الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل": دراسة تحليلية منهجية
يكشف كتاب الحرب الإعلامية أن الخطة الإسرائيلية كانت معدّة للتنفيذ العملي في نهاية صيف العام 2006، أي بعد انتهاء الموسم السياحي في شمال فلسطين المحتلة.
-
الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل": دراسة تحليلية منهجية توثق مرحلة مضيئة
الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل"، دراسة تحليلية لخطب السيد حسن نصر الله خلال حرب تموز، وكتاب جديد للدكتورة باسمة عيسى، أبصر النور بعد جهد بدأ في العام 2006 عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفي محاولة من المؤلفة لدرس وتحليل ( الخطاب ولعبة الحرب الإعلامية) بطرق وأساليب علميّة منهجية، للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال الحرب، من خلال البحث في الأسلوب والتوجه الإعلامي والنفسي والدّعائي والحربي والسّياسي، الذي قام به السيد أثناء الحرب، للتأثير على العدّو الإسرائيلي في شتّى الجوانب. والدور الكبير والتطوّر الواضح الذي لعبه السيد نصر الله، على الساحات اللّبنانية والعربيّة والدّولية، وفي التأثير على الشعب اللّبناني، وخصوصاً أبناء الجنوب ورفع معنوياتهم من جهة، وإحباط معنويات الإسرائيليين وجنودهم، من جهة أخرى.
لعبة السيد الإعلامية والنفسية
تشير الدكتورة باسمة عيسى إلى إشكالية تتصل بموضوع الكتاب لناحية تحليل الخطاب الإعلامي وإتقان اللعبة والمنهجية العلمية للسيد حسن نصر الله خلال الحرب السادسة على لبنان، كحرب إعلامية ونفسية عدا كون الانتصار فيها تاريخياً في مواجهة مباشرة، فقد كانت مفصلية لتأسيس تغيير جذري في صورة المقاومة الإسلامية في لبنان، وصولاً إلى العام 2024 بعد عملية الإسناد على الجبهة اللبنانية وملاقاة "طوفان الأقصى" في فلسطين المحتلة في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي يجب رصدها وتحليلها بصورة مختلفة.
كتاب الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل"، للدكتورة باسمة عيسى، صادر عن دار "روافد"، بمنزلة دراسة تحليلية مسحيّة شاملة للخطابات التي ألقاها السيد حسن نصر الله خلال فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتتمثل هذه الخطابات (اثنا عشر خطاباً)، ودراسة علمية أكاديمية، تأسست على مبادئ تحليلية مسندة بالأرقام والحجج والبراهين، مبتعدة عن العشوائية والآراء السّياسية المتضاربة في أغلب الأحيان.
قسمت المؤلفة د. باسمة عيسى، كتابها إلى أربعة فصول،
الفصل الأول: للحديث عن الصراع اللبناني-الصهيوني منذ العام 1948 حتى تحرير الجنوب عام 2000، حيث خاض لبنان حروب عدة مع العدو، لأسباب مختلفة، وإن اجتمعت في فكرة الانتقام من هزائم سابقة من جهة، والطمع باستغلال لبنان وموارده المائية وخيراته، من جهة أخرى.
جاء الفصل الثاني للحديث عن حرب تموز أو ما عُرف بعملية الوعد الصادق، حيث ذكرت الأهداف العسكرية والأمنية والسياسية للحرب ودوافعها الحقيقية كما يرويها القادة والعسكريون في الميدان.
وكان الفصل الثالث فصلاً تمهيدياً من الناحية المنهجية للدّراسة التحليلية التي أجرتها المؤلفة، لخطب السيد حسن نصرالله خلال فترة العدوان الإسرائيلي، حيث أبرزت المناهج والأدوات المستخدمة في عملية تحليل الخطب التي تصنّف في منهجية البحث العلمي، فضلاً عن عرض اختبارات الصدق والثبات، كما كشفت الدكتورة باسمة، عن الأسلوب المتبع في تحليل البيانات الإحصائية التي استخدمتها في تحليل الخطب المدروسة.
أما الفصل الرابع فهو لتوضيح النظرية المستخدمة في الدراسة التحليلية التي أجرتها المؤلفة على الخطب الاثني عشر للسيد نصر الله، وفيها استخدمت أداة تحليل المضمون وأداة تحليل الخطاب.
التحضيرات والاستعدادات للحرب:
يكشف كتاب الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل"، أن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والعالم، كانت تؤشر إلى احتمال اندلاع حرب كبيرة وشاملة، لا تستثني من آثارها ونتائجها جهة أو فريقاً أو شخصية معارضة، لكن أحداً لم يكن قادراً على تحديد مكان وزمان وحجم هذه النار ومداها، وكانت الترجيحات تميل نحو لبنان باعتباره البوصلة، ونقطة ارتكاز الحملة الأميركية-الإسرائيلية في تلك المرحلة والأجواء مهيأة للحرب.
لذا، لم تكن عملية المقاومة في خطف الجنديين الإسرائيليين مبرراً لشن حرب ضروس، لأنه سبق ونفذت مثل هذه العمليات، وأدت إلى عقد صفقات لتبادل الأسرى والمعتقلين ورفات القتلى والشهداء بين الحزب و"إسرائيل"، عبر قنوات إنسانية أو دبلوماسية غربية، غير أن "إسرائيل" – وبقرار أميركي أيضاً – استغلت العملية في 12 تموز، لتسريع تنفيذ خطة كانت موضوعة في الأدراج وجاهزة منذ سنوات، للانقضاض على المقاومة. وأكّدت المعلومات حينها، كما ذكرت المؤلفة في كتابها، أن خطة الحرب هذه أعدت منذ وقت طويل، فـ"إسرائيل" منذ إنهاء احتلالها لأجزاء واسعة من الجنوب اللبناني كانت تراقب بحذر تعزيز حزب الله وجوده العسكري في المنطقة، و"جيشها" كان مستعداً للرد فوراً على عملية الأسر.
ويكشف كتاب الحرب الإعلامية أن الخطة الإسرائيلية كانت معدّة للتنفيذ العملي في نهاية صيف العام 2006، وتحديداً في تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد انتهاء الموسم السياحي في شمال فلسطين المحتلة، إلا أن مستجدات خطف الجنديين من قبل حزب الله دفع القيادتين العسكرية والسياسية في "إسرائيل" إلى تقديم موعد التنفيذ، وبالتالي أفقدت العملية عامل المفاجأة الذي كان سيلعب دوراً سلبياً في هذا المجال، من هنا طالبت الولايات المتحدة الأميركية، الشريك والمحرض على الحرب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الجنديين، محمّلة إيران وسوريا المسؤولية، باعتبارهما تدعمان حزب الله، وحثت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، زعماء المنطقة، على الاقتداء بالموقف الأميركي، وتوجيه اللوم إلى حزب الله، لأن العملية تهدد السلم والاستقرار في المنطقة، وأن من حق "إسرائيل" الدفاع عن نفسها، وبالموافقة على إطلاق حملتها العسكرية ضد لبنان. أما الموقف العربي فكان غريباً، عندما صنّف عملية المقاومة بأنها مغامرة غير محسوبة.
فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير
حاولت "إسرائيل" أن تختبئ وراء الوضع الأمني لشن العدوان، وهو أسر الجنديين التي ولم تكن مقنعة، لأن كل المعلومات كانت تؤكد أن خطة الحرب كانت معدّة، بعدما وصل المشروع الأميركي للسيطرة على الشرق الأوسط إلى طرق مسدودة، خاصة الإخفاق في العراق، وفشل الانقلاب السياسي في لبنان ونزع سلاح المقاومة، فالأميركيون اعتقدوا أنه باستطاعة "إسرائيل" سحق حزب الله، ما يدفع مشروعهم خطوات إلى الأمام.
ويبرز كتاب الحرب الإعلامية أن الدكتورة باسمة عيسى، أضاءت على الصورة الشاملة التي قدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن الحرب الإسرائيلية السادسة على لبنان، وكانت تستهدف تحليل مضمون كل خطب السيد في فترة عدوان تموز، محاولة استخلاص عدد من النتائج والدلالات التي تؤدي إلى إمكانية إصدار تعميمات بشأن تأثير هذه الخطب على العدو الإسرائيلي في تلك الفترة، كذلك محاولة لكشف ما وراء تلك الخطب، وذلك من خلال الاعتماد على تحليل منهجي للخطاب وتحليل مضمونها خاصة التي ألقاها السيد أثناء الحرب المذكورة، ومعرفة دلالاتها، وذلك بالاعتماد على أدوات التحليل والمتمثلة في تحليل مسارها والبراهين والأطر المرجعية، وتحليل القوى الفاعلة مع إلقاء نظرة تفسيرية للواقع الاجتماعي. ونظراً لأن الحرب الإسرائيلية السادسة على لبنان عام 2006 تعد قضية سياسية وعسكرية أفرزت عدداً من المواقف تباينت بشأنها مختلف الخطابات السياسية التي من ضمنها خطابات السيد حسن نصر الله وسيطرت بصورة تكاد تكون تامة على عمليات التفاعل السياسي في المنطقة خلال وبعد فترة الحرب، وتنوعت فيها الرؤى والمواقف السياسية والتي تجسدت في الخطاب الإعلامي والسياسي للسيد، عبر وسائل الإعلام المختلفة.
أطروحة مسندة بالحجج
تؤكد د باسمة أن خطب السيد حسن نصر الله أثناء حرب تموز كانت بمنزلة الأطروحة ما يدفع إلى تأكيد أحقية المقاومة ضد الاحتلال بالطرق والأساليب المشروعة كافة، أي التركيز على خيار استهداف العدو وضرب أهدافه ضمان إمكانية استرداد الأرض، وتحرير الأسرى وإرجاع رفات الشهداء. ويعزز هذه المنحى ما ذهب إليه السيد في معالجته لأزمة الحرب والعدوان الإسرائيلي على لبنان، وانتهاك حرمته. فقد استند السيد إلى حجج وبراهين، تدعيم الطرح، حيث تُبين الخطب مشروعية المقاومة التي صنعت الانتصار عام 2000، الذي كان وكما تصوره آلة الإعلام والدعاية الإسرائيلية بأنه من المستحيلات، لأن "جيشهم" من الصعب قهره، والواقع أن تفسير تلك الرؤية من خلال هذه الأطروحة والحجج المقدمة من منهج الخطاب يُنظر إليها من حيث كونها الحل الوحيد ضد هيمنة الآلة العسكرية الإسرائيلية وما تقوم به من انتهاكات.
وينتقد الخطاب الدعم الأميركي والدولي والعربي للعدوان على لبنان، ودعوته إلى الخضوع بشروط يريدها العدو، ويُحمّل السيد حسن نصر الله أميركا والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة لقاء ترابطها الصريح والواضح مع سياسة العدو الإسرائيلي العدوانيّة ضد لبنان وشعبه. ومن الحجج المسندة أيضاً، أن منتج الخطاب يعطي تأكيداً بأن الموازين مع العدو الصهيوني قد تغيرت، وأن معادلة الهزيمة التي كانت قبل سنة 1982 وقبل سنة 2000 لم يعد لها وجود، مستنداً في الحديث المباشر عن القدرة العسكرية التي بحوزة المقاومة، بناءً على معطيات الحرب القائمة في لبنان، وعليه فإن كل موازين القوى في المنطقة والعالم ستتغير.
الصدق والصراحة في لعبة الخطاب
كتاب الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل"، يركز على اعتماد منتج الخطاب على مبدأ الصدق والصراحة في حديث السيد، حتى في المواضيع العسكرية الدقيقة، كان السيد يمارس الحرب النفسية وكانت "إسرائيل" تقتل من تشاء وتأسر من تشاء وتقصف كيفما تشاء، هذا لا يمكن أن تقبل به بوضوح، لا يمكن أن نقبل به. ويؤكد السيد أن المقاومة اليوم هي أقوى من أي زمن مضى من 1982 ويشدد على تاريخية النصر وأهميته بالنسبة إلى لبنان وللمقاومة الإسلامية في لبنان، حيث غيّر مشهد هزيمة الصهاينة على يدّ ثُلة مجاهدة تتسلّح بالإيمان وببعض العتاد العسكري والصواريخ الحربية، (غيّر صورة الجيش الأسطوري الذي لا يُقهر، وبات هذا الجيش مقهوراً ذليلاً مهزوماً خاسراً هارباً من أرض المعركة).
كانت خطب السيد حسن نصر الله في المواضيع الاستخبارية والأمنية التي بلغت نسبة الحديث عنها في إجمالي الخطب 25.6 % وقد يعود السبب في ذلك كون السيد حسن نصر الله يركز في خطبه على الحرب النفسية والإعلامية، والرسائل الموجهة مباشرة إلى الداخل اللبناني لبث روح الطمأنينة في النفوس، وفي المقابل، نشر روح الخوف والقلق لدى الأعداء، كما كان يركز على كل ما يتعلق بحماية الأمن داخل لبنان، وداخل الدول المجاورة والدول الحليفة والتعامل مع أمن لبنان وسلامة الشعب اللبناني على أنه خط أحمر. وجاءت في المرتبة الثانية المضامين العسكرية والتي مثلت نسبتها 21.2 % من إجمالي الخطب، وكانت في معظمها تذكيراً وسرداً للعمليات العسكرية التي كان يقوم بها مجاهدو المقاومة الإسلامية في الجنوب ضد جنود الاحتلال الصهيوني، في محاولة منه لسرد مجريات الحرب الميدانية.
المفاجأة جاءت بصورة النصر
ويأتي ذكر المفاجآت والضربات المباشرة التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله بواقع 0.8 % من إجمالي مضمون الخطب، وقد يعود السبب في هذه النسبة إلى أن السيد حسن نصر الله كان في بداية الحرب يتوعد ويهدد الصهاينة بغرض تخويفهم، وهو نوع من الحرب النفسية عليهم. ولكن، مع تمادي الصهاينة، بات الحديث عبثاً، وصار لزاماً عليه أن يقوم بخطوات تثبت صحة قوله وتهديده، فكانت المفاجأة الأولى في البحر حيث دمرت صواريخ المقاومة البارجة الحربية قبالة شواطئ بيروت. ثم تلتها المفاجآت في البر، عند اشتباك أفراد من المجاهدين مع جنود الاحتلال الصهيوني وجهاً لوجه في قرى الجنوب والبقاع.
وأيقونة المفاجآت، عندما كشف السيد (الآن في عرض البحر في مقابل بيروت، البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة، هذه البداية وحتى النهاية كلام طويل وموعد آخر).
كتاب الحرب الإعلامية بين حزب الله و"إسرائيل" خلال حرب تموز، يأتي بعد عقدين من الحرب، لكنه يوثق مرحلة مضيئة نضالية ومشرفة من تاريخ وطن بحجم أمة، قدمته الدكتورة باسمة عيسى، بمنزلة رؤية لمنهجية السيد المعتمدة على المعطيات والمعلومات وتحليلهما، واستخلاص النتائج من خلال الخطب المذكورة (أطروحات) التي تؤكد الحق في المقاومة ضد الاحتلال بالطرق والأساليب المشروعة كافة. وعكست الأطروحات أن المقاومة لا تسعى للحرب لمجرد الحرب، أما إذا فُرضت عليها فهي مستعدة وحاضرة.