رسالة من فتاة غزية إلى العرب والمسلمين
أنا على يقين بأنكم لا تُحصون رسائلي، أو حتى لم تعودوا تفتحونها. لكن اسمحوا لي أن أُفاجئكم بهذه الرسالة السادسة! عددٌ صغيرٌ ولكنه كبير، حين يكون فحوى الرسائل ومغزاها واحد، وحين تكون موجّهة إليكم أيها العرب والمسلمون.
-
غزة
إلى من يعرفون تحية الإسلام،
إليكم يا من تعقدون ألسنتكم عند "غزة" أختكم في العقيدة والعروبة،
السلام عليكم أيها العرب والمسلمون، قد تكونون سئمتم مني ومن رسائلي، وسئمتم من حروف تشابكت فقط لتحرِّك ساكناً. سئمتم من تذكيري لكم بأنكم هذا الساكن، العاجز، الصامت. أما أنا، فلم أسأم، فلا تنتظروا مني أن أكفَّ عن كتابة الرسائل لكم. ربما أكفّ حين يعرف الطفل في قطاع غزة ماذا تعني الطفولة، ويعيشها، وحين يتذوّق الفرح الحقيقي، وحين لا يعرف أطفال الغد ويلات الحرب، وحين تشمخ مباني القطاع من جديد، ولا أرى في أفقه خيمة.
أنا على يقين بأنكم لا تُحصون رسائلي، أو حتى لم تعودوا تفتحونها. لكن اسمحوا لي أن أُفاجئكم بهذه الرسالة السادسة! عددٌ صغيرٌ ولكنه كبير، حين يكون فحوى الرسائل ومغزاها واحد، وحين تكون موجّهة إليكم أيها العرب والمسلمون.
يؤسفني بحقّ أنني لم أستشعر أي بوادر لرد فعلي على أرض الواقع. أرسلتم لي قلوباً مكسورة، لكنها لا تفيدني، فأنا يُسفك دمي، وأُهجَّر من مدينتي، ويُهلِعني المحتل. ويجعلني أسير نحو المجهول بقدمين لا أحسّ بهما. أُهجَّر قسرياً وأُشرَّد، والعالم يسمّيه نزوحاً. أُطالب بطعام يسدَّ رمقي أحصّله بكرامتي لا بدمي أو بالتخلّي عن سمات الإنسان. ولا أنسى أن عقلي أحوج للغذاء، لكن لا تقلقوا، دعوا الغمة تنزاح وسأُغذِّي عقلي وعقولكم أيضاً.
أيها العرب، ها نحن نسير باتجاه العام الثالث على حرب الإبادة، التي لو وُضعت فوق حجرٍ لَفَلَقته. هل تعلموني لمن بعتم العروبة؟ لأشتريها وأحلّ نفسي بنفسي.
أيها المشتري للعروبة، بِعني إياها لأزرع بذورها في القلوب، وأُعيد مجداً ولَّى.
أيها المسلمون، أيُرضيكم أن تكونوا أقرب لوصف "غُثاء السيل" على ألّا تكونوا كـ "البنيان المرصوص"؟ أيُّ ذُلٍّ أوقعتم فيه أنفسكم وأنتم من أمَّة محمد؟ وما لكم مغترّين بأنفسكم، وأنتم جسرٌ آيلٌ للتصدّع، وجبلٌ شامخٌ مُليئ بالشقوق؟
اشمخوا بصدق لا بزيف،
اشمخموا بتضامنكم معي،
اشمخوا بتضميد جراح الأمة.
ثانية واحدة تكفي لأن تجعلنا نهرول من أمام الدبابات، وسط رصاصٍ يزخّ. لا نظن أننا سنسلّم، لكننا نخرج سالمين لأن رحمة الله وإرادته كانت أقرب إلينا من ظنّنا. ربما تدهسنا الدبابات، أو تخترق رصاصةٌ رؤوسنا، أو يفتت أجسادنا صاروخ. لهذا، لا أحد منا يضمن أين سيكون بعد دقيقة، أو أين سيكون في الغد.
وأنتم أيضاً لا يمكنكم ضمان أنفسكم فما هي إلا آجال. لكن الفرق بيننا وبينكم - أيها المتأملون من بعيد - أن رحيلنا هنا ليس فناءً، بل ارتقاء نرجوه، وشهادة نتمناها. فبينما تعدون أنفسكم لحساب عدل آخر، نعد أنفسنا للقاء رب عادل كريم.
إفعلوا شيئاً.. لا تكونوا صامتين في وجه الظلم. غيّروا في موازين أموركم، ولتكن نصرتكم لنا بالفعل، لا بقلوب متألمة فقط.
تحرّكوا.. فربما قد تكونون البنيان المرصوص.