الوطن المحتل، وليس ثمة من سبيل في الأمس واليوم والغد غير المقاومة .. كي لا يسقط الصدار.