"ابتسامات" نزار عثمان : تحدٍّ وصمود وإصرار على الحقّ

المعرض بمضمونه وفترة إقامته، جاء رافداً لتطورات غزة المأساوية، وكأنه محاولة كشف مسبقة للمجازر التي ارتكبها الإسرائيلي في الحياة المدنية الغزاوية، يجدّد فيها تأكيد همجيته وهويته التاريخية.

يقيم الفنان السوري نزار عثمان (1974) معرض "ابتساماته" في غاليري "زمان" ببيروت، بـــ 28 لوحة فنية، بعنوان "ابتسامات"، وهي تعبيريات يطغى عليها اللون الأحمر، تشبه إلى حدٍّ بعيد أعمال الكاريكاتير، المجال الفني الذي انطلق منه عثمان ومارسه في الصحافة.

لكن موسى قبيسي، مؤسس الغاليري وصاحبه، أوضح أن "العنوان الأساس للمعرض كان "ولد ذو 50 ربيعاً"، فإذا نظرنا إلى المعرض فهو عودة إلى الطفولة"، كما قال لــ "الميادين الثقافية"، مضيفاً أنه أطلق تسمية "نيزاروس" على الفنان عثمان بموافقته والتنسيق معه.

ويرى قبيسي أن "نيزاروس"،  "فنان جريء كما عهدناه، خصوصاً هذه المرّة بعودته إلى الطفولة، بطريقة مميزة".

ويجدّد المعرض التساؤل عن الحدس الذي يتمتع الفنان به، وكأنه يتحسّس حدوث التطورات قبل وقوعها، فالعودة إلى الطفولة كمعرض جرى التحضير له قبل العدوان على غزة؛ من البديهيات أن يستغرق معرض واسع الأعمال فترات زمنية طويلة، ولا يستطيع الفنان، مهما برع، أن يهيّء مادة المعرض بأسابيع. 

لكن المعرض بمضمونه وفترة إقامته، جاء رافداً لتطورات غزة المأساوية، وكأنه محاولة كشف مسبقة للمجازر التي ارتكبها الإسرائيلي في الحياة المدنية الغزاوية، يجدّد فيها تأكيد همجيته وهويته التاريخية.

بين الوجوه التي يشوبها الحزن، يُعْطى المعرض عنوان "ابتسامات". مفارقة تضاف إلى حدس الفنان، ليتميّز بصفته الفنية عن باقي الممارسات والهويات. أما "نيزاروس" (عثمان)، فيرى في الابتسامات العديد من المعاني والأبعاد، وهي في نظره "ليست فعل فرح وحبور فقط، بل تعني أيضاً، عنوان تحدٍّ، وصلابة، وتمسُّكاً بالثوابت الوطنية والانسانية، وتذليلاً للصعاب والمواجهة".

ونظراً لحالة الإبادة التي يمارسها الصهاينة ضد شعبنا في غزة، يعلن "نيزاروس" لــ "الميادين الثقافية" أنه "لم يكن هناك افتتاح للمعرض تضامناً مع الدم الطاهر لأهل غزة، ولا سيما الأطفال"، ويعتقد أن "الابتسامات تأتي تضميداً للجراحات، ووفاء لإخلاص المقاومين وجهدهم".

ويقول إن: "العمل على إنتاج الابتسامة وسط هذا الدمار المستشري من قبل الصهاينة، إنما يمثل تمسّكاً بالحياة، ودفاعاً عن الثوابت الوطنية والانسانية والدينية".

 

وبالنسبة للعودة الى الطفولة، فهو يجد فيها تأكيداً أنه من رحم الدمار تولد الحرية، وبظلال القهر تبرز البطولة. فقد أثبتت التجربة أن أطفال غزة على سبيل المثال، يظهرون بمظهر الثابتين على الخصوصيات والثوابت، ويمثلون عنواناً للتصدي، والطفولة تمثل البدء والانطلاق نحو أمل مشرق"، ذلك أن الطفولة هي "مشروع وطن ومشروع أمة، ومشروع مقاومة تستمر ليستمر معها عطاء شعبنا المقاوم".

ثم يتناول عثمان طابع المعرض المتراوح بين الكاريكاتوري والتعبيري، فيرى أنه "قد لا يصحّ وصف المعرض بأنه عنوان للكاريكاتير، بطريقة معينة، بل ينتمي الى المدرسة التعبيرية في الفن التي قد تتلاقى بطريقة أو بأخرى مع فن الكاريكاتير، وتختلف عنه ببعض الامور".

إذ ثمّة قواسم مشتركة وتمايزات بين الطابعين الفنيين، التعبير والكاريكاتير، فـــ "التعبيرية تقوم بالغالب على التشويه، والمبالغات في تصوير الشخوص، وكذلك الكاريكاتير، غير أنهما يختلفان من حيثيّة "المباشرة"، والتضمين بين الكاريكاتيري والتعبيري".

بدأت حياة عثمان الفنية بالكاريكاتير، وفاز بمجموعة من الجوائز الدولية من جامعة "غوانكسي" في الصين، ومن المسابقة الدولية للكاريكاتير في سوريا، وجائزة تكريم خاصة في المسابقة الصحفية الدولية في البوسنة سنة 2008.

وانتقل بعد ذلك الى الفن التشكيلي موفِّقاً بين عمله الفني التشكيلي، وبين الرسم الكاريكاتيري لعدة مواقع وجرائد منها "البناء" اللبنانية.

ويصف التوافق بين معرضه وأحداث غزة بالتقارب والتطابق غير المقصودين، إلّا أن حالة الشخوص الباسمة في المعرض تصب بعنوان تصدير المشهد باتجاه الطفولة، ومحنتها في بلداننا العربية، ذلك أن الطفولة مهدورة في العديد من الاقطار، حيث يتم استغلال الاطفال في العمل، ومنعهم من الدراسة، وحق التعليم وما إلى ذلك.

وبالنسبة للكاريكاتير يرى عثمان أنه يحمل في طياته رسائل مباشرة عديدة، فهو كما قال بعض الباحثين يمثل "المزج المتناغم بين المتناقضات". ويقدم أمثلة على ذلك مثل أن تربط خرطوم الفيل، برسمك مع حنفية المياه.

ثم يفنّد فن الكاريكاتير بــ 3 اقسام: كاريكاتير شرقي، وكاريكاتير غربي، وكاريكاتير أميركي. ويغلب على الكاريكاتير الشرقي عنوان الصمت، أي من دون تعليق مع جودة عالية بالرسم. أما الغربي فهو القائم على التعليق ومن دون التعليق لا يمكن فهم رسالة الكاريكاتير، والأميركي فهو الذي يمزج بين المدرستين الشرقية والغربية..