جورجي أمادو: "الساحر" الذي عاش كما ينبغي ولم يمت أبداً

في ذكرى وفاته الـ21، ماذا تعرفون عن الكاتب والمناضل السياسي جورجي أمادو، أبرز الروائيين البرازيليين، والذي نقل أدب بلاده إلى العالمية؟

  • استحقَّ جورجي أمادو أن يكون في الصدارة على أكثر من صعيد في حياته الحافلة
    استحقَّ جورجي أمادو أن يكون في الصدارة على أكثر من صعيد في حياته الحافلة

"على كل فرد أن يعتني بدفن نفسه"، يقول جورجي أمادو على لسان "كينكاس هدير الماء"، الشخصيَّة الرئيسة في روايته "ميتتان لرجل واحد".

في مثل هذا اليوم، قبل 21 عاماً (6 آب/أغسطس 2001) اعتنى كثيرون حول العالم بوداع ابن مدينة باهيّا البرازيلية، الذي خلَّد موطنه بأفضل صورةٍ ممكنةٍ، إذ جعل باهيّا، أرض الكاكاو التي تنام في أحضان البحر، حاضرةً في معظم رواياته، وحرَّر الأدب البرازيلي من أسر اللغة البرتغالية، ناقلاً إياه إلى العالميَّة، إذ تُرجِمَت رواياته إلى 50 لغةً، وقال عنه الكاتب البرتغالي الشهير جوزيه ساراماغو: "إنَّ وفاته سببٌ كافٍ للحدِاد الوطني في البرازيل، وإن غاب أمادو فكتبه ستبقى موجودة".

يمكن القول إنَّ الرجل الذي مات مرَّةً واحدةً، وبقي ذِكره حاضراً من خلال عظمة ما أنجزه، كان كمن عاش حياتَين، وأكثر!

حياة حافلة

  • هرب أمادو من المدرسة في عمر الـ12
    هرب أمادو من المدرسة في عمر الـ12 وسافر عبر مناطق نائية في باهيّا

وُلِد جورجي أمادو دي فاريا في 10 آب/ أغسطس من العام 1912، في مقاطعة فيراداس جنوبي ولاية باهيّا. تعلّم أمادو القراءة والكتابة على يد والدته، ثمَّ دخل مدرسةً داخليَّةً للكهنة اليسوعيّين. وفي الثانية عشرة من عمره، هرب من المدرسة مسافراً عبر مناطق نائية في باهيّا إلى حيث يعيش جدّه لأبيه.

بدأ الطفل المتمرّد سباقه مع الحياة سريعاً، فعرف الكتابة في عمرٍ مبكّرٍ، حيث عمل في صحيفة "دياريو دا باهيّا"، كما عرف الاعتقال والحبّ والزواج. كتب أكثر من 45 كتاباً، واعتُقِل مرَّات عديدة بتُهَم سياسيَّة، ونُفِي إلى بلدان كثيرة، وتزوّج مرَّتين، فاستحقَّ أن يكون في الصدارة على أكثر من صعيد: هو الكاتب الأكثر شعبيَّةً في البرازيل، والأكثر مبيعًا خارجها، والأكثر تعرّضاً للتجسّس من قبل الشرطة السياسيَّة التي راقبت تحركاته لحظةً بلحظة، والأكثر دخولاً إلى السجن (دخله في الأعوام 1935 و1937 و1942) بسبب انتمائه إلى الحزب الشيوعي البرازيلي، ولآرائه السياسيَّة المعارضة للديكتاتور جيتوليو فارغاس (1882 – 1954)، كما أنّه الأكثر تعرّضاً لتجربة النفي خارج البلاد (نُفِيَ إلى الأرجنتين والأوروغواي وفرنسا وتشيكيا)، وأكثر من تحوَّلت رواياته إلى مسرحيَّات وأفلام سينمائيَّة ومسلسلات تلفزيونيَّة، وأكثر من تعرَّضت كتبه للمنع من قبل الرقابة، وصولاً إلى إحراق آلاف النسخ منها في السَّاحات العامَّة في مدينتَي باهيّا وساوباولو، بأمرٍ عسكري من السلطة السياسيَّة.

بدأ الطفل المتمرّد سباقه مع الحياة سريعاً، فعرف الكتابة في عمرٍ مبكّرٍ، حيث عمل في صحيفة "دياريو دا باهيّا"، كما عرف الاعتقال والحبّ والزواج.

حتى تجربة الزواج اختبرها أمادو أكثر من مرَّة، فبعد عودته من المنفى انفصل عن زوجته الأولى ماتيلد غارسيا روزا، وتزوَّج من الكاتبة زيليا غاتاي (1916 – 2008)، ابنة مدينة ريو دي جانيرو، التي تعرَّف إليها في العام 1945 في مؤتمر للكُتّاب، وتزوّجها بعد شهرين فقط من اللقاء الأوَّل، لتشاركه غاتاي 56 عاماً من حياته، منها 30 سنةً في باهيّا والبقيَّة في المنفى.

حاز أمادو على جائزة بابلو نيرودا (موسكو 1994)، وجائزة لويس دي كامويس (لشبونة 1995)، وجائزة سينو ديل دوكا (1998)، ورغم أنَّه رُشِّح لجائزة "نوبل" أكثر من مرَّة، لكنّه لم ينَلها حتى وفاته. ويتّفق كثيرون حول العالم على أنَّ جورجي أمادو لم يخسر جائزة "نوبل"، بل الجائزة هي التي خسرته.

هل تاب أمادو عن الشيوعيَّة؟

  • درس أمادو المحاماة لكنه لم يمارسها إلا في ساحات النضال والعمل السياسي
    درس أمادو المحاماة لكنه لم يمارسها إلا في ساحات النضال والعمل السياسي

عُرِف عن جورجي أمادو - المحامي الذي لم يقتنع يوماً بممارسة المهنة في قاعات المحاكم، بل عبر الدفاع عن حقوق الفقراء والمهمّشين في ساحات النضال والعمل السياسي - أنَّه تخلّى في العام 1955 عن تشدّده في موقفه السياسي، وكرَّس نفسه بالكامل للأدب، حيث شغل الكرسي الـ23 في الأكاديميَّة البرازيليَّة للآداب منذ سنة 1961، وهو الكرسي الذي منحته الأكاديميَّة لاحقاً لزوجته، زيليا غاتاي، تقديراً لموهبتها.

لكن ما سُرِّبَ لاحقاً عن كتابه "عذاب الليل"، يشي بما هو أكثر من الانشغال بالأدب عن السياسة، ويوضح سبب ذلك، فالكتاب هو مخطوط رواية من 76 صفحةً، شرع أمادو في كتابتها في أوج افتتانه بالشيوعية عام 1939، وتركها لدى رفيقٍ له في الأوروغواي، خشية مصادرتها وتوقيفه عند عودته إلى البرازيل بسبب محتواها الثوري، على أن يستكمل كتابتها لاحقاً. لكنَّ خيبة أمله من أسلوب ستالين في الحُكم أصابته بالإحباط، وجعلته يصرف النظر عن استكمال المخطوط، ومراجعته تمهيداً لطباعته.

تحكي الرواية 12 ساعة من حياة 12 شخصية، وتنعقد الحبكة حول انتظار علامة لبدء انتفاضة شيوعيَّة. في هذا العمل غير المكتمل، لا توجد شخصيَّة رئيسيَّة، بل يصف النصّ الحميم رغبات ومشاعر وآمال الرجال والنساء. قضى العمل أكثر من 7 عقود في الخفاء، ويعيش حالياً بصمتٍ في قسم الأدب والذاكرة في جامعة "سانتا كاتارينا" الفيدراليَّة.

تخلّ أمادوى في العام 1955 عن تشدّده في موقفه السياسي، وكرَّس نفسه بالكامل للأدب، حيث شغل الكرسي الـ23 في الأكاديميَّة البرازيليَّة للآداب منذ سنة 1961، وهو الكرسي الذي منحته الأكاديميَّة لاحقاً لزوجته، زيليا غاتاي، تقديراً لموهبتها.

 قبل ذلك، في العام 1941 تحديداً، كان أمادو قد ذهب إلى العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، بناءً على طلبٍ من الحزب الشيوعي البرازيلي، لكتابة سيرة حياة المناضل الشيوعي البرازيلي لويس كارلوس بريستيس، الذي اعتقلته حكومة فارغاس قبل ذلك بـ5 سنوات مع شريكته أولغا بيناريو، بعد حظْر حركة "أليانكا ناسيونال ليبرتادورا" التي قادها، فكانت روايته "فارس الأمل".

الرواية المكتوبة على عَجَل، كانت محاولةً فاشلةً لتحرير الزوجين المناضلين، نُشِرت أوَّلاً باللغة الإسبانيَّة، وتمَّ تداول نسخٍ منها سرّاً في البرازيل، حتى حُظِرت الطبعة في الأرجنتين وحُرِقت بأمرٍ من حكومة خوان بيرون، وصدرت النسخة البرازيليَّة الأولى من الرواية باللغة البرتغالية في العام 1945.

الكاتب الذي لم يمُت

  • تمثال لجورجي أمادو في مدينة باهيّا
    تمثال لجورجي أمادو في مدينة باهيّا

في الذكرى الحادية والعشرين لرحيل أمادو، وبينما تُزيّن كتبه، التي قاربت الـ50، أرفف المكتبات في أنحاء العالم، تبرز بشكلٍ صارخٍ عبثية منع الكتب وإسكات المبدعين، فالكتب تعيش إلى الأبد. 

وفي مقابل الشهرة الهائلة للكاتب جورجي أمادو، لا أحد يذكر الديكتاتور جيتوليو فارغاس إلا لماماً، وأحياناً على هامش الحديث عن أمادو نفسه!