70 عاماً من الحداثة التشكيلية السورية.. واللوحات من دون "سبوت"

كان من المستغرب جداً ألا تُعرض اللوحات المُبهرة في صالة الدار المخصصة للفن التشكيلي، بل عُرِضت في البهو مع إضاءة عامة من دون ولا حتى "سبوت".

يتزامن إطلاق فعاليات الموسم الخامس لـــ "أيام الفن التشكيلي السوري" تحت شعار "70 عاماً من الحداثة" مع مئوية الفنان فاتح المدرس، الذي نجح بإكساب مفاهيم الحداثة في الفن التشكيلي احترامها، حتى عند أكثر الناس تحفظاً، بفضل قوة حضوره الثقافي والإبداعي، وأيضاً مع مرور 70 عاماً على فوز لوحته "كفر جنة" بالجائزة الأولى في المعرض السنوي الثالث عام 1952، والتي اعتبر فوزها بداية لتاريخ الحداثة في الفن التشكيلي السوري.

ورغم أن الحفل الذي أقامته وزارة الثقافة السورية في "دار الأوبرا" يحتفي بهاتين المناسبتين، من خلال معرض استعادي للفنان المدرس ضمَّ 8 لوحات من مقتنيات الوزارة هي كفر جنة (1952)، المسيح يعود إلى الناصرة (1980)، حلب (1981)، الملاك (1983)، إلى صيدا (1985)، شهود السيد المسيح (1989)، الدراويش  (1993)، بدوية من الجزيرة (1997)، إلا أنه كان من المستغرب جداً ألا تُعرض تلك اللوحات المُبهرة في صالة الدار المخصصة للفن التشكيلي، والمُجهَّزة بما يليق بتلك الأعمال، بل عُرِضت في البهو أمام الصالة الرئيسية مع إضاءة عامة من دون ولا حتى "سبوت" واحد على أي من اللوحات، بحيث لم نستطع تلمُّس جماليات ألوانها وتكويناتها، ولا حتى رهافة خطوطه وحساسية ضربات فرشاته على أقمشة لوحاته.

الأمر ذاته تكرر مع العرض البصري الذي رافق المقطوعة الموسيقية الشفيفة التي ألَّفها عدنان فتح الله خصيصاً لهذه المناسبة، وأدتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية. إذ اقتصر على عدد بسيط من لوحات فاتح المدرس، تتوالى وراء بعضها ببساطة، على شاشة صغيرة في عمق خشبة دار الأوبرا، وكأن  كل شيء تم على عجل وبأبسط ما يمكن، من دون جهد حقيقي في إبراز الثورة التي حققها "الفنان المعلم" في خارطة التشكيل السوري، وأثره البليغ في رسم ملامحها، بحضوره القوي وذكاء قلبه وعينيه ورهافة روحه ويديه.

وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوّح حاولت تدارك ذلك الموقف في كلمتها ضمن الحفل والتي أوضحت فيها أن فوز لوحة "كفر جنة" للفنان المدرس عام 1952 بالجائزة الأولى للتصوير، كان تأريخاً رسمياً لانطلاق عصر الحداثة وتحرير الوعي الثقافي في الفن التشكيلي السوري، وإطلاقه إلى آفاق أرحب وأغنى.

ووصفت تلك الحداثة بأنها "تثور بأسلوبها وتقنياتها وأدواتها على المألوف، تحرر الأذهان من القوالب والمفاهيم الفنية التقليدية، وتُجَرِّؤها على التجديد في الأدوات والرؤى والأساليب، لكنها في آن معاً، تنهل موضوعاتها من أصالة البيئة ومَعين التراث، إذ لا وجود لفنٍ بلا واقع أو تقاليدٍ عميقة الجذور، تلك هي خلاصة تجربة فاتح المدرس، وتلك هي وصيته للأجيال من بعده".

وقالت مشوح: "منذ ذلك الحين والحداثة تتلالى وتغني حياتنا التشكيلية برؤى وأساليب فنية وأكاديمية، وظهرت أسماء لمعت واحتلت المكانة التي تستحقها بجدارة، لاسيما تلك التي حافظت على هالة الأصالة بتجدد إبداعي".

وأوضحت وزيرة الثقافة السورية أن احتفالية هذا العام ستكرس مفهوم الحداثة في عدد كبير من المعارض والملتقيات والورشات والندوات واللقاءات الحوارية التفاعلية والمحاضرات، التي تتناول حياة المدرس وأوجه إبداعه الفني والأدبي على حد سواء، وماهية الحداثة وعلاقتها بالبيئة والتاريخ والأصالة في بناء العمل الفني التشكيلي، وكيفية إبرازها لقيمته، وثقافة اللون ومعانيه، كما تطرح للمرة الأولى مشكلة تزوير اللوحات الفنية، وكيفية التصدي لها.

كما تضمن الحفل أيضاً تكريماً لثلاثة فنانين هم النحات عبد السلام قطرميز، والغرافيكي طلال عبد الله، ومصمم الديكور مجدي الكزبري، إضافة إلى تكريم 3 فنانين راحلين هم: ألفرد حتمل (1934 - 1993)، عز الدين همت (1938 - 2016)، عبد الكريم فرج (1943 - 2021)، وتم عرض نماذج من أعمالهم في البهو أمام قاعة الدراما وأيضاً من دون طريقة عرض تليق بأهميتها.

ويقام في إطار "أيام الفن التشكيلي السوري" عشرات المعارض في المراكز الثقافية ومراكز الفنون التشكيلية والمتاحف وصالات العرض العامة والخاصة، في كل المحافظات السورية، ولفتت مشوّح إلى أن ذلك "مؤشر مهم ومبشر بالخير، يدل على انتعاش الحركة التشكيلية بالرغم من  كل الظروف، التي لا مفر من العمل وتضافر الجهود وابتكار الحلول للخروج منها وتوفير بيئة مناسبة للإبداع".

كما أعلنت عن قرار اللجنة التحضيرية لهذه الفعالية بعودة المعرض السنوي العام الذي سيقام في قاعة العرش ضمن قلعة دمشق، ويجتمع فيه معرضا الخريف والربيع بمعرض واحد، مُبَرِّرةً "كي يظل إبداع شيبنا مزهراً في ربيع دائم، وتزداد تجربة شبابنا نضجاً وعمقاً، لا فصل بين ربيع الفن التشكيلي وخريفه بعد الآن، ولدعم الفنانين الشباب، سيتم إقامة مسابقتي البورتريه في قلعة دمشق والبوستر في مكتبة الأسد الوطنية".

وكعادة وزارة الثقافة السورية، فإنها تحتفي بالسينما من خلال عرض مسرحي، وتقيم معرضاً تشكيلياً احتفاءً بالمسرح.

واختتم حفل إطلاق الأيام التشكيلية السورية بوصلة موسيقية لمدة نصف ساعة تضمنت موشحات وأغانٍ تراثية وعربية، منها أغنتي "سواح" التي أداها الشاب رماح شلغين، و"العيون السود" بصوت مايا زين الدين، إلى جانب مقطوعات موسيقية عدة لمؤلفين عرب وسوريين منها مقطوعة "أهكذا كانت" تأليف وتوزيع عدنان فتح الله، و"أحلام اليقظة" تأليف وتوزيع مهدي المهدي.