الحصاد الثقافي - لبنان: هزات وخسارات.. و"إسرائيل" تقتل أصوات الحقيقة

كيف كان العام 2023 ثقافياً في لبنان؟

حَفِل العام 2023 الذي يطوي صفحته بعد أيام، بأحداث ومناسبات ثقافية لبنانياً وعالمياً، وإن طغت الحرب، مؤخراً، على غزة التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما تلاها من مجازر بحق الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى الاعتداءات في الجنوب اللبناني وسقوط شهداء، خصوصاً من الزملاء الصحافيين.

وبين الحرب وبين الهزة الأرضية التي شهدها لبنان ودول الجوار مع بداية العام المنصرم، كان هناك هزّات ثقافية أخرى سنعرضها في هذا الحصاد الثقافي لسنة 2023.

- على صعيد معرض الكتاب: شكلت زيارة وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى إلى "نقابة الناشرين اللبنانيين" وتوقيع مذكرة تفاهم بين النقابة والوزارة، سابقة من نوعها، ولعلها كانت إشارة إلى بداية الانقسام بين "النادي الثقافي العربي" و"نقابة الناشرين اللبنانيين"، والذي أتت ترجمته عبر إقامة معرضين للكتاب في بيروت في خريف العام نفسه. فلسطين كانت الحاضر الأبرز في معارض الكتب التي شهدت إصدارات أدبية مختلفة.

ويقول محمود وهبة، المسؤول في "دار النهضة العربية" في بيروت إنه: "كإطلالة محلية على المشهد الثقافي اللبناني، كانت الحركة جيدة، فعلى الرغم من الحرب، استقبلنا طلاب مدارس من الجنوب اللبناني، وقد أتت هذه الإطلالة لتؤكد أننا صامدون والكتاب صامد في وجه كل شيء".

من ناحية أخرى، وبعد انقطاع دام لسنوات، عادت "الحركة الثقافية" في أنطلياس لتنظم معرضها السنوي في آذار/مارس من كل عام. كما شهدت المناطق اللبنانية سلسلة من المعارض المحلية. 

- على الصعيد الإعلامي: في إطار العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، فُجع لبنان باستشهاد المصور الصحفي في وكالة "رويترز" عصام العبد الله بعد أن استهدفته نيران العدو في 12 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قبل أن يستكمل الاحتلال مجازره بحق الإعلاميين فيقتل الزملاء فرح عمر وربيع المعماري وحسين عقيل.

وفي السنة نفسها التي أُعلن فيها عن بيروت "عاصمة عربية للصحافة"، خسر لبنان أحد أعمدة الصحافة فيه، وهو مؤسس جريدة "السفير" طلال سلمان. عُرف سلمان بنضاله في سبيل القضية الفلسطينية، وكان مرجعية إعلامية تحظى بتقدير كبير من كل الفئات، وبالتأثير في الرأي العام اللبناني والعربي.

كما فقدت الساحة الإعلامية "أيقونة الإعلام في لبنان" صونيا بيروتي، وكان للراحلة مسيرة حافلة في الإذاعة والتلفزيون. فقد كانت نجمة تلفزيون لبنان في بداياته بقصة شعرها القصيرة وبحة صوتها وثقافتها العالية. وقد جمعت في كتابها "مطاحن الطائفيّة" تجاربها الحياتية التي عاشتها أثناء الحرب اللبنانية. 

ومن زمن الأبيض والأسود أيضاً، خسر الجسم الإعلامي هذا العام، الإعلامي جان خوري الذي كان أول مذيع أخبار على شاشة تلفزيون لبنان، وقد عُرف خوري باحترافيته وثقافته ودماثته.

وعن عمر 62 عاماً، رحلت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري بعد صراع مع المرض، وهي التي تنقلت بين العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية، غير أنّ دفاعها عن حرية الإعلام كان هدفها الأسمى حتى رحيلها.

وقبل انتهاء العام بفترة وجيزة، نعت نقابة محرري الصحافة اللبنانية الصحافي أحمد زين الدين الذي توفي بعد معاناة مع المرض، والراحل بدأ عمله الصحافي في العام 1968 مراسلاً، ثم محللاً وكاتباً في العديد من المجلات والصحف اللبنانية، كما شغل منصب سكرتير تحرير في قسم الأخبار في محطة الـNBN.

- على الصعيدين الفكري والنضالي: ودّع لبنان المفكر والمناضل حبيب صادق الذي شغل منصباً نيابياً في سبعينيات القرن الماضي، وكان الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي. عُرف صادق بنضاله كما اهتم بجمع التراث الفكري العاملي، له العديد من الإصدارات الشعرية والبحثية والأدبية.

وفي شهر أيار/مايو من هذا العام أيضاً، توفي الباحث والمؤرخ حسان حلاق الذي خلّف لنا أكثر من 50 مؤلفاً في مواضيع تاريخية وإسلامية، تُرجم العديد منها إلى الإلمانية والإنكليزية. وتشكل مكتبته التي أصبحت بمعية الجامعة الأميركية في بيروت مرجعاً مهماً للباحثين. 

- على الصعيد الأدبي: في العام 2023، تمّ الاحتفال بمئوية كتاب "النبي" لجبران خليل جبران، وأقيمت نشاطات في العديد من الجامعات في لبنان والخارج بمناسبة مرور 100 عام على صدوره (1923).

هذه السنة، أيقظت وفاة الكاتبة ليلى بعلبكي الكثير من الأقلام من سباتها. فبعد أن كان لغيابها الطوعي عن الكتابة ولغربتها في لندن التأثير في نسيانها، غير أنّ الصحافة اللبنانية أعطتها حقها يوم وفاتها، حتى سمّتها "أولى الروائيات المتمردات" أو "أشهر الكاتبات العربيات"، فبعلبكي التي ولدت في الجنوب اللبناني، بدأت الكتابة في سن مبكرة، وكان لصدور روايتها "أنا أحيا" عن مجلة "شعر" الرائدة في العام 1958، الأثر البعيد في مستقبل الرواية وفي مستقبل الكاتبة.

وذلك نظراً إلى الجرأة التي تناولت فيها بعلبكي مضمون الرواية للتعبير عن آرائها إزاء المجتمع "الذكوري". فكانت يومذاك حدثاً أدبياً كبيراً في بيروت الستينيات، أي بيروت الحداثة. صحيح أنّ مسيرتها الأدبية لم تدم كثيراً، إذ انكفأت بعلبكي عن الكتابة لمدة طويلة، لكنها بلا شك مهدت الطريق لغيرها من فتيات جيلها آنذاك لكتابة الرواية الحديثة.

- على الصعيد الفنّي: مع أول أيام العام 2023، صُدم جمهور  الفنان جورج وسوف  ومحبّوه بفقدان ابنه الأكبر وديع جورج وسوف، بعد مضاعفات طبية.

ثم، أتت في شباط/فبراير من العام 2023 الهزة الأرضية لتشعرنا بخسارة الفقد والانهيار الذي نعيشه، فشهد هذا الشهر على رحيل الفنانة التشكيلية والصحافية لور غريب كرباج التي عملت في  بداياتها في جريدة "لوريان" مع الشاعر الفرنكوفوني صلاح ستيتيه، ثم انتقلت إلى جريدة "لوجور"، وكذلك عملت في مجلة "شعر" وظلت في صحيفة "النهار" مدة 55 عاماً. تركت العديد من اللّوحات الفنيّة والأعمال الشعرية باللّغتين العربية والفرنسية. 

ثم، في 14 من الشهر نفسه، رحل الكاتب والمخرج مروان نجار. وهو ابن بيروت الذي تعلّم النقد الأدبي على يد خليل حاوي وعمل لفترة في الصحافة اللبنانية قبل أن يبدأ بكتاباته التلفزيونية بدعم المخرج أنطوان ريمي في مسلسل "ديالا". بعدها، توالت أعماله التي قدمها إلى التلفزيون والمسرح، وقد تميّز بإعطاء الفرص لمواهب تمثيلية جديدة وشابة. 

كذلك شهد هذا العام رحيل مؤسِّسة معهد العلوم السينمائية والمسرحية في جامعة القديس يوسف ومؤسسة مسرح "مونو" السيدة إيميه بولس.

وفي نيسان/أبريل الماضي، خسرت الساحة الفنية اللبنانية  جيرار أفيديسيان عن 79 عاماً. أفيديسيان الذي يحمل دكتوراه في المسرح من معاهد الاتحاد السوفياتي سابقاً، عمل في الفنون المرئية على اختلافها، فهو إلى جانب عشقه للفنّ التشكيلي وانتشار لوحاته الفنيّة عبر معارض محلية وعالمية، تميّز أيضاً بالإنتاج والإخراج التلفزيوني والمسرحي. إذ عمل مع كبار الفنانين في مسرحيات ما زالت محفورة في الذاكرة مثل "أخوت لبنان" (مع نبيه أبو الحسن)، "سفرة الأحلام"، و"صخرة طانيوس". 

في الثالث من أيار/مايو، ودّع لبنان الفنان والملحن إيلي شويري الذي يُعدّ من مطربي العصر الذهبي للغناء العربي. عمل مع الرحابنة في العديد من المسرحيات وكتب أعمالاً مسرحية أخرى. عاصر كبار المطربين اللبنانيين والعرب، وقدم لهم أعمالاً خالدة من ألحانه. والبعض الآخر من كتاباته وألحانه. ترك نحو 1500 أغنية، نذكر منها: "تعلا وتتعمر يا دار"، "صف العسكر"، "بكتب اسمك يا بلادي"، "يا أهل الأرض"، "يا بلح زغلولي"، "أيام اللولو"، "أنتَ وأنا يا ليل".

وبفارق يوم على عيد ميلاده التاسع والثمانين، توفي في كاليفورنيا الفنان والملحن اللبناني محمد جمال. كان ابن طرابلس تنقل بين لبنان ومصر ثم الولايات المتحدة، وشكل مع الفنانة طروب ثنائياً ناجحاً في الكثير من الأغاني الرائعة من القرن الماضي كما في الحياة الزوجية قبل أن ينفصلا. من أشهر أغانيه "آه يا أم حماده" و "بدي شوفك كل يوم يا حبيبي".