أورويل يقترح علينا إعداد كوب شاي لطيف

يقدم صاحب رواية "1984" إرشاداته الخاصة التي يَعُدّها الأكثر ملاءمة لصنع الشاي. وبالتالي، يؤكد أن الذوق الشخصي يؤدي دوراً مهماً في السعادة.

"كوب شايٍ لطيف"، هو عنوان مقال كتبه الروائي البريطاني جورج أورويل عن فن صناعة كوب شايٍ مثالي من خلال اتباع قواعده الذهبية الــ 11، والتي يعتقد أنه إذا تم اتباعها، فإننا سنحصل على كوب شاي ممتاز، على الطريقة الإنكليزية.

نُشر المقال لأول مرة في 12 كانون الثاني/يناير عام 1946 في London Evening Standard، وهو موجود أيضاً ضمن كتاب "لماذا أكتب؟"، يتضمن عدداً من مقالات لأورويل.

إريك آرثر بلير، ‏وهو الاسم الحقيقي لأورويل، اشتهر بالوضوح والذكاء، وربما تشعر بالإشباع من كثرة الصور المرئية التي تكاد تراها عند قراءة مقالاته، إلّا أن هذا المقال بالتحديد يحمل رسائل ربما لا يمكن فهمها إلا عبر إسقاط تجربة صناعة كوب الشاي بين مختلف الحضارات، وملاحظة تفاصيل صغيرة في عملية ربما تكون للبعض أبسط ما يمكن. 

تتجاوز مقالة أورويل مجرد عملية صنع كوب من الشاي وتتعمق في الجوانب الثقافية والشخصية المرتبطة به، فالدقة المطلوبة في إعداد كوب مثاليٍ من الشاي، وتعليماته التفصيلية، تعكس اهتمامه بالتفاصيل وتقديره أدق الأشياء في الحياة.

يعتقد صاحب "مزرعة الحيوان" أن الشاي هو إحدى الركائز الأساسية للحضارة بصورة عامة، وليس فقط في بريطانيا. ومن الغريب ألا يذكر أي من كتب الطبخ طريقة جيدة لصنع هذا المشروب المهم للغاية، على الرغم من أن أفضل طريقة لصنع الشاي هي محل خلاف كبير في جميع أنحاء العالم. 

ويعتقد الجميع أن أساليبهم هي الأنسب، حتى إن أورويل نفسه، كونه عاشقاً للشاي، لديه وصفته الخاصة في هذا الشأن. وبعيداً عن البعد الثقافي البريطاني الذي يسرده أورويل عن الشاي، فهو يعرض أيضاً المتعة الشخصية والراحة التي يمكن أن يوفرها كوب من الشاي، ويصف الآثار المهدئة لهذا المشروب وقدرته على توفير العزاء في أوقات التوتر.

ربما، لوهلة، وبينما أنت تقرأ هذا المقال، ودقة التوصيف التي اعتمدها في سرد خطوات إعداد كوب الشاي، ستتخيل طقوس إعداد الشاي الياباني. عندها ستدرك أن الحضارات يمكن أن تصنع من أشياء تُعَدّ عند بعضنا أمراً روتينياً، طقساً يصل إلى مرحلة التقديس. لكن ماذا بين السطور في هذه المقالة؟ وكيف صنعت تميزها بين مقالات أخرى؟

يبدو أن تركيز أورويل على الدقة في صنع الشاي يعكس اهتمامه بالتفاصيل في الحياة. فمن خلال تأكيده أهمية استخدام أوراق شاي عالية الجودة، وغلي الماء العذب، ونقع الشاي وقتاً كافياً، ثم استخدام حليب منزوع القشدة، يقول أورويل إن الاهتمام بالأمور الصغيرة يمكن أن يؤدي إلى قدر أكبر من الرضا والمتعة في الحياة.

تأكيد الروائي البريطاني أهمية الشاي الثقافية في المجتمع البريطاني من خلال مناقشة الجوانب التاريخية والاجتماعية المرتبطة بشرب الشاي، يسلط الضوء على دوره كرمز للهوية والتقاليد البريطانية، على نحو يشير إلى أن الممارسات والتقاليد الثقافية يمكن أن توفر شعوراً بالانتماء والاستمرارية في عالم دائم التغير.

عندما وصف أورويل تأثيرات الشاي المهدئة أوحى إلينا في القدرة على إيجاد العزاء في الملذات البسيطة في عالمٍ مليءٍ بالتعقيدات، بحيث يمكن أن يؤدي إمضاء بعض الوقت للاستمتاع بفنجان من الشاي إلى الشعور بالراحة والهدوء حتى في أصعب الظروف.

ويقدم صاحب رواية "1984" إرشاداته الخاصة التي يَعُدّها الأكثر ملاءمة لصنع الشاي. وبالتالي، يؤكد أن الذوق الشخصي يؤدي دوراً مهماً في السعادة، عبر اتباع الحكم الخاص واتخاذ الخيارات بناءً على تفضيلاتنا الفردية، بدلاً من اتباع التقاليد على نحو أعمى مهما كانت النتيجة، حتى ولو شعرت بمرارتها. فالشاي، كما يقول، يجب أن يكون مراً وثقيلاً حتى تتذوق طعمه.

يمكن اعتبار مقالة أورويل بمثابة تشبيهٍ للحياة نفسها، فتطبيق قواعد محددةٍ لإعدادٍ دقيقٍ، والاهتمام بالتفاصيل والتقدير للعملية من جوانب متباينة بدلاً من التركيز على النتيجة النهائية فحسب، هما التوصيف الحقيقي لرحلة ناجحة ومُرضية في الحياة.