أن تكون مصاباً بالزهايمر

"إنَّ هذا المرضَ أرستقراطيٌّ جدًا، وإنَّ عددًا من صفوة الصفوة في الغرب قد أصيبوا بهِ".

  • رواية
    رواية "الزهايمر"للأديب الراحل غازي القصيبي.

"الزهايمر" هي رواية قصيرة من روايات الشاعر والوزير السعودي الراحل غازي القصيبي، من 127 صفحة، وهي آخر رواياته، وتتألّف من 12 رسالة كتبها شخص يُسمَّى يعقوب العريان، بطل الرواية، لزوجته. 

يسرد يعقوب لزوجته يومياته التي يعيشها وهو مُصاب بداء الزهايمر، عبر رسائل يبعثها  من الولايات المتحدة الأميركية، حيث سافر إلى هناك ليواجه المرض بعيداً عن عائلته.

في هذه الرسائل يتعرَّض الكاتب لعدد من القضايا الحساسة، مثل قضية المراهقة والقضية الفلسطينية والسياسة الأميركية.

تبدأ أحداث الرواية عندما يقف يعقوب العريان أمام بائعة العطور ويحاول تذكّر اسم عطر زوجته المفضل، ومما جاء في الرواية: "يقف يعقوب العريان أمام بائعة العطور؛ ليشتري زجاجة من عطر زوجته المفضل "اكسنتركس"، تسألهُ البائعةُ ماذا يريد ويحاول عبثًا تذكّر اسم العطر -عطر زوجته المفضل-، بعد دقائق احمرَّ فيها وجهُهُ، وبدتْ عليه كلُّ علاماتِ الاضطرابِ، غادرَ المتجرَ وهو يَعِدُ البائعةَ التي تبتسم بلطف بأن يعودَ إليها ومعه الاسم مكتوبًا، وودعتْهُ البائعةُ بابتسامةٍ عطوف". 

وجاء أيضًا في إحدى رسائل العريان إلى زوجته التالي: "إنَّ هذا المرضَ أرستقراطيٌّ جدًا، وإنَّ عددًا من صفوة الصفوة في الغرب قد أصيبوا بهِ، وسأكتفي بذكر بعضهم: باري غولدواتر السياسي الأميركي المعروف، وريتا هيوارث النجمة العالمية، وشارلتون هيستون ممثل الملاحم السينيمائية الكبرى، وجوليانا ملكة هولندا، وأشهرهم جميعًا الرئيس رونالد ريغان، وهذا الأخير هو الذي قال: هذا مرض جميل! تقابل الأشخاص أنفسهم وتظن أنك ترى وجوهًا جديدة كل يوم". 

أفاق يعقوب العريان في الصباح وهو يردد بيت شعر للمتنبي :

‏كفى بك داءً أن ترى الموت شافيـاً

‏وحسـب المنـايـا أن يـكـن أمـانـيـا

‏هل نعرف شعور الإنسان عندما يكون مصاباً بمرض لا يشفيه سوى الموت؟ من الطبيعي جداً أن تدور خواطر الموت في ذهنه، ‏يقول العريان في رسالته لزوجته وهو في مستشفى جورج تاون قسم مرضى الزهايمر: إن حالات الكآبة شيء مألوف في ضيافة العزيز الزهايمر، وأنها تأتي وتذهب، بسبب أو بلا سبب، وقد تطول وقد تقصر. 

‏وقام العريان بإعطاء فكرة موجزة عن الزهايمر لزوجته، وكان يقول: هو ليس اسم المرض ولكن اسم الجرّاح الألماني الذي اكتشف المرض، آلويس الزهايمر، في سنة 1906. والفرق بين هذا المرض والخرف، أن الخرف لا يأتي إلا في أرذل العمر، وهكذا أصبح مرض الزهايمر يشير إلى الخرف قبل أوانه، وأثناء وجوده في مستشفى جورج تاون وهو ينتظر أن يتلاشى ماضيه بالتدريج، دخل في نقاش مع أحد المسؤولين الكِبار في أميركا، وهو أيضاً أصيب بالزهايمر وانتهى به الأمر أن يكون مع يعقوب العريان.

‏إن المرض يتطور، ويمكن تقسيمه على نحو ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: يبدأ المريض في نسيان مواعيده ولا يتذكر بعض أحداث الماضي وينطوي في آخر المرحلة.

‏المرحلة الثانية: عجز المريض عن القيام بأمور يدوية مثل شبك الأزارير وفهم الكلمات، وتنتهي في حاجته لمن يساعده في الحركة.

‏المرحلة الثالثة: يعجز في أن يكون انساناً طبيعياً، وتنتهي بأن يصبح كومة بشرية لا تستطيع القيام بأي شيء من دون مساعدة الآخرين.

‏تصوّر أن يصبح المرء عاجزاً عن ربط الحذاء من دون مساعدة الآخرين، أو لا يستطيع دخول الحمام إلا ومعه شخص يعينه، وأن يتكلم ولا أحد يفهمه. في هذه المرحلة يفقد الإنسان كرامته ويتحول إلى خضار. نعم خضروات بشرية، لأن كرامة الإنسان مرتبطة بشكل عضوي مع العقل البشري، وعندما يذهب العقل تلحقه الكرامة.

أعتقد أن غازي القصيبي أطلق على يعقوب لقب العريان لـتعرّيه من ذكرياته وتفاصيل حياته.

من منّا يستطيع أن يتعرى من الماضي كله؟ أن يصبح رجلاً بلا ماضٍ، بلا ذكريات، بلا أمس، تصوّروا ! أن ينسى الإنسان ابتسامة أمه المضيئة أن ينسى ملامح أبيه الرضيّة، أن ينسى كل صديق عرفه، أن ينسى كل حالات الحب التي عاشها، أن ينسى السعادة، وما هي السعادة؟ إن لم تكن مجموع التجارب الماضية ‏عندما يتغلغل الزهايمر في خلايا الدماغ سوف يحرق الماضي بأكمله، لا يفرق بين الشيء الجيّد والشيء السيئ، لا يفرق بين ذكرى القبلة الحامية والطعنة القاتلة، يمحو كل شيء،لا شيء يقف في طريقة، والحب ذلك الشعور النبيل، يفشل أمام ألزهايمر أيضاً.