الموشّح الصنعاني: فن تاريخي موسيقاه حناجر منشديه

نوع خاص من الغناء تنفرد به العاصمة اليمنية صنعاء. ماذا تعرفون عن فن الموشّح الصنعاني؟

لونٌ من ألوان التراث البديع، جوهره الكلمة ولحنه الصوت فقط، ما إن تسمعه حتى تحلّق في أرجاء صنعاء كلها، وكأنَّ تلك الألحان وتلك الأبيات خُلقت مع أحجار العاصمة وأشجارها ومبانيها؛ ذاك ما يُطلق عليه اسم "الموشح الصنعاني".

لا بدايات

لأنه مرتبطٌ بتاريخ صنعاء العريقة والضاربة في القِدم، لن تجد أحداً يستطيع تحديدَ تاريخٍ معيَّنٍ ظهر فيه الموشح الصنعاني، فهو ثقافةٌ وفنٌّ وتاريخٌ ارتبط بأهله، ووُلِد من مشاعر أهل صنعاء وأرواحهم وإبداعهم.

يقول المنشد يحيى الشرعي لـ "الميادين الثقافية": "بما أنَّ صنعاء بلاد الجمال والتميّز والشعر، كما أنّها شكّلت ملتقى للثقافات بحكم الحركة التجارية التي كانت تمر فيها، فمن الطبيعي أنَّها لن تخلو من الأصوات الجميلة والمترنمة بكلِّ شيءٍ جميلٍ حولها، مثلها مثل جميع البلدان التاريخية".

ونتيجة تعمّق أهل صنعاء في الدين الإسلامي، ومكانة المدينة عند المسلمين، وخصوصاً بعد أن امتدحها رسول الله بصفتها "بلاد الإيمان والحكمة، والأرقّ قلوباً والألين أفئدةً"، فلقد سُخِّرت تلك الأصوات، وكذلك الأشعار والقصائد، في مدح رسول الله وآل بيته.

نتيجة تعمّق أهل صنعاء في الدين الإسلامي، فقد سُخِّرت أصوات منشدي الموشحات الصنعانية، وكذلك الأشعار والقصائد، في مدح رسول الله وآل بيته.

يتابع المنشد يحيى الشرعي حديثه بالقول: "مع مرور الوقت، أخذ الشعراء يشقّون طريقاً جديدةً في إنشاء القصائد، مبتكرين تفعيلات متميزة تتلاءم مع الألحان المتميزة والمبتكرة أيضاً، والتي أخذت مكانتها في قلوب أهل صنعاء بسبب تميّزها حتى في الاستهلال بالغزل، والتخلّص من منتصف القصيدة إلى مدح رسول الله، أو مدح الأئمة والعلماء في ذلك العهد. وبرزت الموشحات الصنعانية وألحانها، وذاع صيتها، حتى على المستويين العربي والإسلامي، وأصبح للون الصنعاني تميّزه".

طابع خاص 

  • صنعاء
    صنعاء

استطاع الموشح الصنعاني المحافظة على الألحان التي يصعب على المنشدين غير الصنعانيين أو اليمنيين أداؤها، وذلك بسبب كثرة تقاسيمه ارتفاعاً وانخفاضاً على السلّم الموسيقي، وبسبب المدود والعُرب التي لا يجيدها إلّا من يجيد اللهجة والطابع الصنعانيَّين.

رئيس فرقة الأنوار المحمدية الإنشادية، المنشد عبد الخالق محمد المهدي، يوضح لــــ "الميادين الثقافية" أنَّ "الموشح الصنعاني يتميز بأنه لا يعتمد على الآلات الموسيقية، بحيث تنبع موسيقاه من حناجر منشديه، ومن عذوبة أدائهم، وجودة اللحن وإتقانه".

وفي ما يخصّ أبياته الشعرية، فالموشح الصنعاني يرتبط بالشعر الحميني ارتباطاً وثيقاً، ويعتمد اعتماداً أساسياً على القصائد والمشارب والموشحات الحمينية. والشعر الحميني هو مزيجٌ بين الفصحى والعامية، إلا أنّه لا يلتزم حركات الإعراب بل السكون، وقواعده معروفة أدبياً.

يرتبط الموشح الصنعاني بالشعر الحميني ارتباطاً وثيقاً، وهذا الشعر هو مزيجٌ بين الفصحى والعامية، إلا أنّه لا يلتزم حركات الإعراب بل السكون، وقواعده معروفة أدبياً.

بدوره، يُعرّف لنا المنشد محمد الدرم شعر الموشّح الصنعاني بأنّه: "فن شعري مستحدَث، يتباين عن ضروب الشعر الغنائي العربي، بالتزامه قواعد معينة لاستخدامه باللغتين الدارجة والعجمية، على حد سواء، في خرجته، ثم باتصاله بالغناء".

ويضيف الدرم أنَّ: "الموشح يتكون من قصيدة شعرية، في كل شطرٍ منها مقطعٌ أو ثلاثة مقاطع لها القافية الشعرية نفسها. مثلاً: "يقرب الله لي بالعافية والسلامة"، ولا يُعَدّ ما يتمّ غناؤه موشحاً حين يتغيّر اللحن".

من أشهر من أَثْروا الساحتين اليمنية والصنعانية بالأشعار والألحان، الشاعر والأديب جابر رزق، الذي يتميّز بأسلوبه الخاص في كتابة القصائد والموشحات. نذكر من بين أشهر قصائد رزق قصيدة "دع ما سوى الله واسأل". وممن أضافوا الإبداع والجمال إلى القصائد والموشحات الصنعانية كذلك، الشاعر علي بن إبراهيم الأمير الصنعاني.

لكل مقام موشّح

يغطي الموشح الصنعاني كل المناسبات الدينية والاجتماعية، بحيث يحلّ في مناسبات الأفراح والأعياد، وفي مناسبات الموالد والأتراح. ولكلِّ مناسبةٍ موشحها الخاص، لحناً وشعراً.

يتفرّع من الموشح الصنعاني، بحسب المناسبات والظروف الاجتماعية، عددٌ من الموشحات، منها الموشحات العامة التي تُنشَد غالباً في جلسات المقيل الصنعانية، وفي مناسبات عامة أخرى.

وهناك أيضاً الموشحات الابتهالية، وهي قصائد المدح والشكر لله والثناء عليه والالتجاء إليه والابتهال والتضرع له، بالإضافة إلى موشحات الأفراح كالزفاف، والتي تشمل مشارب الزفة الصنعانية المعروفة، وتُنشَد ليلة زفاف العريس انطلاقاً من مكان الاحتفال به وصولاً إلى بيته. وهنا يكمن جمال الموشح اليمني واعتلاؤه على غيره من موشحات الأفراح العربية. ولا يمكن إدراك ذلك إلّا عبر سماع ألحانه من أفواه المنشدين.

يتفرّع من الموشح الصنعاني، بحسب المناسبات والظروف الاجتماعية، عددٌ من الموشحات، منها الموشحات العامة التي تُنشَد غالباً في جلسات المقيل الصنعانية، وفي مناسبات عامة أخرى.

كما تتفرع من الموشح الصنعاني أيضاً الموشحات التي تُنشد عند وداع الحجاج قبل سفرهم إلى مكة، وحين عودتهم منها، والموشحات والقصائد لاستقبال شهر رمضان والاحتفاء به، والتذكير بشأن أيامه ولياليه المباركة، ثم وداعه والاختتام بمناسبة العيد، بالإضافة إلى الموشحات والقصائد الزهدية، والتي تُنشد في مآتم العزاء التي تقام مدة ثلاثة أيام، وهي قصائد وعظ وتذكير بحال الإنسان ومصيره المحتوم.

ولعلَّ قوة فن الموشح الصنعاني، وصموده أمام التغييرات والتجديدات للفنون الغنائية والشعرية، تكمن في أن أكثر أغراضه تتضمن الابتهال إلى الله، سبحانه وتعالى، والالتجاء الى الذات الإلهية، والهيام بمحبة النبي وأهل بيته، صلوات الله وسلامه عليهم، والتوسل بهم، وكذلك المديح والغزل والفخر، والدعوة إلى صفاء النفس البشرية. لهذا، سرعان ما يلتصق بالوجدان، ويؤثّر في النفوس.