أدب الطفل: لماذا لا نهتمّ به بمقدار اهتمامنا بأطفالنا؟

على الرغم من أهميته التربوية والنفسية، لا يحظى أدب الطفل في البلدان العربية بالاهتمام الكافي. ما هو دور المدارس في ترسيخ دوره؟ وهل هناك مؤسسات وجهات تقدّم له الدعم اليوم؟

  • للأدب تأثير كبير في تربية الأطفال بسبب
    للأدب تأثير كبير في تربية الأطفال بسبب "القوة الكامنة في الحكايات"

يكثر الحديث عن تراجع نسبة القراءة في العالم بصورة عامّة، وفي البلدان العربية بصورة خاصة، لكن قلّما يتمّ البحث في أسباب ذلك، والعمل على معالجتها. يؤدّي النمط الاستهلاكي للحياة التي نحياها، وإيقاعها السريع، دوراً كبيراً في هذا التراجع، إذ ينصرف الأهل إلى العمل أكبرَ عددٍ ممكنٍ من الساعات من أجل تأمين الاحتياجات المتزايدة للعائلة، بينما يتلهّى الأولاد بألعاب الفيديو ومشاهدة التلفزيون، ليصير الكتاب المدرسي بعيداً عن اهتمامهم، فكيف بالقصص وكتب الأطفال؟

من جهةٍ أخرى، تغيب كتب الأطفال وحصص القراءة الحرّة عن المنهاج المدرسي، وتعاني مكتبات المدارس الهجرانَ، فيبتعد الطفل عن الكتاب منذ الأعوام الأولى من عمره، إن لم يوجّهه أهله نحو هذا الخيار، من خلال جهدهم الذاتي ومتابعتهم الخاصّة، وهو ما يندر أن نراه.

الأهمية التربوية والنفسية لأدب الطفل

  • الكاتبة رانيا أناييل زغير
    الكاتبة رانيا أناييل زغير

توضح الكاتبة والناشرة المتخصِّصة بأدب الأطفال، رانيا أناييل زغير، في حديثها إلى "الميادين الثقافية"، أنَّ هذا النوع من الأدب "يهدف إلى تقديم خبراتٍ لغويةٍ وحياتيةٍ وعاطفيةٍ، تسمح للطفل بمواجهة قضايا وقيم ومواقف تساعده على التعرف إلى العالم من حوله". وتحدّد صاحبة قصة "حلتبيس حلتبيس" هدفها من الكتابة للصغار، بالقول: "أريد أن أقدّم قصصاً تحمل أجوبةً عن الحالات العاطفية والوجودية التي يعيشها الطفل، كما تؤدي إلى نموه العاطفي، وإلى تعزيز شعوره بالتعاطف مع الآخرين".

وتضيف المحرّضة على القراءة، بحماستها المميزة: "أريد أن أُثري مكتبة الطفل العربية بمادَّةٍ أدبيةٍ تشجع على القراءة الطوعية، وتجعلها أكثر شيوعاً بين عدد من الشرائح الاجتماعية في المنطقة، كما أريد لأدبي أن يكون أداةً للمواساة والسلوى، وأن يكون له أهميةٌ كبيرةٌ في حالات النزاعات والفقر". 

وفي مسعى يعكس ارتباط أدبها بالواقع العربي عموماً، واللبناني خصوصاً، والجرأة والتجديد المسؤولَين اللذين يحملهما، تقول زغير: "أردت أن أعالج موضوع الطائفية بأسلوب رمزي غير مباشر، بهدف إثارة نقاشات بين القارئ الطفل من جهة، والأهل أو المعلمة من جهة أخرى"، وتسأل: "إن لم يتعلم الأطفال كيفية مناقشة مواضيع حساسة وهم صغارٌ، فمتى يتعلمون ذلك؟ في الجامعة؟ لا أظن!".

"أدب الطفل من أخطر وسائل التأثير في الأجيال، لتربيتها بحسب الأفكار التي تعكس أهداف الشعوب، وأدب الطفل الصهيوني لم يُغفل هذا الجانب، بل قام بتنميته، وجعله وسيلةً رئيسةً من وسائل إعداد أجياله، بما يهدف إليه من غايات".

من جهتها، تؤكّد الكاتبة ماريا دعدوش، في حديثها إلى "الميادين الثقافية"، أنَّ "للأدب تأثيراً كبيراً في تربية الأطفال بسبب "القوة الكامنة في الحكايات". فالحكايات تغيّر منظور الناس، وتشكّل آراءهم وتؤثّر في تصرفاتهم. لذلك، حتى الكتب السماوية استندت إلى الحكايات للتأثير في البشر".

وتشدِّد صاحبة سلسلة "كارمة كاراميلا" على أنَّ "الإقناع في أدب الطفل أمرٌ بالغُ الأهمية، وكذلك كتابة قصصٍ ذات صدقيةٍ عاليةٍ تحترم طريقة تفكير الأطفال، بحيث يكون هناك توافق عندما يقيسون ما قرأوه على ما يعيشونه".

وللدلالة على الأهمية الكبيرة لأدب الطفل، تقدّم الكاتبة رانيا أناييل زغير مثالاً يبيّن أنَّ "أدب الطفل من أخطر وسائل التأثير في الأجيال، لتربيتها بحسب الأفكار التي تعكس أهداف الشعوب"، فتشير إلى أنَّ "أدب الطفل الصهيوني لم يُغفل هذا الجانب، بل قام بتنميته، وجعله وسيلةً رئيسةً من وسائل إعداد أجياله، بما يهدف إليه من غايات".

قصور المناهج المدرسية وتزايد حركة النشر 

  • الكاتبة ماريا دعدوش
    الكاتبة ماريا دعدوش

يُمضي الطفل في مدرسته يومياً ساعاتٍ أكثر كثيراً مما يُمضيه في بيته، رفقةَ أهله. لذا، فإنَّ من المفترض بالمدارس أن تضطلع بالدور الأكبر في إعداد الطفل، ليس عبر الجانب التعليمي فقط، بل من جهة تنمية الجانبين النفسي والثقافي لديه.

تلفت الكاتبة ماريا دعدوش إلى نقطةٍ مهمَّةٍ موجودةٍ في المناهج المدرسية الغربية، وهي اهتمام القيّمين عليها بمواكبة الإصدارات الجديدة، وتضمينها في مناهجهم التي يهتمّون بتحديثها باستمرار، فتقول إنّه "عندما تحصل قصّةٌ ما على جائزةٍ معينةٍ، تُصبح، على نحو شبهِ أوتوماتيكيٍّ، مقرَّرةً في كثير من المناهج المدرسية، سواءٌ ككتابٍ تعليميٍّ يدرس فيه الطلاب، أو ككتابٍ رديفٍ يوضَع في مكتبة المدرسة، ويتمُّ توجيه الطلاب إلى قراءته".

وتسأل صاحبة قصّة "أريد أُمّاً أخرى": "ما الذي يمنع وزارات التربية في البلدان العربية من التواصل مع الناشرين من أجل تضمين كتب الأطفال، التي أثبتت نجاحها، في المناهج التعليمية، بهدف رفع ذائقة الطفل الأدبية، فضلاً عن التأثير في تربيته وتوجيهه نحو حبّ القراءة"، وخصوصاً أنَّ "العبارات والنصوص في المناهج التعليمية معلّبة وقديمة، وطرائق إعطائها نمطية، فقدت بالكامل تأثيرها في الطفل"، بحسب دعدوش.

"العبارات والنصوص في المناهج التعليمية معلّبة وقديمة، وطرائق إعطائها نمطية، فقدت بالكامل تأثيرها في الطفل".

بدورها، تشكو زغير، صاحبة قصة "سيسي ملاقط تلبس خروفاً ودودتين"، أنَّ المدارس، بصورة عامّة، تكرّس الكتاب المنهجي، الأمر الذي يجعل كتب أدب الأطفال عاجزةً عن اختراق المناهج التعليمية، ما عدا بعض المدارس الأجنبية في دول الخليج العربي، لكنَّها، في المقابل، تشير إلى أنَّ "التأليف الأدبي في لبنان والعالم العربي يتَّسم بالحيوية، التي تتجلى في تعدُّد التوجهات، بين الكتابات التقليدية والتجديدية والمختلفة". وتستدرك بأنَّ "غياب الدراسات الوصفية والتحليلية بشأن أدب الأطفال ونوعيته، وعدم مناقشة القضايا المعاصرة فيه، يُعيق تطور هذا المجال".

من جهتها، تنوّه الكاتبة ماريا دعدوش بـ"الجهود الكبيرة، التي يقوم بها الناشرون الملتزمون، من أجل إضافة محتوىً راقٍ إلى أدب الطفل العربي". وتوضح أنَّ "أكثر كتب الأطفال الناجحة هي خلاصة مئات الساعات من العمل المشترك بين الكاتب والرسّام والمخرج والمدقق ودار النشر".

مؤسسات الدعم وتأثير الجوائز 

  • يتركّز الاهتمام العربي بأدب الطفل على الحجر أكثر من البشر
    يتركّز الاهتمام العربي بأدب الطفل على الحجر أكثر من البشر

ما يواجه الأنواع الأدبية غير الروائية، من شعر وقصة قصيرة ومسرح وغيرها، من صعوباتٍ في النشر بحجّة عدم البيع، يواجه أيضاً أدب الأطفال، وخصوصاً أنَّ كتاب الطفل مكلفٌ أكثر من الكتاب العادي على الرغم من صغر حجمه وقلّة عدد أوراقه، وذلك بسبب حاجته إلى الألوان والرسوم، وإلى نوعٍ خاصٍ من الورق. وهنا يبرز دور الدعم الحكومي، أو دعم المؤسسات المموَّلة من جهات غير حكومية.

لا ترى رانيا أناييل زغير، الحائزة جائزةَ معرض بيروت الدولي للكتاب، وجائزةَ مهرجان برلين الأدبي، أيَّ "فتفوتة" (جزء صغير جداً) من الاهتمام أو الدعم. تسأل: "كيف يتجسّد هذا الاهتمام؟ ما هي مؤشراته أو علاماته؟"، وتردف: "أعتقد أنَّ الاهتمام محصور فقط بنِيَّةٍ حسنةٍ في الاهتمام بأدب الأطفال، وهذه النية تشع من وقتٍ إلى آخر عبر تبنٍّ مبتورٍ لهذه القضية من جانب المعنيين. ففي لحظةٍ معينةٍ، يقررون تشييد المكتبات ويُغرقونها بالكتب، لكنهم ينسون القارئ وسلوكياته القرائية. وبالتالي، فإن ما يقومون به هو شغل على الحجر، وليس البشر". 

ولتدعيم كلامها بالأدلة، تورد زغير مثالاً بسيطاً وواضحاً، وهو أنّه "ليس هناك أيُّ معرضٍ متخصِّصٍ بكتاب الطفل في العالم العربي، على نسق معرض بولونيا لأدب الأطفال مثلاً، والذي يقام سنوياً في إيطاليا، ويمنح جوائز متعدّدة لكتب الأطفال".

كتاب الطفل مكلفٌ أكثر من الكتاب العادي على الرغم من صغر حجمه وقلّة عدد أوراقه، وذلك بسبب حاجته إلى الألوان والرسوم، وإلى نوعٍ خاصٍ من الورق.

نمطٌ آخر من الدعم يمكن أن تقدّمه الجوائز، في جانبيه الرمزي المعنوي والمادي، سألنا عنه الكاتبة ماريا دعدوش، التي فازت مؤخراً بـ"جائزة الشيخ زايد" - فرع أدب الطفل، بالإضافة إلى نيلها جوائزَ عربيةً وأجنبيةً أخرى في أوقاتٍ سابقةٍ، فأكّدت أنَّ "للجوائز دوراً كبيراً في عدة أصعدة، وتكاد تكون المحرّك الأهم في صناعة النشر". وبيّنت أنّ هذه الجوائز "عندما تختار أنواعاً أدبيةً لا تلقى الاهتمام والرعاية الكافيَين، مثل القصص الشعبية أو التاريخية، أو الخيال العلمي، أو أدب الرحلات أو اليوميات، فهي تعيد إحياء هذه الموضوعات". 

وتابعت دعدوش أن الجوائز، في مجال أدب الطفل بصورة محدَّدة، "تحفّز الكاتب، مادياً، على كتابة أفضل ما عنده، وبذل مزيدٍ من وقته في البحث والإبداع، وتحفّز الرسّام على أن يستثمر طاقته. وتشجّع الناشر على الإنفاق بكرمٍ على الكتاب، على أمل أن يأتي منه مردودٌ أكبر".

في النهاية، تتوجه الكاتبة والناشرة والمحرّضة على القراءة، رانيا أناييل زغير، إلى الأهل بالنصيحة التالية: "أهم نصيحة يمكنني إعطاؤها للأهل، لتساعدهم على اختيار ما يقرأه طفلهم، هي أن ننطلق دائماً من اهتمامات طفلنا. علينا أن نحترم خيارات أطفالنا، حتى لو كانت تتضارب مع ذوقنا الأدبي، وما نرى أنّه مهمٌّ أو مفيدٌ".