رُسُل الشمس

إليهم… الذين أبحروا بلا خوف،
وجعلوا البحر مرآةً للشمس،
فلم تعد الأمواج عتمةً بل أشرعةً من لهبٍ وضوء.

إليهم… الذين حملوا جراح الأرض في كفوفهم،
وألقوها في حضن النهار لتولد من جديد.

إليهم… الغرباء الذين صاروا شموساً،
فأضاؤوا ذاكرة الشعوب،
ورسموا على صفحة الماء ملامح الخلود.

**

(البحر يستيقظ)

في البَحرِ
ينهضُ صوتٌ غريبْ،
يمدُّ يداً من زَبَدْ،
ويَكتُبُ فوقَ المدى
حكايةَ نارٍ وماءْ. 

السفنُ البيضاءُ
تشقُّ العتمةَ
مثلَ رماحٍ من الضوءِ
تزرعُ فجراً على صفحةِ الليلْ،
والأمواجُ
تُصفِّقُ في ارتباكٍ عظيمْ
كأنَّها تعرفُ
أنَّ القلوبَ على متنِها
أكثرُ صلابةً من الحديدْ.

** 

(المسير)

فــي البَحرِ يمتدُّ ظِلٌّ عظيمْ
كَقوسٍ يشقُّ نداء السماء 

يُسافِرُ في جُرحِنا نــازفاً،
ويَزرَعُ في المَوجِ خُبزَ الجياع. 

غَريبٌ تَحالفَ مَعْ نَجمِهِ،
وألقى على البحرِ موج الحياة،
يُحاوِرُ في اللَّيلِ رُوحَكِ يا غَزّةَ،
يَكسِرُ قَيدَ الحَصارِ ويرسل في المدى
صوت النشيد.

**

(الأعراب)

أمّا العُرْبُ؟
فَجُدرانُهُم بارداتْ،
وقُصورُهُمُ سُرُجٌ من غُبارْ،
يُغَنّونَ للنومِ،
يَسكبُ في كأسِهم وَهمُهُم،
ويتركونَكِ للعاصفاتْ.

** 

(رسل الضوء)

هُمُ الغرباءُ...
لكنَّهُم حينَ جاؤوا كأعمدةِ الشَّمسِ،
صارَ المدى مجدَهمْ،
وانحنى الموجُ لطيف ظلالهم الشاهقات،
واستفاقَتْ رياحٌ قديمةْ.
من كل الجهات .. 

غَزّةُ...
لا تَسألي أينَ كانوا أولئك الأعرابْ،
ففي الصَمتِ ماتوا،
وفي الذلِّ باعوا
مفاتيحَ أبوابِهمْ
للغزاة.

**

(ملحمة الأشرعة)

أمّا الوجوهُ التي لا تُهادنْ،
أمّا الأشرعةْ،
أمّا الطيفُ يَرسُمُ فجرَكِ...
فما زالَ في البحرِ أسطولُكِ الصامدُ الآنَ
يَكْبُرُ...
مثلَ الحقيقةْ. 

فلمّا أضاءتْ رايات الأشرعة..
كأنّ النجومَ انسكبتْ في العبابْ،
تَشظّى الظلامُ...
وكانوا سَفائنَ نورٍ
تُسافِرُ في جرحِ غزّةَ
نحوَ الخلودْ.

**

(الذاكرة الأبدية)

يُلاحِقُهُمُ مَوتُهمْ ضاحكاً،
فتهزِمُهُ صَدورهُم،
ويَعبُرُهُ صَوتُهُمُ
كأنّ الصدى أُمَّةٌ لم تَخُنْ. 

سيَذكُرُهُمُ المَوجُ حينَ ينامُ،
ويَذكُرُهُمُ الدَّهرُ حينَ يُفيقْ،
ويَذكُرُهُمُ الطِّفلُ في جُرحِهِ،
كَأنَّ البقاءَ انبِلاجٌ لهمْ،
وأنَّ الفناءَ
غُبارُ الأعراب السُّكارى
وهم يمضون 
في سراب العدم.

**

(سقوط الهياكل)

في آخرِ البحرِ...
تُرفعُ غزّةُ
كأنَّها مِئذنةْ،
وحولَها
تسقطُ كل هياكل الرمل
والشعارات
تذروها ريحُ الحقيقةْ.