بعد 100 عام.. هل تسترجع مصر رأس نفرتيتي من ألمانيا؟

ألمانيا زيّفت بياناته لتستحوذ عليه. هل تنجح مصر في استعادة تمثال رأس نفرتيتي؟ وماذا عن مشروع تبليط الأهرامات؟

"الجميلة أتت" هذا هو معنى اسمها "نفرتيتي" وهي إحدى أشهر ملكات مصر الفرعونية، والتي توصف بأنها أجمل ملكة على وجه الأرض؛ لكن تلك الملكة بعيدة عن وطنها بآلاف الأميال، بعد إخراجها من بلدها "تل العمارنة" في صعيد مصر، إلى ألمانيا قبل أكثر من 100 عام.

100 عام خارج مصر

تمّ اكتشاف تمثال رأس نفرتيتي زوجة الملك إخناتون على يد بعثة ألمانية للتنقيب عن الآثار في محافظة المنيا بمصر، عام 1912، يرأسها لودفيغ بورخاردت بدعم مالي من الألماني اليهودي جيمس سايمون، رئيس "المعهد الألماني للدراسات الشرقية" في ذلك الوقت.

أخفى بورخاردت التمثال وقت اكتشافه عن البعثة المصرية ثم زيّف بياناته عند تقسيم الآثار حتى تستطيع ألمانيا الاستحواذ عليه.

وعلى مدار أكثر من 100 عام طالبت الحكومات المصرية المتعاقبة باستعادة الرأس، لكن كل المحاولات كانت تبوء بالفشل، أحياناً لأسباب سياسية، وأحياناً أخرى لتعنّت الجانب الألماني.

لكن من مسقط رأسها أتت عالمة المصريات مونيكا حنا لتعيد البحث والتنقيب عن وثائق تعود لأكثر من 100 عام ستساعد في إثبات أحقية مصر في استعادة التمثال، والتي وثّقتها في رسالة دكتوراه عملت عليها منذ عام 2018 نشرت في دورية International Journal of Cultural Property في كانون الأول/ديسمبر عام 2023.

لماذا رأس نفرتيتي؟

رغم أن حركة استعادة الآثار حركة عالمية نشطت في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه في السنوات العشر الأخيرة انتبه المصريون إلى تهريب أكثر من 30% من آثارهم إلى بلاد أوروبا وأميركا، علماً أن بعضها يباع في مزادات علنية، وأحد تلك القطع الثمينة، تمثال رأس نفرتيتي.

تقول حنا في حديث مع "الميادين الثقافية" إنها اختارت البحث عن وثائق استعادة تمثال رأس نفرتيتي لأنها اعتبرتها رمزاً للمرأة المصرية، وينبغي أن تعود الجميلة إلى بلدها بعدما تمّ أخذها بالخديعة والتدليس. كما أن مصر تحاول استعادة ذلك التمثال منذ عشرينيات القرن الماضي، وهناك أرشيف من المراسلات الموثّقة والمثبّتة مع عدة أطراف تحتفظ به مصر في دار الوثائق القومية، وهي الوثائق التي عملت حنا على التنقيب داخلها وإخراجها للعلن وإعادة المطالبة بها مرة أخرى.

وترى أستاذة علم المصريات أن استعادة تمثال رأس نفرتيتي ستخلق "السابقة الأولى" التي ستمكّننا لاحقاً من استعادة باقي الآثار، معتبرة أن رسالة الدكتوراه خاصتها، "ستعمل على تغيير السردية المتداولة عن تمثال رأس نفرتيتي الذي تقول إنه موجود بشكل قانوني في ألمانيا، كما ادّعت فريدريكة سيفريد، مديرة المتحف المصري في برلين، حيث يستقر رأس نفرتيتي حالياً. 

استعادة الرأس ستسبب مشاكل

  • رسالة من وزارة الخارجية المصرية للسلطات الألمانية بعد هزيمة هتلر
    رسالة من وزارة الخارجية المصرية بعد هزيمة هتلر لاسترداد رأس نفرتيتي

لدى حنا وثائق تثبت مراسلات لمدير المتحف البريطاني وسفير بريطانيا في برلين في العشرينيات لوقف وعرقلة المفاوضات مع مصر وإعاقة استعادة تمثال رأس نفرتيتي، لأن ذلك يعني أن المصريين سيطالبون باستعادة كلّ آثارهم بما فيها "حجر الرشيد" الموجود في المتحف البريطاني منذ العام 1802 وغيرها من الآثار التي حصل عليها البريطانيون بعد هزيمة جيش نابليون.

وخرج تمثال رأس نفرتيتي بخديعة من الأثري بورخاردت حينما أخفاه عن لجنة تقسيم الآثار، وقال إنه تمثال لأميرة من "تل العمارنة" ومن الحجر الجيري وغير ذي أهمية. لكن رغم تغيّر الظروف السياسية خلال القرن الماضي وتعاقب الحكومات مصرية وأوروبية، بقي الفكر الاستعماري، بحسب مونيكا حنا، يحكمه منطق السيطرة ويرفض إعادة تمثال رأس نفرتيتي، رغم مطالبات مصر وتهديدها بوقف أعمال تنقيب البعثات الألمانية، وكشفها للمراسلات المتعلقة برأس نفرتيتي بين الحكومات المصرية وبين قوات الحلفاء بعد خسارة ألمانيا الحرب، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.

جهات مختلفة تطالب بعودة التمثال

لم تتوقّف المطالبات باستعادة رأس نفرتيتي، لكن ما فتح الجرح هو ثورة يناير عام 2011، حين ظهرت حملة باسم "رحلات نفرتيتي" عام 2012 أطلقتها جمعيات ثقافية ألمانية ووزّعوا بطاقات عليها صورة التمثال ومكتوب عليها "العودة إلى المرسل".

من جانبه، يعتبر زاهي حواس، عالم الآثار ووزير الآثار الأسبق، أن التمثال سُرق من مصر لأنّ بورخاردت زيّف الأوراق بسبب وجود قانون كان ينص على أن أي قطعة ملكية من الحجر الجيري لا تغادر مصر، لذلك كتب وقتها العالم الألماني اليهودي إن القطعة من الجبس ثم خبّأها في بيته 10 سنوات.

وطالب حواس مرات عديدة بإعادة رأس نفرتيتي، حتى أنه في العام 2005 طالب منظمة "اليونيسكو" بإعادتها، ثم في العام 2007 هدّد بحظر معارض الآثار المصرية في ألمانيا إذا لم تقرض برلين تمثال نفرتيتي لمصر لكن من دون جدوى. ثم عاود حواس المطالبة بذلك مرة أخرى عام 2012 ليكون التمثال لدى مصر عند افتتاح المتحف المصري الجديد بالقرب من أهرامات الجيزة.

ورغم أنه لا يوجد ما يجبر الجانب الألماني على ردّ التمثال، إلا أن مونيكا حنا ترى أن الرأي العام الألماني الذي بات يتغيّر مؤخراً، خاصة من جيل الشباب، له ثقل في المعادلة. كما أكدت أنّ جهوداً رسمية مصرية ستبذل قريباً استناداً إلى رسالتها لتسير على جانبين سياسي ودبلوماسي للضغط والمطالبة باسترداد رأس نفرتيتي.

وترى حنا أن الجهود الشعبية المبذولة سواء في مصر أو حتى في ألمانيا ستساعد بشكل كبير في استعادة رأس الملكة المصرية، لأن الجهود الدبلوماسية ليست كافية.

ورغم الجهد الذي بذلته حنا في رسالتها التي نشرتها على الموقع الرسمي لجامعة كامبريدج، إلا أنها ترى أن ما قد يعيق عودة التمثال هو الظروف السياسية غير المستقرة في مصر والعالم العربي حالياً، رغم تعاقب حكومات كانت أقوى في مصر في الـــ 70 عاماً الماضية، لكن وقتها كانت ألمانيا ذات دور محوري ورئيسي في الصراع العربي - الإسرائيلي.

تبليط الهرم أم ترميمه؟

كما تحظى الآثار المصرية في الخارج بالاهتمام، فإنّ تلك التي في مصر تحظى بالاهتمام عينه أيضاً. تحتل الأهرامات المصرية مكانة دولية مرموقة ليس لكونها إحدى عجائب الدنيا، بل لأنها أيضاً علامة ثقافية وحضارية فارقة تشير إلى قدرة المصريين القدماء على التشييد والبناء والهندسة وغيرها. لكن مؤخراً، ومن دون سابق إنذار، تفاجأ المصريون بالإعلان عن مشروع جديد لتبليط هرم منكاورع بالأحجار المتساقطة منه. المشروع الذي أسمته حنا بـ "تبليط الهرم" أو تغليفه.

ولم ترَ حنا أن هناك أي أهمية لهذا المشروع، خاصة أنه غير مبني على أي دراسات علمية، ولم تتمّ استشارة علماء الآثار حول جدواه.

وتقول حنا إن لا فائدة ترجى من هذا المشروع، إذ لا ضرر سيلحق بالهرم لو بقي على وضعه الحالي، لكنها تأمل أن يكون النقاش الذي جرى حول الموضوع بداية لتشريع جديد يحد من سلطة وزارة الآثار على التصرّف في الآثار المصرية من دون الرجوع للمختصين.

ومؤخّراً، أوقفت الحكومة مشروع العمل على ترميم الهرم مؤقتاً لحين صدور قرار من لجنة مختصة تضمّ علماء آثار مصريين وأجانب لإصدار تقرير بشأن المضي قدماً في المشروع أم لا.