الدور الروسي في المنطقة العربية

يستمد هذا الكتاب في فصوله الثمانية أهميته من كونه يقدّم رؤيته التحليلية القائمة على الرصد المعلوماتي المصحوب باستنتاجات حول واقع علاقات روسيا الاتحادية مع دول المنطقة العربية.

  •  العلاقات العربية الروسية: رؤى استراتيجية وتحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العربية
    العلاقات العربية الروسية: رؤى استراتيجية وتحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العربية

أولاً: تفاصيل وسياق الكتاب

كتاب "العلاقات العربية الروسية: رؤى استراتيجية وتحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العربية"، قام بإعداده مجموعة من الخبراء المتخصصين في العلاقات الدولية وعلى رأسهم الدكتور "مصطفى الفقي"، الدبلوماسي المصري السابق، ورئيس مكتبة الإسكندرية الأسبق، وبمشاركة من السيد "جيورجي بوريسينكو" السفير الروسي الحالي في مصر.  

يتناول هذا الكتاب الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية  تقييم علاقات روسيا مع المنطقة العربية؛ واستشراف الدور الروسي الجديد في المنطقة؛ وذلك من خلال مجموعة من المقالات والدراسات التحليلية التي تطرح معالجات وإشكاليات مختلفة لطبيعة العلاقات العربية الروسية الحالية ومآلاتها المستقبلية. 

ثانياً: قيمة هذه المراجعة

يستمد هذا الكتاب في فصوله الثمانية أهميته من كونه يقدّم رؤيته التحليلية القائمة على الرصد المعلوماتي المصحوب باستنتاجات حول واقع علاقات روسيا الاتحادية مع دول المنطقة العربية، وبذلك يمكن الاعتماد على هذه الرؤية أكاديمياً، ويمكن الإفادة من تحليل هذا الكتاب لدى صانع القرار كونه نموذجاً قائماً على الاستقراء الفكري للأحداث والعلاقات التي تربط بين موسكو والدول العربية.

ثالثاً: العناصر الرئيسية للكتاب. 

محصّلة التعاون المصري الروسي خلال عام 2020 والوضع الحالي للعلاقات المصرية الروسية.

ينبّه السفير الروسي في القاهرة "جيورجي بوريسينكو" في هذا التقرير، إلى أنّ العلاقات المصرية الروسية في الآونة الأخيرة تتمتّع بطابع إيجابي، على المستويات السياسية الرسمية وغير الرسمية. ويؤكّد أن هذا التعاون الوثيق بين كبار المسؤولين في البلدين، فضلاً عن التفاعل الثنائي البَنَّاء المستمر ومتعدد الأوجه، سيحقّق نتائج إيجابية ملموسة جديدة بين مصر وروسيا.

ويوضح السفير الروسي أهم إنجازات العلاقات المصرية الروسية، وهي تصديق مجلس نواب جمهورية مصر العربية على المعاهدة بين روسيا ومصر بشأن الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، التي تتضمّن تكثيف الاتصالات الثنائية على مختلف المستويات، وزيادة تعزيز التفاعل بين القاهرة وموسكو في المستقبل. 

وفي هذا السياق، يؤكد عِلْمَ روسيا بمدى أهمية اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي التي صدّق عليها مجلس النواب، ووقّع الرئيسان عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين عليها بمدينة سوتشي في تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، وتنصّ الاتفاقية على عقد قمة سنوية بين الرئيسين السيسي وبوتين، واجتماعين بين وزيري الخارجية في البلدين كلّ عام، فضلاً عن عقد اجتماعات بصيغة (2+2) بين وزيري الدفاع والخارجية من مصر وروسيا. 

يتوقّف الدبلوماسي الروسي حول أهم مجالات التعاون الثنائي بين مصر وروسيا، وهو وجود اتفاق واضح بين القاهرة وموسكو حول جهود مكافحة الإرهاب، ولهما الرأي نفسه عن جماعة الإخوان المسلمين.

وبالإشارة إلى الاقتصاد يوضح السيد "جيورجي بوريسينكو" أنّ روسيا تدرك جيداً أن شرق المتوسط يعدّ منطقة مهمة لإنتاج الغاز وتوريده إلى المنطقة وإلى أوروبا، وتهتم بمعرفة تطوّر الأمور في هذه المنطقة، وترى أنه من الأفضل أن تُمع الدول في منظمات لبحث القضايا الحيوية؛ مثل الغاز الذي أصبح مهمّاً لجميع دول العالم، خاصة في هذه المنطقة الاستراتيجية قبالة السواحل المصرية. 

الدور الجيوسياسي لروسيا في الشرق الأوسط: معطيات جديدة لفاعل قديم

توضح الكاتبة "مي مجيب" أهداف السياسة الخارجية الروسية وتقول؛ إنه وبعد نحو عقدين من الزمن، تمكّنت روسيا من إعادة صياغة سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب أولوياتها، حتى يبدو أنها قد غيّرت تماماً من أسس السياسات التي كان يتبنّاها الاتحاد السوفياتي سابقاً وملامحها؛ فالاعتبارات الأيديولوجية التي كانت نقطة الارتكاز في العلاقات السوفياتية الشرق أوسطية بين عشرينيات القرن الماضي وتسعينياته قد اختلفت، بل اختفت تماماً.

تبرز الكاتبة في هذا الفصل الملامح العامة للسياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط وهي كالآتي:

أولاً: أنها غير أيديولوجية ــــ علمانية ـــــ تستطيع مخاطبة جميع الأطراف في المنطقة.

ثانياً: تحرّك روسيا وفق النفعية البراغماتية ذات الأمد البعيد مع الالتزام بعدد قليل من القيود السياسية التي يلتزم بها الغرب، وهذا يتيح لها أيضاً مرونة أكبر.

ثالثاً: التخوّف الأمني طويل الأجل من انتشار الإرهاب الدولي وتمدّده إلى روسيا التي ما زالت تعاني من (عقدة الشيشان).

رابعاً: رغبة روسيا في المحافظة على الهياكل القائمة حاليّاً في الشرق الأوسط ضد التدخّل الخارجيّ والتمرّد الداخليّ، وأنّ أيّ تغيير يجب أن يحدث بالوسائل الدستورية.

خامساً: تهدف روسيا من خلال وجودها في منطقة الشرق الأوسط إلى تحقيق مكاسب داخلية ترتبط بالتنمية الاقتصادية وتعزيز استقرارها الداخلي.

الطموحات الروسية تجاه المنطقة العربية الأفريقية

يلفت الكاتب "محمود عزت" وهو نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية، إلى أن الدول العربية الأفريقية تعد مصدراً مهمّاً لجذب الاستثمارات الروسية، خاصة في مجالات الطاقة والصناعات التحويلية؛ حيث توفّر لها أفريقيا المواد الخام اللازمة لتلك الصناعات. ومن جانب آخر، فإن العلاقات القوية الآمنة الروسية مع الدول الأفريقية تدفع تلك الدول ــــ بل وبعض دول أميركا اللاتينية ـــــ إلى دعم دور روسيا الدبلوماسي وتحرّكاتها في المنّظمات الدولية؛ وهو ما يضفي نوعاً من أنواع الشرعية على دور روسيا الدولي.

وفي إطار سعي روسيا للحاق بركب القوى الإقليمية والدولية التي تتجه إلى الإفادة من الوضع الاستراتيجي لمنطقة القرن الأفريقي، تنظر روسيا إلى منطقة القرن الأفريقي على أنها منطقة مليئة بالصراعات والنزاعات الإقليمية بين دولها، وتواجهها تحديات أمنية كبرى؛ مثل: الإرهاب، والقرصنة، والجرائم العابرة للحدود، والجرائم المنظّمة، وهي الأسباب الرئيسية التي جعلت روسيا تخطط نفقاتها العسكرية في المنطقة، وتقيم قواعد عسكرية وبحرية فيها.

حدّد الكاتب في هذا الفصل الأسباب التي تقف خلف زيادة الوجود الروسي في القرن الأفريقي وهي كما يلي:

-تجديد العلاقات الروسية وزيادة التأثير السياسي لمنافسة القوى الدولية الأخرى.

-إمكانات منطقة القرن الأفريقي الاقتصاديَّة من موارد طبيعية، وغاز، ونفط، وثروة حيوانية.

-تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

-فتح سوق جديدة للصناعات العسكرية الروسية والأسلحة الروسية، التي تعد من أهم أركان الاقتصاد الروسي.

-ضمان التدخّل في عمليات التسوية الشاملة للصراعات والخلافات بين دول المنطقة؛ لتأمين الاستثمارات الروسية في المنطقة مستقبلاً. 

-استغلال الموقع الجيوستراتيجي للمنطقة؛ لضمان توريد المنتجات والخدمات والتقنيات الروسية في مختلف المجالات.

-مكافحة التطرّف والإرهاب والجماعات المسلحة لتأمين مصالح روسيا في المنطقة، إقامة القواعد العسكرية الروسية لتأكيد عودة روسيا عسكريّاً إلى القارة الأفريقية.

جيو اقتصاديات النفط والغاز في الاستراتيجية الروسية في ليبيا

يشدّد الكاتب "محمد العربي"، على أنه لم يكن إسقاط نظام القذافي في إثر التمرّد المدعوم غربيّاً مجرّد خسارة استراتيجية لروسيا العائدة إلى المنطقة، بل اشتمل أيضاً على خسائر اقتصادية هائلة، كانت موسكو قد نجحت في تأمينها منذ عام 2008، مع نظام العقيد بعد فترة تباعد بين طرابلس وموسكو لصالح الغرب.  

ويؤكّد أنّ الحالة الليبية كان لها دور كبير في تشكيل استراتيجية روسيا في الشرق الأوسط عقب عودة" فلاديمير بوتين" إلى سدة الرئاسة، الذي اتهم حينها "ربيبه مدفيديف" الذي شغل موقع الرئاسة أثناء اندلاع التمرّد في ليبيا بالتسبّب في كارثة استراتيجية، تمثّلت في عدم التصويت ضد قرار مجلس الأمن الدولي بالتدخّل في ليبيا، وهو ما منح الناتو والغرب غطاءً شرعيّاً لإسقاط نظام القذافي. وبدا واضحاً أن تدهور الأوضاع في ليبيا، وإخفاق المجتمع الدولي في إعادة بناء الدولة فيها، وتركها نهباً للميليشيات المحلية وعصابات التهريب والجماعات الإرهابية، قد أسهم في إعادة تأكيد موسكو رفض التدخّل الغربي لتغيير النظم العربية. كان درس ليبيا هو ما عزّز صلابة موقف موسكو تجاه محاولة إسقاط نظام الأسد في دمشق.

الاستراتيجية الروسية تجاه المنطقة المغاربية

تسلّط الكاتبة "آمال الحواسني" الضوء على توجّهات الاستراتيجية الروسية تجاه المنطقة المغاربية، وتركّز على المحدّد الاقتصادي كمحدّد أساسي ضمن الاستراتيجية الروسية تجاه دول المنطقة، ومن ثم فقد حدّدت فيما بعد المصالح الجيوسياسية لروسيا في ليبيا.

وتؤكد أن أحداث الحراك العربي لعام 2011 قد ساعدت على جعل المنطقة المغاربية ركيزة أساسية ضمن التوجّهات الروسية؛ حيث حظي الحراك العربي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية بأهمية خاصة ضمن أجندة صانعي القرار، وتزامن ذلك مع برود في العلاقات المغاربية مع أوروبا، وغموض مرحلة حكم باراك أوباما وبعده دونالد ترامب في أميركا.

الدور الروسي في سوريا: الدوافع والمآلات

تشير الباحثة "معالي لطفي"، إلى دوافع التدخّل الروسي في سوريا ومآلات هذا التدخّل، وتوضح أن موسكو قد برّرت موقفها من الأزمة السورية بحجة رفضها التدخّلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول أحياناً؛ ولحماية السلطة الشرعية في سوريا من مؤامرة غربية أحياناً، وأصولية إسلامية مسلحة أحياناً أخرى؛ مما كان له دور كبير في زيادة تعقيد الأزمة في سوريا.

وتنبّه الباحثة، أن روسيا قد عملت على توفير الحماية السياسية والدبلوماسية للنظام السوري في المحافل الدولية، ومؤسسات الأمم المتحدة ضد مشاريع القرارات التي تقدّمت بها الدول العربية والغربية لمعالجة الأزمة السورية. وقد كانت روسيا قد حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من إمداد المعارضة السورية بالأسلحة، وتكرار السيناريو الليبي، وأجرت اتصالات مع المعارضة السورية لإقناعها ببدء الحوار مع السلطة السورية. 

وتنتقل الكاتبة إلى الوقوف على أسباب ودوافع هذا التدخّل، وتوضح ذلك كما يلي:

"الدوافع الروسية الداخلية، أهمية سوريا الاستراتيجية بالنسبة لموسكو، حماية النظم الحليفة، الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية، الدوافع الاقتصادية، ترسيخ المكانة الدولية، استخدام الورقة الروسية في قضايا روسيا الدولية، التخوّف من المدّ الثوريّ، محاربة الحركات الإسلامية، التردّد الأميركي حيال سوريا". 

استئناف الهيمنة الروسية على المنطقة العربية في ظلّ تعاظم الدور الإيراني.. سوريا نموذجاً

يوضح الكاتب "محمد أبو شعيشع" أن سوريا أصبحت أرضاً خصبة لنفوذ مختلف القوى الكبرى والإقليمية، ولا سيما عقب اندلاع احتجاجات "الربيع العربي" في المنطقة عامة مطلع عام 2011؛ وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة السورية، ليتطوّر الأمر في سوريا مع دخول روسيا وإيران على خط الأزمة بوضوح. 

محددات العلاقات الجيوستراتيجية العربية الروسية

يشير الكاتب في هذا الفصل مع الإيضاح إلى أهم المحدّدات الرئيسية في العلاقات الجيوستراتيجية العربية الروسية، وقام بدراسة الحالة على المشهد السوري، وذلك من خلال ما يلي:

أولاً: محددات العلاقات الروسية في المنطقة "العامل الاقتصادي - العامل العسكري".

ثانياً: تداعيات الحالة السورية. 

ثالثاً: أبعاد القُوَى الفاعلة "أهداف الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط-أهداف استراتيجية الصين في الشرق الأوسط".

استنتاجات

يختم الكتاب رؤيته بأن الفترة الأخيرة قد شهدت نشاطاً ملحوظاً لروسيا؛ حيث توقّفت روسيا عن التحيّز الأيديولوجي، وبناء سياسات على ذلك. كما أصبحت تتّبع سياسات أكثر براغماتية (غير مؤيّدة لطرف مقابل عداء الآخر)، وكذلك انتهاج الكثير من العلاقات المتوازنة الأخرى؛ مستهدفة بذلك الحفاظ على سيطرتها على سوق الغاز وضمان تدفّق النفط، إضافة إلى الشركات الاقتصادية، ومشاريع البنى التحتية وأسواق السلاح في المنطقة العربية.