رحيل مؤسس المسرح الفلسطيني في الشتات.. خليل طافش حالماً ومؤسساً

واحد من مؤسسي الحركة المسرحية الفلسطينية في الشتات ويقال بأنه "شيخ المسرحيين الفلسطينيين". من هو خليل طافش؟

نعت وزارة الثقافة الفلسطينية، أمس الخميس 25 نيسان/أبريل 2024، المسرحي خليل طافش (1943 - 2024)، الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 81 عاماً، قضى منها 50 عاماً في النشاط المسرحي.

تمثّل مشروع طافش وهمّه في خلق مسرح فلسطينيّ في الشتات. أما مشروعه الأكبر فكان تشكيل فرقة قومية عربية تضم فنانين من أنحاء الوطن العربي، وقد دعا إلى ذلك في ستينيات القرن الماضي خلال مؤتمر صحفي،لكنّ أحداً لم يلتفت إلى هذه الدعوة، حتى مجيء الفنان المغربي الطيب الصديقي.

توحيد الجهود المسرحية في الشتات الفلسطيني تحت راية فرقة واحدة أو مسرح وطني فلسطيني لم يكن أمراً سهلاً، كما أنه عصيّ على التحقّق بالنسبة إلى رجل واحد. لكنّ طافش حقق ذلك مطلع السبعينيات، ووحّد جهود مسرحيين فلسطينيين أكاديميين وهواة، ما استقطب مثقفين سوريين للمشاركة في الأنشطة المسرحية مع طافش. 

لم ينته الحلم، ولا المشروع، بالنسبة إلى خليل طافش. وكان قد تمنّى عام 2019 في كلمة له بمناسبة افتتاح "مهرجان فلسطين الوطني للمسرح"، لو أنّ المهرجان كان قادراً على استيعاب فنانين من كل أنحاء فلسطين ومن الشتات. لكنّ الجهود المسرحية في الأراضي الفلسطينية نفسها مشتّتة بسبب ممارسات الاحتلال والظروف القاسية هناك، وكذلك في الشتات الفلسطيني اليوم، لا سيما بعد رحيل جيل كامل من الرواد، وتغيرات عديدة طرأت على القضية الفلسطينية نفسها بعد اتفاق أوسلو. 

إنّ نظرة على الفرق المسرحية في الضفة والأراضي المحتلة وبلاد الشتات مثل لبنان والأردن تؤكد أنّ هناك نشاطاً مسرحياً فلسطينياً خالصاً، لكنه مشتّت جغرافياً، وتمنّي طافش عام 2019 يعني استمراراً لمشروعه، الذي لا بد لأحد ما من أن يعمل على الوصول إليه.

حلمان متحققان

  • من بروفات مسرحية
    من بروفات مسرحية "الكرسي" عن نص لمعين بسيسو (المسرح الوطني الفلسطيني، 1973)

ولد خليل طافش عام 1943 في قرية عاقر جنوب غرب الرملة، ونشأ في معسكر الشاطئ للاجئين في قطاع غزة. بعد ذلك، درس المسرح في القاهرة وتخرج من "المعهد العالي للفنون المسرحية" عام 1969، وبدأ مع "فرقة حركة فتح المسرحية" في العام نفسه، التي توقف نشاطها بسبب أحداث "أيلول الأسود" في الأردن عام 1970، وما لبثت أن عادت بعد ذلك بعام على نحو أكثر فعاليّة.

من هناك بدأ مشروع طافش يدخل حيّز التنفيذ. إذ طوّر الفرقة لتصبح "فرقة المسرح الوطني الفلسطيني"، ولأوّل مرة يكون هناك مسرح وطني فلسطيني في الشتات، يبدأ ترويجياً لأفكار "منظمة التحرير الفلسطينية" التي تبنّته، ثم يخرج عنها، ويستقطب أكاديميين وهواة.

وخلال الفترة التي أدار فيها طافش الفرقة ظهرت عروض مسرحية هي: "الحلم الفلسطيني" نص رشاد أبو شاور وإخراج حسين الأسمر، "مؤسسة الجنون الوطنية" عن نص لسميح القاسم وإخراج السوري فواز الساجر، والتي كتب لها أحمد دحبور أغاني أشهرها "والله لزرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر"، وغيرها من العروض. ثم تولى المخرج جواد الأسدي إخراج أعمال الفرقة، وكانت آخر مسرحية أخرجها هي "الاغتصاب" عن نص المسرحي السوري سعد الله ونوس. 

هكذا تحقق مشروعا وحلما خليل طافش في آن واحد، فمن جهة صار هناك "مسرح وطني فلسطيني"، ومن جهة ثانية، تحقق إنشاء فرقة عربية من خلال المسرح الوطني الفلسطيني نفسه. إذ عمل به كما سلف مخرج وكاتب سوري، أي فواز الساجر وسعد الله ونوس، إضافة إلى الكاتب السوري ممدوح عدوان الذي أخرج حسن عويتي مسرحيته "محاكمة الرجل الذي لم يحارب"، وقدّم العرض في "مهرجان دمشق المسرحي الرابع" عام 1972، و"مهرجان الجامعة الأول للفنون المسرحية"، وغير هؤلاء الثلاثة الذين يعدون أعلام الحركة المسرحية السورية، عمل مع الفرقة مخرج عراقي هو جواد الأسدي. 

زارت الفرقة تونس والجزائر وعرضت في مدنهما وقراهما، وأخرج خليل طافش مسرحية معين بسيسو "العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع" تحت عنوان "الكرسي"، ومثل هذا العرض فلسطين في "مهرجان المسرح العربي" في الرباط عام 1974 وحققت صدى في أوروبا، إذ كتبت عنها جريدة "لوموند" الفرنسية، ووصفتها بأنها من أهم المسرحيات التي عالجت قضية فلسطين.

استقطبت الفرقة بعد نجاحاتها عدداً أكبر من الأكاديميين الفلسطينيين والهواة مثل يوسف حنا وداوود يعقوب وأكرم شريم وزيناتي قدسية وسعيد المزين ويعقوب أبو غزالة وزهير الحسن وتيسير إدريس وغيرهم، إضافة إلى فنانين سوريين. 

تجارب التأسيس 

  • خليل طافش مع نادية فهمي وفردوس عبد الحميد وآخرين في المسرح القومي بالقاهرة عام 1968
    خليل طافش مع نادية فهمي وفردوس عبد الحميد وآخرين في المسرح القومي بالقاهرة عام 1968

تقول ماري إلياس في مقالة لها عن المسرح الفلسطيني إنّ اسم خليل طافش برز في المرحلة الثانية من تاريخ المسرح الفلسطيني والتي تقع بين الأعوام 1967 - 1993، أي بعد ولادة المسرح الفلسطيني في نهاية القرن الــ 19 وظلت حتى النكبة. وتضيف بأنّ خليل طافش هو مؤسس المسرح الفلسطيني في الشتات.

تجربة التأسيس هذه لا يتم الوقوف عندها كثيراً، لأن كل من يتناول تجربة طافش يكتفي بذكر أنه مؤسس المسرح الوطني الفلسطيني من دون الوقوف على صعوبة فعل مثل هذا، أو ما ينطوي عليه.

كان خليل طافش منشطاً مسرحياً قبل أي شيء آخر، ليس مخرجاً مسرحياً أو مديراً لفرقة أو مسرح وطني وحسب، بل منشطاً للممارسة المسرحية، وجامعاً لأكاديميين وهواة لهدف واحد وغاية واحدة. تجربة تأسيس "مسرح وطني فلسطيني" جامع في الشتات، هي تجربة رائدة في تاريخ المسرح الفلسطيني، ووصلت به إلى بلدان عربية عديدة، من دون أن يبقى حبيس مسرح جامعي أو مدرسة أو ناد. والتجربة، بمعناها الأكبر، تعني مأسسة المسرح الفلسطيني في وقت لم تكن فيه مؤسسات فلسطينية عدا "دائرة الثقافة والإعلام" التي لها عشرات المهمات ومنها المسرح، من دون أن تكون له رعاية مستقلة.

مأسسة المسرح في ذلك الوقت، وجعله مسرحاً "وطنياً" في الشتات، تجربة من أهم التجارب التي مرّ بها المسرح الفلسطيني. وغير جمع المسرحيين الأكاديميين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، كتّاباً وممثلين ومخرجين ومغنّين وفاعلين مسرحياً، كانت لتجربة طافش ميزة أخرى هي رؤيتها لمشروع كبير تتوخى تحقيقه في مرحلة حساسة زمنياً وسياسياً.

ليس غريباً إذاً أن يكون قد اشترك في تأسيس المسرح الجامعي في دمشق عام 1972، بتقديمه مسرحية "مهاجر بريسبان" لجورج شحادة، أو أن يكون مؤسساً للمسرح الموريتاني الذي استفاد من تجربته بين 1977 حتى 1994.

المسرح امتداد تاريخي

  • من بروفات وافتتاح مسرحية
    من بروفات وافتتاح مسرحية "الجسر" عام 2003

يقول الكاتب والباحث الفلسطيني شفيق التلولي في حديث مع "الميادين الثقافية" إنه برحيل خليل طافش تخسر الحركة الإبداعية العربية والفلسطينية قامة من قاماتها ومثقفيها الموسوعيين، إذ علاوة على مهاراته في الإخراج المسرحي، كان لطافش إسهامات في إطار الفن التشكيلي أيضاً.

ويضيف التلولي أنه بعد تنقّل طافش في عواصم وبلدان عربية مثل مصر وموريتانيا وسوريا التي احتضنته، عاد إلى فلسطين فاتحاً طريقاً جديداً أمام الممارسة المسرحية في مختلف الاتجاهات، ليكون واحداً من مؤسسي الحركة المسرحية الفلسطينية، ويصبح "شيخ المسرحيين الفلسطينيين"، برؤيته الفكرية والسياسية والوطنية والمعرفية. وقد ترك بصمته في كل مبدع وفنان فلسطيني على مدار 50 عاماً من الفعل الثقافي.

من أهم تجارب طافش نذكر أيضاً "العنب الحامض" (قدمه في غزة عام 1996) عن نص للبرازيلي غوليرميه فيجويريدو، و"الجسر" (قدمه في غزة عام 2003) عن نص "جسر آرتا" لجورج ثيوتوكا.